﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


رابعاً: قصة الإفك وما ترتب عليها..

رابعاً: قصة الإفك وما ترتب عليها..
قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُون * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ * الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) الآيات..
هذه الآيات نزلت في قصة قوم رموا أم المؤمنين رضي الله عنها، وكون هذا سبب نزولها مجمع عليه.
وكان ذلك في غزوة المريسيع - وهي غزوة بني المصطلق، بطن من خزاعة، فنزلت هذه الآيات ببراءتها، رضي الله عنها، وكان ذلك بعد نزول الحجاب.
وكانت رضي الله عنها خفيفة اللحم، ليست سمينة، تحمل في هودجها على ظهر الجمل.
وكان لها عقد، فنزلوا منزلاً، فراحت تقضي حاجتها، فانقطع العقد، فتأخرت في طلبه، حتى سافر الناس، ووضعوا الهودج على الجمل ظانين أنها فيه، و لم يفقدوها لخفتها –
وعندما رجعت فلم تجدهم في محلها اضطجعت راجية أن يفقدوها ويرجعوا لالتماسها، فلم يقدر لهم ذلك.
وكان صفوان بن المعطل السلمي - يجتمع نسبه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مضر - يعرس وراء الركب، أي ينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيسافر، فلم يرعه إلا أن رأى السواد، فعرف أنها عائشة، لأنه كان يعرفها قبل الحجاب، فما زاد أن أسترجع، وأناخ البعير، وولاها ظهره حتى ركبت، وسار يقود بها، ولم يكلمها قط.
فلما جاء يقود بها وحده، نشأت الشبهة، فلفق جماعة عليها التهمة، وكان رئيس الملفقين عبد الله بن أبي.
والمراد بالعصبة الجماعة، وهم ثلاثة رجال وامرأة، فالرجال هم: عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة.
هؤلاء هم المشهورون في كتب التأريخ، وعد جماعة لهم رابعاً، وهو زيد بن رفاعة.
والمرأة هى حمنة بنت جحش.
ومن العجيب أن لمسطح بن أثاثة قرابة لآل أبي بكر من جهة أمه لأم أبي بكر، رضي الله عنه، وكان أبو بكر ينفق عليه ومع ذلك كان بين العصبة المذكورة.
فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل ما قيل، وقع في نفسه من ذلك.
ومرضت أم المؤمنين عائشة، رضى الله عنها، فلم تجد من النبي صلى الله عليه وسلم عطفاً كما كانت عادته من قبل.
وكان إذا زارها قال: كيف تيكم، وهي لا تدري عما رميت به شيئاً.
فخرجت ذات ليلة مع أم مسطح، وكانت غاضبة على ابنها إذ رمى عائشة فعثرت فقالت: تعس مسطح!
قالت عائشة: وهي سليمة الصدر، وصدق الله إذ قال: ((الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات)) ..
قالت: بئس ما قلت، تدعين على رجل شهد بدراً؟
فأخبرتها أم مسطح بما جرى، فجاءت إلى أمها وسألتها: أحق ما قيل؟
قالت: نعم: هوني على نفسك، فلما تحققت من ذلك اشتد بكاؤها وجاءت امرأة من الأنصار تبكي معها.
وجاءها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: يا عائشة، إن كنت ألممت بذنب فتوبي يقبل الله توبتك، وإلا فسينزل الله براءتك فطلبت من أبويها أن يجيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يستطيعا..
فقالت: ما أراني وإياكم إلا كأبي يوسف مع بنيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
فلم يقم النبي صلى الله عليه وسلم من بيت أبي بكر حتى جاءه الوحي فسري عنه وهو يضحك، فقال: أما أنت فقد برأك الله..
فقالت لها أمها: قومي إليه فاحمديه..
فقالت: والله لا أحمده ولا أحمد إلا الله، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات وصارت من أعظم المناقب لعائشة رضي الله عنها.
وقد نوه الله سبحانه وتعالى بذلك إذ يقول: ((لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم)) [من الآية التي يجري تفسيرها هنا].
وكذلك نوه بهذا الأمر في قوله تعالى: ((وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)) [الآية: 34 من هذه السورة]. أي كقصة مريم ويوسف.
والقصة في الصحيحين وغيرهما بألفاظ متقاربة. [القصة بطولها في صحيح البخاري (6/5-9) وصحيح مسلم (4/2129)].
