يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(093)الجهاد في سبيل الله-المبحث الأول: التجرد لله تعالى أو القتال لغرض آخر

(093)الجهاد في سبيل الله-المبحث الأول: التجرد لله تعالى أو القتال لغرض آخر


إن من أهم عوامل النصر أن يكون المجاهدون متجردين في جهادهم لله سبحانه، لا تتعلق نفوسهم بمغنم مادي ولا بجاه أو منصب، بل ولا بالنصر على الأعداء إلا لأن فيه إعلاء كلمة الله سبحانه، وإنما يكون قصدهم الحصول على رضا الله عنهم بالجهاد في سبيله وحده، لتكون كلمته هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى تنفيذاً لأمر الله سبحانه بالإخلاص. {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيمة}[البينة: 5].



وعملاً بحث الرسول صَلى الله عليه وسلم على تصحيح النية لله تعالى في كل الأعمال الصالحة.كما في حديث عمر بن الخطاب رَضي الله عنهقال: "سمعت رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)".[البخاري رقم 6689 فتح الباري(11/572) ومسلم (3/1515)].



وحديث أبي موسى رَضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى النبي صَلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)[البخاري رقم 123 فتح الباري(1/222) ومسلم(3/152)].



ولقد أنكر الله سبحانه على عباده المؤمنين أن تتعلق نفوسهم بشخص من البشر، وهم يقاتلون، ولو كان ذلك الشخص هو رسول الله صَلى الله عليه وسلم، ليكون إخلاصهم له تعالى كاملاً، يقاتلون في سبيله، سواء كان الرسول صَلى الله عليه وسلم حاضراً أم غائباً حياً أم ميتاً، لأنه إذا غاب فالله حاضر، وإذا مات فالله حي لا يموت، والجهاد إنما هو في سبيله وحده. قال تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً، وسيجزي الله الشاكرين، وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها، وسنجزي الشاكرين}[آل عمران: 144ـ145].



وقال سيد قطب رحمه الله: "إن البشر إلى فناء، والعقيدة إلى بقاء، ومنهج الله للحياة مستقل في ذاته عن الذين يحملونه ويؤدونه إلى الناس من الرسل والدعاة على مدار التاريخ. والمسلم الذي يحب رسول الله - وكان الصحابة يحبونه الحب الذي لم تعرف له النفس البشرية في تاريخها كله نظيراً - هذا المسلم الذي يحب محمداً ذلك الحب، مطلوب منه أن يفرق بين شخص محمد صَلى الله عليه وسلم، والعقيدة التي أبلغها وتركها للناس من بعده، باقية ممتدة وموصولة بالله الذي لا يموت. إن الدعوة أقدم من الداعية... وهي أكبر من الداعية وأبقى من الداعية. فدعاتها يجيئون ويذهبون، وتبقى هي على الأجيال والقرون، ويبقى أتباعها موصولين بمصدرها الأول الذي أرسل بها الرسل، وهو باق سبحانه ويتوجه إليه المؤمنون وما يجوز أن ينقلب أحد منهم على عقبيه"[في ظلال القرآن(4/485)].



وتضعف نفس المؤمن، لأنه بشر، فتكره لقاء العدو وتميل إلى الحصول على الغنيمة، دون لقاء في ساح القتال، فيوجه الله ذلك المؤمن الى أن يتجرد من إرادته ويتسامى إلى إرادة الله لرفع كلمته وإحقاق الحق وإبطال الباطل.كما قال تعالى: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون، يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، وإذ يعدُكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم، وتودُّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، ويريد الله أن بحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون}[الأنفال: 5ـ8].





ونهى الله المؤمنين أن يضعفوا في طلب عدوهم، معللاً ذلك بأنهم يشتركون في الألم الحاصل من القتال، وبزيادة ينالها المؤمنون ولا ينالها عدوهم وهي ما يرجونه من الله. قال تعالى: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون، وكان الله عليماً حكيماً}[النساء: 104].



ولعل في ذكر الله سبحانه نصر المؤمنين ذكراً مستأنفاً، بعد أن بين لهم أركان التجارة الرابحة التي ينالون بها الفوز العظيم، ما يدل دلالة واضحة على هذا التجرد، إذ لم يجعل النصر الذي تحبه النفوس من ربح التجارة التي دلهم عليها، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين}[الصف: 10ـ13].



