يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(087)الجهاد في سبيل الله-الفرع الحادي عشر من صفات القائد: اختبار إرادة القتال لدى الجيش

(087)الجهاد في سبيل الله-الفرع الحادي عشر من صفات القائد: اختبار إرادة القتال لدى الجيش

معرفة القائد إرادة جيشه القتال أو عدم إرادته، من أهم قواعد الجهاد في سبيل الله، لأن القائد واحد، والنواب الكبار قليلون لا يكفي أن يعرف إرادتهم، بل لا بد من التعرف الذي يعلم به إرادة الجيش كله أو أغلبه، ليقدم أو يحجم وهو على بصيرة من أمره، لأنه لو أقدم بهم وهم لا يريدون القتال، وهو لا يعلم ذلك منهم، يكون قد بنى خططاً وحدد أهدافاً وأعد إعداداً، مبنية كلها على أوهام، سرعان ما ينكشف له أنه قصر في اكتشافها قبل خوض المعركة، برجال لا إرادة عندهم لخوضها.

وقد كانت مشاورة الرسول صَلى الله عليه وسلم، قبل بدء المعارك من أهدافها معرفة إرادتهم القتال، كما حصل في بدر في خوض المعركة، وفي أحد في الخروج وعدمه، ولهذا عاتبه ربه عتاباً لطيفاً مسبوقاً بالعفو على إذنه لبعض المنافقين قبل أن يبلوهم. كما قال تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم ا لكاذبين}[التوبة: 43].

قال ابن جرير رحمه الله: "وهذا عتاب من الله تعالى ذكره، عاتب به نبيه صَلى الله عليه وسلم، في إذنه لمن أذن له في التخلف عنه حين شخص إلى تبوك لغزو الروم من المنافقين، يقول جل ثناؤه{عفا الله عنك} يا محمد ما كان منك في إذنك لهولاء المنافقين، الذين استأذنوك في ترك الخروج معك، وفي التخلف عنك من قبل أن تعلم صدقه من كذبه"[جامع البيان عن تأويل آي القرآن(10/141)].

وقد سجل القرآن الكريم اختبار القائد إرادة القتال – والطاعة - عند جنوده في قصة طالوت، كما قال تعالى: {فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس مني، ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده، فشربوا منه إلا قليلاً منهم، فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين}[البقرة: 249].

نعم الفئة القليلة المريدة للقتال - من جند الله - تغلب الفئة الكثيرة، أما الفئة التي لا تريد القتال، ولو كثرت - فإنها لا تَغلِب بل تُغلَب. وعلى القائد أن يختبر جنده، حتى يصطفي الفئة المؤمنة الصابرة التي تريد القتال.

قال سيد قطب رحمه الله: "هنا يتجلى لنا مصداق حكمة الله في اصطفاء هذا الرجل، إنه مقدم على معركة، ومعه جيش من أمة مغلوبة، عرفت الهزيمة والذل في تاريخها مرة بعد مرة، وهو يواجه جيش أمة غالبة، فلا بد إذن من قوة كافية في ضمير الجيش تقف به أمام القوة الظاهرة الغالبة. هذه القوة الكامنة، لا تكون إلا في الإرادة التي تضبط الشهوات والنزوات، وتصمد للحرمان والمشاق، وتستعلي على الضرورات والحاجات، وتؤثر الطاعة وتحتمل تكاليفها فتجتاز الابتلاء. فلا بد للقائد المختار إذن أن يبلو إرادة جيشه وصموده وصبره، صموده أولاً للرغبات والشهوات، وصبره ثانياً على الحرمان والمتاعب".[في ظلال القرآن(2/268)].

هذا وقد حكى النبي صَلى الله عليه وسلم عن بعض الأنبياء، أنه نهى من تعلقت نفسه بشيء يصعب عليه أن يتجرد للقتال قبل أن يناله، نهاه أن يخرج معه للقتال، لعلم ذلك النبي أن أمثال هؤلاء لا يرجى منهم أن يحققوا الأهداف المرسومة. كما في حديث أبي هريرة رَضي الله عنه: "قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فقال لقومه: لا يتبعني رجل مَلَكَ بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها، ولا أحد بنى بيوتاً لم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر أولادها)[البخاري رقم(3124) فتح الباري(6/220) ومسلم(3/1366)].

قال النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث أن الأمور المهمة ينبغي ألا تفوض إلا إلى أولي الحزم وفراغ البال لها، ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها، لأن ذلك يضعف عزمه ويفوت كمال وسعه فيه"[شرح مسلم(12/51)].

