[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
(096)
الجهاد في سبيل الله: المبحث الرابع: المصابرة والثبات أو الوهن والهزيمة
(096)
الجهاد في سبيل الله: المبحث الرابع: المصابرة والثبات أو الوهن والهزيمة
والصبر والمصابرة من أعظم أسباب النصر على الأعداء، و الصبر عند أهل اللغة حبس النفس على ما تكره، ومما تكرهه النفوس: القتال الذي تسيل فيه الدماء وتزهق فيه النفوس. كما قال تعالى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}
[البقرة: 216].
وكذلك أمر الله المؤمنين أن يستيعنوا بالصبر والصلاة، مقدماً له في الذكر، وختم ذلك موكداً أنه مع الصابرين. كما قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
[البقرة: 153].
ولم يقل مع المصلين، لأن الصبر إذا وجد في المؤمن حقاً كان معيناً لصاحبه على فعل الطاعات وترك المنكرات، ومن الطاعات الصلاة، وذكر سبحانه الصبر عاملاً من عوامل النصر على الأعداء وأكد أنه مع الصابرين..كما قال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}
[الأنفال: 45ـ47].
وأمر سبحانه بالصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى، ورتب على فعلها الفلاح، فقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[آل عمران: 200]. والفلاح شامل لفلاح الدنيا والآخرة، ومن فلاح الدنيا النصر على الأعداء، وهو أيضاً من فلاح الآخرة، لأن النصر على الأعداء يتيح الفرصة لتطبيق الإسلام في الأرض والقضاء على شوكة الكفر.
وكان الصبر من أهم الأسباب التي جعلت أولياء الله من أتباع الأنبياء يثبتون بعزة في صراعهم ضد الكفار، ولم يستكينوا ولم يهنوا أمام المحن والمصائب، وكان أهم الصفات البارزة التي أحبهم الله من أجلها. كما قال سبحانه:
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}
[آل عمران: 146].
ولقد سلَّى الله سبحانه نبيه عندما جحد قومه ما جاء به وآذوه وآذوا أصحابه فحزن لذلك.. سلاه بذكر ما أصاب إخوانه الأنبياء والرسل من قبله، إذ كذبوهم وآذوهم فصبروا على ذلك حتى جاءهم نصر الله. فقال تعالى:
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ، وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ}
[الأنعام: 33ـ34].
وإن لِمَن يُبْطِئُ عنهم النصر من المؤمنين، لأسوة حسنة في ركب الصابرين من الأنبياء وأتباعهم، في أن يصبروا حتى يأتيهم نصر الله. كما قال تعالى:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
[البقرة: 214].
وقال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}
[يوسف: 109ـ110].
فالصبر من أهم عوامل نصر المؤمنين على أعدائهم، كالتقوى، كما قال سبحانه:
{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ، وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}
[آل عمران: 125ـ126]. وقال تعالى:
{..وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}
[آل عمران: 120].
ولما كان الصراع بين الحق والباطل قائماً إلى يوم القيامة، وجنود الحق دائماً في صراع مع جنود الباطل..كما قال سبحانه:
{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}
[النساء: 76].وقال تعالى:
{… وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا…}
[البقرة: 217]. لما كان الأمر كذلك كان لزاماً على جند الله المؤمنين وحزبه المفلحين، أن يكون صبرهم أشد من صبر أعدائهم وأثبت وأشمل، حتى لا يولوا مدبرين عند أقل زلزلة، فيكون أعداؤهم أكثر ثباتاً منهم، والصبر من الأخلاق الإنسانية التي يمكن أن يأخذ كل واحد منها حظه على قدر عزمه وسمو هدفه وحرصه على تحقيق ذلك الهدف.. لذلك كان الصبر خير ما أعطيه عبد وأوسعه.
كما في حديث أبي سعيد الخدري رَضي الله عنه وفيه:
(ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر)
[متفق عليه: البخاري رقم 1469، فتح الباري
(3/335)
ومسلم
(2/729)
].
فلابد أن يكون المؤمن أكثر صبراً من عدوه في المعركة، كما إنه لا بد أن يكون صبره أشمل أي يصبر في كل موقع يستدعي الصبر في السراء والضراء، يصبر على لزوم الطاعة واجتناب المعصية، وبذلك يفوق عدوه الذي يشتد هلعه إذا ظن أن فرصة نصره قد فاتت، أو أنه قد أصبح على شفا الخسران والهلاك فيتزلزل وينفذ صبره لفقد ما كان يؤمل حصوله في دنياه.. بخلاف المؤمن الذي وصفه الرسول صَلى الله عليه وسلم بأن أمره كله له خير. كما في حديث صهيب بن سنان رضِي الله عنه قال: قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم:
(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن،إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)
[رواه مسلم
(4/2295)
].
لأن المؤمن يرجو من صبره تحقيق الهدف الذي خلقه الله له، وهو عبادته الموصلة إلى رضاه فصبره أثبت، إذ كلما طال وقت صبره عظمت حسناته وغفرت خطاياه.. وأشمل لأنه يصبر في المعارك على قتال عدوه البشري، ويصبر عن تعاطي المعاصي التي تشتهيها نفسه، لعلمه بأن النار حفت بالشهوات، ويصبر على أداء الطاعات التي قد تكرهها نفسه ودوامها، لأن الجنة حفت بالمكاره.. قال تعالى:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
[البقرة: 157].