والإفك من أَفَك الشيء إذا قلبه، وكل شىء قلبته ظهراً لبطن فقد أفكته، ومنه تسمية قرى قوم لوط بالمؤتفكات. [في الآية: 70 من سورة التوبة].
والمراد أسوأ الكذب، وسمي إفكاً، لأن صاحبه قلب الحقيقة عن وجه الصواب إلى وجه الباطل - أي الكذب العظيم المفترى على عائشة وصفوان، رضي الله عنهما، وقد برأ الله سبحانه وتعالى ساحتهما..
كما قال تعالى: ((أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [الآية: 26من هذه السورة].
وكان صفوان أخذ السيف وتربص لحسان حتى مر فحمل عليه، فضربه به وقال:
تلق ذباب السيفى عني فإنني،،،غلام إذا هوجيت لست بشاعر
وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بخاطر حسان لصفوان. [الجامع لأحكام القرآن (12/199)].
والعصبة الجماعة من الثلالة إلى العشرة.
ومن إطلاق العصبة على الجماعة قوله تعالى: ((وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)). [القصص: 76].
قال بعض العلماء: يفهم من هذه الآية أن كبار الذنوب لا تخرج المسلم عن دائرة الاسلام..
لأن الله تعالى قال في قذفه عائشة، رضي الله عنها: ((والذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم))، أي وليسوا من غيركم، وكون عبد الله بن أبي منهم لا يضر، فإن القرآن يتكلم عن الظاهر، وهو في ظاهره منهم، له أحكام الإسلام.
قوله تعالى: ((لا تحسبوه شراً لكم)).
قرأ بعض السبعة بفتح السين، على القياس، لأن قياس فعل بكسر العين يفعل بفتحها، كعلم يعلم، وقرأ نافع وابن كثير وابن عمر والكسائي بالكسر في كل القرآن، وهو سماع..
قال بعض العلماء: والسماع أفصح من القياس.
والحسبان معناه الظن، أي لا تظنوه شراً لكم.
والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعائشة، وصفوان رضي الله عنهم، ووجه إدخال النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه أن مصيبة عائشة مصيبة لهما.
وبل للإضراب الانتقالي، وكون ذلك خيراً من جهة كون الله تعالى أنزل فيه قرآناً يتلى ويتعبد به، وهذا أعظم منقبة، ومن جهة كون المقذوف ومن يتصل به يؤجر على ما قيل فيه، ففي ذلك شرف وأجر.
وضرر ذلك عائد إلى من قاله، ولهذا قال تعالى: ((لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم)) واللام في قوله تعالى: ((لكل)) بمعنى: على..
والإثم هو ما حصل من هذا الإفك العظيم، كما قال تعالى: ((وتحسبونه هينأ وهو عند الله عظيم)). [الآية: 15].
وهدد سبحانه من فعل ذلك، فقال: ((إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم)). [الآية: 23].
وكُبر الشيء وكِبره بالضم والكسر معظمه، والمراد بالذي تولى كبره عبد الله ابن أبي، لا حسان، لأن حساناً رضي الله عنه أنكر ذلك ودعا على نفسه إن كان قال ذلك، وقال في أبياته المشهورة:
[sh]
حصان رزان لا تظن بريبة=وتصبح غرثى من لحوم الـغوافل
حليلة خير الناس ديناً ومنصباً=نبي الهدى والمكرمات الفواضل
عقيلة حي من لؤي بن غالب=كرام المساعي مجـدها غير زائل
مهذبة قد طيب الله خيمها=وطهرها مـن كل شـين وباطل
فإن كان ما بلغت أني قلته=فلا رفعت ســوطي إليَّ أناملي
فكيف وودِّي ما حييت ونصرتي=لآل رسول الله زين المحـافل
له رتب عالٍ على الناس فـضلها=تقاصـر عنه سورة المتطاول
[/sh]
وكان حسان يأتي إلى عائشة وتكرمه غاية الإكرام.
فلما قيل لها: كيف تكرمينه، وهو الذي قال فيك ما قال؟
قالت: أليس هو القائل:
[sh]
فإن أبي ووالدتي وعرضي=لعرض محمد منكم وقاء
[/sh]
وابن أبي هو أكثر من لفق قضية الإفك وروجها وشجع على إفشائها، ولهذا قال تعالى في حقه: ((والذى تولى كبره منهم لهم عذاب عظيم)).
واختلفوا في إقامة الحد على قذفة عائشة، رضي الله عنها:
فذهب بعض المؤرخين إلى أن الحد أقيم على الجميع، وهذا هو الظاهر لأن القذف وقع بعد قوله تعالى: ((فاجلدوهم ثمانين جلدة)).
وقال بعضهم: جلدوا ما عدا مسطحاً.
وقال آخرون: جلدوا ما عدا ابن أبي.
وعلى القول بأن ابن أبي لم يجلد، فالحكمة في ذلك أنه يترتب على الحد أمران:
الأمر الأول: تطهير القاذف من الذنب، لأن الحدود مطهرة للذنوب.