الفرع الثاني عشر: الشجاعة والكرم

والقائد المسلم لا بد أن يكون شجاعاً رابط الجأش، ليكون قدوة لجنوده في الثبات وقت الشدائد، كما كان كذلك الرسول صَلى الله عليه وسلم، وقد مضى ذكر صموده في غزواته، ولا سيما غزوة أحد، وغزوة حنين، ولولا ذلك الثبات لكانت الهزيمة ساحقة في أحد، ولما آب الصحابة في حنين بروح عالية فنصرهم الله.

وكذلك يجب أن يكون القائد المسلم متصفاً بصفة الكرم، التي هي من أهم أركان الجهاد في سبيل الله، فإنه إذا كان كريماً يبذل المال والسلاح والمؤن لجنوده، ويؤثرهم على نفسه فيحوز ثقتهم من جهة، ويقارعون هم العدو بما يجود به عليهم من جهة أخرى، وقد كان الرسول صَلى الله عليه وسلم أجود الناس، كما كان أشجع الناس، والبخل يلازمه – غالباً - الكذب والجبن. والقائد الكاذب الجبان البخيل، هو من قادة الفشل والخسران لا من قادة النصر والفلاح.

وفي حديث أنس رَضي الله عنه: "كان النبي صَلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة فكان النبي صَلى الله عليه وسلم على فرس، وقال: (وجدناه بحراً).

وفي حديث جبير بن مطعم أنه بينما هو يسير مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم، ومعه الناس مقفلة من حنين، فعلقت الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فوقف النبي صَلى الله عليه وسلم فقال: (أعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوبا جباناً)[هذا الحديث والذي قبله في صحيح البخاري: الفتح(6/35) رقم: 2820 ـ 2821].

هذا وبدون الشجاعة والكرم لا يستقيم أمر المسلمين، بل لا يستقيم أمر الناس كلهم، قال ابن تيمية رحمه الله: "ولما كان صلاح بني آدم لا يتم في دينهم ودنياهم، إلا بالشجاعة والكرم، بين سبحانه أن من تولى عن الجهاد بنفسه، أبدل الله به من يقوم بذلك، فقال: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض، أرضيتُم بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل، إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً، ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً، والله على كل شيء قدير}[التوبة: 38 ـ 39].
وقال تعالى: {ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله، فمنكم من يبخل، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}[محمد: 38].

وبالشجاعة والكرم في سبيل الله فَضَّل السابقين فقال: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعدُ وقاتلوا، وكلاً وعد الله الحسنى}[الحديد 11 انتهى كلامه من مجموع الفتاوى(28/157)].

والجيش الإسلامي يجب أن يكون متصفاً بالصفتين المذكورتين، وليستا خاصتين بالقائد وإن كان يجب أن يكون أشجعهم وأكرمهم، لأنه قدوتهم ولذلك ذكرتا في صفاته.

ولقد ابتعد أكثر المسلمين الآن عن الاتصاف بهاتين الصفتين في الجهاد في سبيل الله، وإن كانوا يبذلون الأموال بسخاء في غير هذا السبيل، من محرمات ومباحات ومكروهات، وترف مبالغ فيه.

وعندما توجد جماعة من المسلمين تنذر نفسها للجهاد في سبيل الله، دفاعاً عن دينها وأرضها وعرضها، من المهاجم الكافر الذي عنده من القوة ما لا قبل لتلك الجماعة به، وهي لا تقاتل العدو المهاجم فقط، وإنما تقاتله وتقاتل عبيداً له مهدوا له السبيل في البلدان الإسلامية، عندما توجد هذه الجماعة، وهي لا تملك شيئاً تنفقه على أفرادها من مؤن وسلاح وذخائر، وتستصرخ المسلمين وتستنصرهم، لا ليقاتلوا معها، بل ليجهزوا غزاتها، فلا تجد المدد الكافي، بل الضروري من بقية المسلمين، والذي يبذل شيئاً يبذل ما لا يذكر بجانب حاجتهم، ويبذله وكأنه صدقة تطوع ليست واجبة عليه.

ولولا أنه يوجد بقية في المسلمين، يؤدون ما أوجب الله عليهم بإخلاص، لكان المسلمون في أسوأ من حالهم المتردي الآن، بسبب بخلهم بالمال في سبيل الله وجبنهم عن الجهاد بأنفسهم.

ولقد أذاق الله المسلمين عذابه في الدنيا، بذلهم لأعدائهم وفرقتهم فيما بينهم، وإذا لم يفيقوا من سباتهم فيبذلوا نفوسهم وأموالهم في سبيل الله، فإنه سيستبدل بهم غيرهم كما قال الله: {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم}[محمد: 38].





السابق

الفهرس

التالي


14435077

عداد الصفحات العام

644

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م