قال ابن القيم رحمه الله: "وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها، أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر. وأما صبره على المعصية، فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة - ثم ذكر تلك الدوافع وهي كونه شاباً وعزباً وغريباً ومملوكاً، والمرآة جميلة وذات منصب وهي سيدته، وقد غاب الرقيب وقد توعدته بالسجن والصغار - ومع هذه الدواعي كلها صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله".[مدارج السالكين
(2/156)
].
وعندما يكون هذا شأن المؤمن يصبر في كل موقع، فإنه يزداد بصيرة وقرباً من الله وتوفيقاً، فينال عون الله ونصره ومدده، بخلاف الكافر -ومثله المنافق-الذي لا يصبر إلا لما يظهر له من ربح مادي يحققه، فإذا ظهر له أنه لا يتحقق نفد صبره كما مضى.
قال المودودي رحمه الله: "فمهما بلغ الرجل الغاية في الصبر واستولى على الأمد في حلبته، فلابد له أن يقف تحمله وينفد ثباته عند حد معلوم، إذا كان لأغراض عاجلة لأنه يستمد قوته ويتغذى من الجذور الفكرية للشرك وعبودية المادية. أما الصبر الذي يستجلب قوته من جذور التوحيد، والذي لا يبتغى من ورائه إلا وجه الله تعالى، فهو كنز مكنون لا تصل إليه يد السارق، وجيش عرمرم من الثبات والبسالة، لا يقدر أن يقف في وجهه سائر الشدائد والأهوال الممكنة في هذه الدنيا. ثم إن الصبر لغير المسلمين من نوع محدود ضيق جداً، فبينما تراه خائضاً غمار المعركة، ثابتاً أمام هجمات الرشاشات والقنابل ثبوت الجبال الراسيات، إذا به تراه مستسلماً لشهوات النفس الجانحة، لا يكاد يملك نفسه وعواطفه أمام هزة يسيرة من هزات الغريزة الثائرة. أما الإسلام فيطبق الصبر ويوسع تطبيقه على سائر الحياة الإنسانية، ويجعله سداً منيعاً ومعقلاً حصيناً، ليس دون أخطار وأهوال معدودة فقط، بل دون كل ما يحاول تنكيب الإنسان عن الصراط المستقيم، من المطامح والأخطار والوساوس والرغبات"[الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية ص26 ـ طبع دار الفكر بيروت].
نعم لما كان المؤمن يجب أن يكون أكثر صبراً وأثبت وأشمل، أمره الله بمصابرة الكافرين حتى ينفد صبرهم، وهو لا يزال صابراً مصابراً. كما قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[آل عمران: 200].
قال سيد قطب رحمه الله: "والمصابرة وهي مفاعلة من الصبر، مصابرة هذه المشاعر كلها، ومصابرة الأعداء الذين يحاولون جاهدين أن يفلوا من صبر المؤمنين، مصابرتها ومصابرتهم، فلا ينفد صبر المؤمنين على طول المجاهدة بل يظلون أصبر من أعدائهم وأقوى، أعدائهم من كوامن الصدور، وأعدائهم من شرار الناس سواء، فكأنما هو رهان وسباق بينهم وبين أعدائهم، يُدْعَون فيه إلى مقابلة الصبر بالصبر والدفع بالدفع والجهد بالجهد والإصرار بالإصرار، ثم تكون لهم عاقبة الشوط، بأن يكونوا أثبت وأصبر من الأعداء، وإذا كان الباطل يصر ويصبر ويمضي في الطريق، فما أجدر الحق أن يكون أشد إصراراً وأعظم صبراً على المضي في ا لطريق".[في ظلال القرآن
(4/552)
].
واقرأ النص الآتي الذي سجله التاريخ لمصابرة المسلمين أعداءهم، وكيف كانت لهم العاقبة عليهم.. قال ابن كثير رحمه الله: "لما وصل أبو عبيدة في اتباعه الروم المنهزمين إلى حمص، نزل حولها يحاصرها، ولحقه خالد بن الوليد فحاصروها حصاراً شديداً، وذلك في زمن البرد الشديد، وصابر أهل البلد رجاء أن يصرفهم عنهم شدة البرد، وصبر الصحابة صبراً عظيماً، بحيث إنه ذكر غير واحد أن من الروم من كان يرجع وقد سقطت رجله وهي في الخف، والصحابة ليس في أرجلهم شيء سوى النعال، ومع هذا لم يصب أحد منهم قدم ولا إصبع أيضاً. ولم يزالوا كذلك حتى انسلخ فصل الشتاء، واشتد الحصار وأشار بعض كبار أهل حمص عليهم بالمصالحة، فأبوا عليه ذلك وقالوا: أنصالح والملك منا قريب.... إلى أن قال: "فجاءت عامتهم إلى خاصتهم، فقالوا ألا تنظرون إلى ما أنزل بنا؟ وما نحن فيه؟ ألا تصالحون القوم عنا؟ فصالحوهم على ما صالحوا عليه أهل دمشق، على نصف المنازل، وضرب الخراج على الأراضي، وأخذ الجزية على الرقاب".[البداية والنهاية
(7/52)
].
الفهرس
14435088
عداد الصفحات العام
655
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م