﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


المحاضرة الثالثة.. في 20/8/1385هـ.

المحاضرة الثالثة.. في 20/8/1385هـ.
وأما البصريون فيقولون: إن جاءت مع فعل المشيئة، كما في قوله تعالى: ((لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)).
فالشرط دخل على أمر محقق وليس المراد منه الشك، بل المراد تعليم الخلائق بأن لا يتحدثوا عن المستقبل إلا بالمشيئة، وإن لم تكن مع فعل المشيئة كما في هذه الآية التي نحن بصددها: ((إن كنتم تؤمنون)) فهي شرطية لم يُجَأْ بها لتعليق الجزاء على الشرط، بل جئ بها للتهييج والحث على العمل.
وهذا أسلوب معروف، كما يقال: إن كنت ابن الكرام فافعل كذا، وأنت لا تشك في كونه ابن الكرام، ولكن تحثه على العمل.
قوله تعالى: ((وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)).
المراد بالعذاب هنا الجلد المنصوص عليه في قوله: ((فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)) وهذا يدل على أن الجلد يسمى عذاباً..
وقد نص على ذلك، أيضاً، قي قوله تعالى في سورة النساء: ((فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَاب)). [النساء:25].
والمراد بالعذاب المذكور في سورة النساء هو العذاب المذكور هنا في سورة النور.
والعذاب اسم مصدر من: عذب، وقياس مصدره التفعيل إن لم يكن معتلاً ولا مهموزاً، ولكن علم بالاستقراء من اللغة العربية إتيان الفَعال، كسحاب من ذلك، اسم مصدر، كطلّق طلاقاً ومتّع متاعاً، وبيّن بياناً وسلّم سلاماً.
والطائفة الجماعة، والأظهر أن أقلها ثلاثة، وقيل اثنان.
واستدل لهذا بقوله تعالى: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)). [الحجرات:9].
فإنه يصدق بالواحد، ولكنه مستبعد في اللغة.
والظاهر أن الأمر بالحضور وقت العذاب، لأن حضور الناس في ذلك الوقت يكون أعظم تنكيلاً من العذاب بدون حضور.
وقال بعضهم: إن الفائدة من ذلك أن يدعو الحاضرون ويستغفروا للمجلود، والأمر للوجوب كما هو الظاهر، ولا صارف له عنه.
قوله تعالى: ((الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين)).
النكاح يطلق تارة على العقد، وتارة على الوطء، وهذا هو منشأ الخلاف بين العلماء، كما سيأتي.
ومن إطلاقه على العقد قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً)). [الأحزاب:49].
ومن إطلاقه على الوطء قوله تعالى: ((فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)). [البقرة:230].
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه الجماع. [كما في حديث عائشة رضي الله عنها: أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلقها، فتزوجت آخر، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت له أنه لا يأتيها وأنه ليس معه إلا مثل هدبة، فقال: (لا، حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك) البخاري (6/166،182) وفي لفظ له: (لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك وتذوقي عسيلته)].
فذهب ابن عباس وجماعة الى أن المراد بالنكاح هنا الوطء، والمعنى: لا يجامع الزاني إلا زانية مثله أو مشركة، والزانية لا يجامعها إلا زاني مثلها أو مشرك.
والمراد من هذا تقبيح الزنى والتصريح بخبث الزناة والزواني.
وعلى هذا فالآية لم تتعرض للعقد، فيجوز عنـد هؤلاء عقد العفيف على الزانية، والعقد بالعفيفة على الزاني.
وقوله تعالى: ((وحرم ذلك)) الإشارة إلى الزنى، ولا مفهوم لقوله: ((على المؤمنين))، وإنما خصهم بالذكر، لأنهم هم المنتفعون بالأمر والنهي والتحليل والتحريم، فلا دليل فيه لمن يقول: إن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة.
وذهب جماعة إلى أن المراد بالنكاح هنا العقد، فلا ينبغي للعفيف أن يخالط الزانية، ولا للعفيفة أن تخالط الزاني، بل المحدود لا يتزوج إلا محدودة مثله، وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينكح الزاني إلا زانية مثله).
ولكن في الآية نفسها قرينة تبطل ما ذهب إليه هؤلاء، وخير ما يفسر به القرآن القرآن..
والقرينة هي قوله تعالى: ((أو مشركة، أو مشرك)) إذ لو حمل النكاح على العقد لكان ظاهر الآية أنه يجوز للمسلم الزاني أن ينكح المشركة، وهذا لم يقل به أحد من العلماء بل صرح الله تعالى بمنعه وتحريمه..