وقد ذكر ابن جرير رحمه الله اختلاف أهل العربية في ذلك، أهو معطوف على قوله هل أدلكم على تجارة، أم هو مستأنف ورجح أنه مستأنف فقال: "والصواب من القول عندي القول الثاني وهو أنه معني به ولكم أخرى تحبونها... إلى أن قال: فمعنى الكلام إذا كان الأمر كما وصفت: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ولكن خلة أخرى سوى ذلك في الدنيا تحبونها: نصر من الله وفتح قريب يجعله لكم"[جامع البيان عن تأويل آي القرآن(28ـ90)].



وقد استهل ابن قدامة كتاب الجهاد بهذه الأحاديث منبهاً بها على الإخلاص لله والتجرد لإعلاء كلمته فقال: "روى أبو هريرة رَضي الله عنهعن النبي صَلى الله عليه وسلم قال: (انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسولي فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة) متفق عليه. ولمسلم: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم) وعن أنس رَضي الله عنهقال: "قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها) رواه البخاري" [المغني(9/196)].



وقال السرخسي رحمه الله: "ثم قال: (اغزوا باسم الله..) وبين أنه ينبغي لهم أن يقصدوا على اسم الله تعالى، كما قال صَلى الله عليه وسلم: (كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أقطع) قال: (وفي سبيل الله) أي: ليكن خروجكم لابتغاء مرضاة الله تعالى، لا لطلب المال فالمجاهد ببذل نفسه وماله، فإنما يربح على عمله إذا قصد به ابتغاء مرضاة الله تعالى، فأما إذا كان قصده تحصيل المال فهو كرةٌ خاسرة"[المبسوط(9ـ5) وحديث (كل أمر ذي بال...) وروي بألفاظ أخرى، فأخرجه أحمد في مسنده، عن أبي هريرة، برقم (8697) وأخرجه أبو داود، برقم (4840) وقال: "رواه يونس وعقيل وشعيب وسعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن النبي صَلى الله عليه وسلم مرسلا" وقال الحافظ في تلخيص الحبير، برقم (1494) "واختلف في وصله وإرساله فرجح النسائي والدارقطني الإرسال" وأخرجه ابن ماجه برقم (1894) وقال في كشف الخفاء ومزيل الإلباس (1964): "والحديث حسن"].



فإذا ما أرادت طائفة من المسلمين نصر الله تعالى على أعدائهم، فعليهم أن يربوا أفرادهم على الإخلاص لله والتجرد الكامل له، لا ابتغاء مال ولا جاه ولا رئاسة، وإلا فإنهم لا يكونون مجاهدين في سبيله، حتى يستحقوا نصره الذي لا يمنحه إلا لمن هو أهله، وإن الذي لا يتجرد له أجدر بالهزيمة من النصر.



وقد كان لتجرد الصحابة رضيَ الله عنهم في غزوة بدر، وفي غزوة الأحزاب، مع قلتهم وقلة عُددهم، وكثرة عدوهم وكثرة عتاده، ما كان من النصر الذي لا يخفى، وكان لإعجابهم بكثرتهم في غزوة حنين، وميل بعضهم إلى الغنائم في غزوة أحد، ما كان من خسارة وعقاب. قال تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم، فلم تغن عنكم شيئاً، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت، ثم وليتُم مدبرين}[التوبة: 25].



وقالتعالى في غزوة أحد: {ولقد صدَقكم الله وعدَه إذ تحسونهم بإذنه، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم، ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين}[آل عمران: 152].



قال سيد قطب رحمه الله: "إن معركة حنين التي يذكرها السياق هنا ليعرض نتائج الانشغال عن الله والاعتماد على قوةٍ غير قوته، لتكشف لنا عن حقيقة أخرى ضمنية، حقيقة القوى التي تعتمد عليها كل عقيدة، إن الكثرة العددية ليست بشيء، إنما هي القلة العارفة المتصلة الثابتة، المتجردة للعقيدة، وإن الكثرة لتكون أحياناً سبباً في الهزيمة، لأن بعض الداخلين فيها التائهين في غمارها، ممن لم يدركوا حقيقة العقيدة التي ينساقون في تيارها تزلزل أقدامهم وترتجف في ساعة الشدة، فيشيعون الاضطراب والهزيمة في الصفوف، فوق ما تخدع الكثرة أصحابها، فتجعلهم يتهاونون في توثيق صلتهم بالله، اشتغالا بهذه الكثرة الظاهرة عن اليقظة لسر النصر في الحياة. لقد قامت كل عقيدة بالصفوة المختارة، لا بالزبد الذي يذهب جفاءً، ولا بالهشيم الذي تذروه الرياح".[في ظلال القرآن(10/1618)].





السابق

الفهرس

التالي


14435069

عداد الصفحات العام

636

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م