الأمر الثاني: إبراء عرض المقذوف.
وكلا الاًمرين لا يحتاج إليهما بالنسبة لابن أبي، لأنه كافر لا يطهره الحد، ولأن عائشة رضي الله عنها قد برأها الله تعالى في القرآن وبراءتها فيه أعظم من براءتها بجلد قاذفها.
وبقية القذفة انتفى في حقهم أحد الأمرين، وهو براءة المقذوف بجلدهم، فلم ينتف الآخر، وهو التطهير، لأنهم مسلمون يطهرهم الحد.
[ولكن هناك حكمة ثالثة من إقامة الحد، وهي زجر الناس من الاعتداء، وهي واردة سواء في ذلك ابن أبي المنافق الذي تجرى عليه أحكام الإسلام فى الظاهر وغيره من القذفة المسلمين، ثم يحتاج إلى جواب لسؤال وارد، وهو أن ابن أبي وإن كان كافرا في الباطن، فحكمه حكم المسلمين في الظاهر، وقد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته؟].
وقال بعضهم: إنما ترك ابن أبي لأنه منافق له أتباع ويخشى إذا أقيم عليه أن تقوم فتنة.
والقذف قيل لله تعالى، بدليل أنه إذا رفع إلى الحاكم لا يؤثر فيه تراجع المقذوف وتنازله عن حقه، وعلى هذا فإن الحاكم يقيمه ولو لم يطلب المقذوف إقامته.
وقيل هو للمقذوف، وعلى هذا فلا يقيمه الحاكم إلا بطلب من المقذوف.
(1) الأصل وجوب حسن الظن بالمسلم
قوله تعالى: ((لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)).
لولا هنا يراد بها التنديم والتوبيخ على التفريط السابق، لأنهم خاضوا في الإفك، وكان المطلوب منهم بحثٍّ وشدة أن يحصل منهم ظن الخير والتصريح بأن ما ذكر كذب ظاهر.
والمؤمنون المقصود بهم حسان ومسطح، والمؤمنات المراد بها حمنة بنت جحش.
وقوله تعالى: ((بأنفسهم)).
فيه وجهان:
الأول: أن المراد بإخوانهم، وأطلقت الأنفس مراداً بها الإخوان، لبيان شدة ارتباط المسلم بأخيه المسلم، وأنه كنفسه، تنفيراً له من أن يعمل معه ما يسوؤه.
ومجيء النفس مراداً بها الإخوان كثير في القرآن..
ومنه قوله تعالى: ((وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ)). [البقرة: 84]. أي تخرجون إخوانكم..
وقوله تعالى: ((فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُم)).. [البقرة: 54].. أى ليقتل البريء أخاه العاصي..
وقوله تعالى: ((وَلا تَلْمزُوا أَنْفسَكُمْ)). [الحجرات:11].. أى إخوانكم.
فعلى هذا الحكمة في إطلاق النفس مراداً بها الأخ شدة ارتباط المسلم بأخيه، يدفع عنه الشر كما يدفعه عن نفسه.
ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يححب لأخيه ما يحب لنفسه. [البخاري (1/9)، ومسلم (1/67) من حديث أنس].
الوجه الثاني: أن المراد به ما قاله أبو أيوب لزوجه رضي الله عنهما: أرأيت لو كنت أنت المتخلفة أكنت تفجرين بصفوان - وكان هذا بعد أن أشيع حديث الإفك - قالت: لا، قال: فعائشة أؤلى منك بذلك.
فالمعنى على هذا: كما تظن بنفسك الخير يجب أن تظن ذلك بأخيك إلا بيقين يبين خلاف ذلك.
والمراد بالخير: العفاف والتنـزه عن الرذيلة، فكأنه يقول: كان يجب على من رموا عائشة، رضي الله عنها، أن يفعلوا كما فعل أبو أيوب وزوجته، فيفرضوا أنفاسهم في الحادثة، فإن كانوا يظون في أنفسهم خيراً، فيجب أن يظنوا ذلك في إخوانهم المؤمنين، وبخاصة مثل أم المؤمنين عائشة رضى اللة عنها.
قولى تعالى: ((إفك مبين)). أي افتراء ظاهر واضح، لأن عدالة المسلم الظاهرة - وبخاصة مثل عائشة رضي الله عنها - يجب أن لا يحكم عليه معها بما يدنسه.
وهذا يدل على أنه يجب على القضاة أن يحكموا ببطلان مثل هذه الإشاعات في الذين ظاهرهم البراءة.
قوله تعالى: ((لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء)) الآية.
أي هلا جاء الذين افتروا الإفك على ما ادعوا وقوعه بأربعة شهداء يثبتون بهم صدق دعواهم، وفي هذا بيان لعجزهم عن البينة وكذبهم وافترائهم.
قوله: ((عليه)) أي على الإفك.
قال بعض العلماء: إن حد القذف نزل في هذه القصة، وإذا كذبوا لزمهم الحد. وهو ثمانون جلدة، كما مر.




السابق

الفهرس

التالي


16485097

عداد الصفحات العام

486

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م