فقال: ((وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)). [البقرة:221].
وقال: ((وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِر)). [الممتحنة:10].
والذين ذهبوا إلى هذا القول يقولون: إن هذا المفهوم، وهو كون المسلم الزاني يجوز له نكاح المشركة نسخ، وهذا لا طائل تحته، فإن النسخ يحتاج إلى دليل يثبته.
واستدلوا بقوله تعالى: ((وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ)). [النساء:24].
الذي في سنن أبي داود هو قصة مرثد رضي الله عنه وعناق، وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن مرثد بن أبي مرثد الغنوى كان يحمل الأساري بمكة، وكان بمكة بغي يقال لها عناق، وكانت صديقته ـ أي قبل أن يسلم ـ قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناق؟ قال: فسكت عني، فنزلت: ((والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك)) فقرأها علي، وقال: (لا تنكها) (542/2)، وهو في سنن النسائي بسياق أطول، وقال: الزانية ـ بدون واو، وهو الموافق للفظ الآية ـ وكذلك قال في آخره: (لا تنكحها) بدل: (لا تنكها) (66/6- 67) والترمذي (5/328 329) وقال في آخره ـ بعد ذكر نزول الآية وسياقها ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا مرثد الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك، فلا تنكحها). وقال الترمذي: هذا حدث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وذكر أبو داود حديثاً آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله)].
وقوله تعالى: ((وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَات)). [النساء:25].
وهؤلاء الذين فسروا النكاح بالعقد انقسموا قسمين:
منهم من قال: لا يجوز نكاح الزانية بحال، لما تقدم وللأحاديث الدالة على دياثة من رضي مثل ذلك.
ومنهم من ذهب إلى جواز نكاحها، وقالوا: إن الآية منسوخة بقوله تعالى: ((وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ..)). [النور:32].
وعلى هذا القول جماعة منهم سعيد بن المسيب والشافعي.
وهذا لا يجري على أصول الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، لأن الخاص يقضي على العام عندهم تقدم أو تأخر.
ويجري على أصول أبي حنيفة القائل: بأن العام يقضي على الخاص لشموله له ودلالته عليه وعلى غيره.
وهنا قد يرد سؤال وهو كيف سوغ هؤلاء الأئمة الأجلاء للمسلم العفيف مقاربة الزانية بالزواج منها وهي زانية خبيثة خسيسة.
والجواب: أن هؤلاء الأئمة لم يجيزوا له ذلك على أن يتركها، وشأنها، وإنما جوَّزوا له ذلك مع المحافظة عليها والضرب على يدها وزجرها، وإذا وقع منها ما لا ينبغي من ارتكاب الفاحشة وهو لا يدري وقد عمل ما يقدر عليه من الاحتياطات التي تحول بينها وبين ذلك فلا حرج عليه، وتكون معه على حد قول القائل: اجتن الثمار وألق الخشبة في النار.
والإمام مالك رحمه الله يرى كراهة نكاح العفيف الزانية جمعاً بين الأدلة.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول الآية ستة أوجه، منها:
الأول: أنها نزلت في مرثد بن أبي مرثد الغنوي، كان رجلاً قوياً يذهب إلى مكة يختطف منها أسرى المسلمين ويأتي بهم إلى المدينة، فصادفته ليلة عناق وكانت صديقته في الجاهلية، فدعته ليبيت عندها فقال: إن الإسلام حرم الزنى، فطلبت منه أن يتزوجها، فاستأذن النبي صلى عليه وسلم في ذلك فنزلت الآية، [سبق قريباً تخريج القصة] ويذكر في قصته معها أنه لما امتنع من المبيت معها صاحت به فطلبه الكفار، فاختفى في غار حتى إن بعض المشركين بال على رأسه و لم يره.
الثاني: أنها نزلت في رجل من المسلمين أراد أن يتزوج أم مهزول في المدينة.
الثالث: أنها نزلت في قوم من أهل الصفة طلب منهم بعض البغايا أن يتزوجوا بهن ويكفينهم المؤنة والنفقة، فرغب بعضهم في ذلك بسبب فقرهم واستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فنزلت الآية.
وهناك ثلاثة أسباب غير هذه، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معروف.





السابق

الفهرس

التالي


16485479

عداد الصفحات العام

868

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م