يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) - (آل عمران)
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(097)الجهاد في سبيل الله-المبحثان الخامس والسادس: العدل- صحة الولاء أو فساده

(097)الجهاد في سبيل الله-المبحثان الخامس والسادس: العدل- صحة الولاء أو فساده


إنما شرع الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته التي منها إخراج الناس من عبادة العباد الى عبادة الله وحده، ومن جور السلطان إلى عدل الإسلام، فلا بد أن يكون المجاهدون في سبيل الله متصفين بالعدل، بعيدين عن الظلم ليس ظلم بعضهم بعضاً، فحسب بل ظلم غيرهم من أهل الأديان الأخرى أيضاً..



فالعدل واجب للمسلم وغير المسلم، ولذلك نهى الله المسلمين عن الاعتداء على من ظلمهم بغير حق، بل أوجب عليهم العدل، وألا يحملهم بغض عدوهم على عدم إنصافه - هذا في غير الاعتداء بالمثل فهو مشروع – قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى لإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[المائدة: من الآية2]. وقال: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة: من الآية8].



وعندما يعتدي العدو على المسلم، فليس له إلا معاملته بالمثل، كما قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[البقرة: من الآية194].



ولو أبيح للمظلوم أن يظلم من ظلمه بأكثر من ظلمه، لكان في ذلك من الفوضى وعدم الاستقرار في الأرض وعدم الأمن على الأنفس والأعراض والأموال ما الله به عليم. ولهذا كان الظالم مستحقاً لأخذ الله إياه بعقابه جزاء ظلمه.. كما في حديث أبي موسى رَضي الله عنه قال: "قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) قال ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [البخاري رقم: 4686، فتح الباري(8/354) ومسلم(4/1997) والآية من سورة هود: 102].


ولقد نادى الله عباده كلهم، مبينا لهم تحريم الظلم عليهم، كما حرم الظلم على نفسه، كما روى عنه نبيه صَلى الله عليه وسلم، في حديث أبي ذر رَضي الله عنه عن ربه: {يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا}[مسلم(4/1994)].



وإذا كان الظلم محرماً مطلقاً، والعدل واجب، والجهاد إنما شرع لرفع كلمة الله وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، وحده ومن جور السلطان إلى عدل الإسلام، فإن من رفع راية باسم الإسلام لجهاد أعداء الله وهو متصف بهذه الصفة جدير بالنصر على أعداء الله.



أما من رفعها وهو يفقد العدل ويتصف بالظلم، فإنه جدير بأن يكله الله إلى نفسه، بل أن يهزمه ويديل عليه عدوه الكافر إذا كان أكثر اتصافاً بالعدل والبعد عن الظلم من المسلم، وقد نص العلماء أن الدولة العادلة أحق بالقيام في الأرض ولو كانت كافرة من الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.



قال ابن تيمية رحمه الله: "وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في الإثم، ولهذا قيل: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة" ويقال: "الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام. وقد قال النبي صَلى الله عليه وسلم: (ليس ذنب أسرع عقوبة من البَغْيِ وقطيعة الرحم) فالباغي يصرع في الدنيا، وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة، وذلك أن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة"[مجموع الفتاوى(28/146)].



ولقد كان عدل المسلمين سبباً في حرص أعداء الإسلام على أن يحكمهم جند الله، بدلاً من ملوكهم الظلمة، فما كان نصر المؤمنين مقصوراً على القتال فحسب كما يزعم من يتهمهم بالقسوة والوحشية، وإنما كان من أهم أسبابه ذلك العدل الذي لم تألفه البشرية من أمة كما ألفته من المسلمين.



ولعل في قراءة الحادثتين الآتيتين، ما يجعل الأمر واضحاً جلياً لمن أنصف وألقى السمع وهو شهيد:



الحادثة الأولى: "لما جمع هرقل للمسلمين الجموع وبلغ المسلمين إقبالهم إليهم لوقعة اليرموك، ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، وقالوا شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم.. فقال أهل حمص: لولايتكم وعدلكم، أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم، ونهض اليهود فقالوا: والتوراة لا يدخل عامل هرقل مدينة حمص إلا أن نغلب ونجهد. فأغلقوا الأبواب وحرسوها، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود، وقالوا: إن ظهر الروم وأتباعهم على المسلمين، صرنا الى ما كنا عليه، وإلا فإنا على أمرنا ما بقي للمسلمين عدد، فلما هزم الله الكفرة وأظهر المسلمين فتحوا مدنهم وأخرجوا المفلسين فلعبوا وأدوا الخراج"[فتوح البلدان للبلاذرى (1/162)].



اليهود والنصارى الذين قال الله عنهم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة: من الآية120] يقولون للمسلمين الذين عدلوا فيهم: "لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم..." وهل فوق هذا النصر من نصر؟.



الحادثة الثانية: قال أبو عبيدة: "لما استخلف عمر بن عبد العزيز وفد عليه قوم من أهل سمرقند، فرفعوا إليه أن قتيبة دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر، فكتب عمر إلى عامله يأمره أن ينصب لهم قاضياً ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين أخرجوا. فنصب لهم جميع بن حاضر الناجي، فحكم بإخراج المسلمين على أن ينابذوهم على سواء، فكره أهل مدينة سمرقند الحرب، وأقروا المسلمين، فأقاموا بين أظهرهم".[فتوح البلدان أيضاً(3/519)].



أهل الحق الذين أوجب الله عليهم الدعوة والجهاد يتمكنون من فتح بلد ويستقرون فيه، فيشكوا أهل البلد غدراً منهم.. فيأمر الخليفة بمحاكمة جنده، ويقضي قاضي المسلمين بإخراج المسلمين المنتصرين، وعليهم أن يعلنوا الحرب على أعدائهم مرة أخرى، ولولا تنازل أهل البلدة عن حقهم في الخروج لخرجوا فعلاً. إنه العدل الذي فتحوا به القلوب قبل فتحهم البلاد بالسيف.





المبحث السادس: صحة الولاء أو فساده


ومن أسباب النصر على الأعداء، أن يحقق أولياء الله المؤمنون الموالاة والمعاداة: الموالاة لله ولرسوله وللمؤمنين، والمعاداة للكافرين، فإن الله سبحانه وتعالى إنما ينصر المؤمن على الكافر لكون المؤمن يؤمن بالله ويسعى لرضاه، ومن الأمور التي ترضي الله ألا يكون ولياً لأعداء الله، بل لأوليائه، ولهذا سمى الله المؤمنين: حزب الله، وأولياءه، وأنهم يقاتلون في سبيله، وسمى الكافرين أولياء الشيطان وحزبه، ومنح حزبه تعالى الغلبة والفوز والفلاح، وتوعد حزب الشيطان بالخسران.. قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 55-56].


وقال عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة: 22].


والذي يتأمل قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}[الصف: 14]. يظهر له أن من أهم أسباب نصر الله سبحانه، أن يحقق المجاهدون موالاته وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه.



ألا ترى أنه تعالى قال: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ}[الصف: من الآية14] ولم يقل على الذين كفروا التي يظهر للقارئ لأول وهلة أنها تناسب ذكر الذين آمنوا، وتناسب قوله: {فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ}[الصف: من الآية14].



وقال تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المجادلة: 19]. وقال: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}[النساء: 76].


والذين يزعمون أنهم مؤمنون ويظهرون لأعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين المودة والمحبة إذا سالموهم، وإذا قاتلوهم فإنما يقاتلونهم من أجل الأرض -ولهم الحق في الدفاع عنها- لا من أجل إعلاء كلمة الله الذين هم أعداؤه، فإنهم أولى بالهزيمة من النصر وهذا هو ما جازاهم الله به على مودتهم لأعدائه.



قال سيد قطب رحمه الله: "وما دام المسلمون لم يفاصلوا قومهم، ولم يتبرأوا منهم ولم يعالنوهم بافتراق دينهم عن دينهم، ومنهجهم عن منهجهم وطريقهم عن طريقهم، لم تتدخل يد الله سبحانه للفصل بينهم وبينهم، لتحقيق وعد الله بنصر المؤمنين والتدمير على الظالمين"[في ظلال القرآن(12/1447)].





السابق

الفهرس

التالي


14435092

عداد الصفحات العام

659

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م