[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً (62) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63) } [النساء]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
( 9 )
حوار مع المستشرق الألماني: د. كارل بين سْوَا نْجِر .
( 9 )
حوار مع المستشرق الألماني: د. كارل بين سْوَا نْجِر .
( DR. KARL BIN SWANGER )
[ المركز الإسلامي في ميونخ 13/11/1407هـ].
ترجم الحوار الأخ أبو بلال الفلسطيني.
والمستشرق المذكور صحفي [يعني أنه درس العلوم الشرقية] ويحضر أخبار التلفزيون الأول والثاني، وراديو لكسمبورج ويكتب في معظم المجلات الحرة.
وهو متخصص في الدولة العثمانية وتاريخها ووضع الأتراك في ألمانيا بالذات، ويجيد اللغة التركية ويقرأ خمس جرائد تركية عن وضع الأتراك في ألمانيا.
ويوجد برنامج في القناة الثانية من ألمانيا موضوعه: "جيراننا في أوروبا" يتحدث عن العاملين في ألمانيا، من اليوغوسلاف والأتراك واليونانيين والأسبان والبرتغال والطليان، وهو يعمل عملاً حراً ثابتاً في هذا البرنامج، وهو يبث كل أسبوعين، ويكون فيه برنامج عن الأتراك باللغة التركية.
ويحضر برنامجاً شهرياً لمدة خمس دقائق بعنوان: "ماذا تتحدث الصحافة التركية عن ألمانيا؟".
ثم تحدث عن صلته ببعض المسلمين في داخل ألمانيا وخارجها، وأطال في ذلك بما لا داعي لذكره، ويبدو أنه قصد أن يطمئنني بذلك حتى أثق فيه.
ولد في سنة 1947م. سرد هذه المعلومات..
وبعد أن أدلى بهذه المعلومات، قال: أتشرف بلقائك يا دكتور!.
قلت: وأنا يسرني هذا اللقاء معك.
قلت له: ما دينك وما مدى تمسكك به؟.
فقال: هو كاثوليكي، وليس شاذاً جنسياً، ولكنه يعيش مع صديقته التي تدرس الاستشراق، وتحضر الدكتوراه في الشؤون التركية، وبخاصة في جريدة سبيل الرشاد التركية.
[الذي دينه النصرانية الكاثوليكية، يسأل عن مدى تمسكه بها؟ فيجيب بما ينفي عنه ما يمكن أن يعد عيباً، وهو الشذوذ الجنسي عمل قوم لوط، وبخاصة هذه الأيام التي يقال إن هذا العمل من أسباب انتشار مرض الإيدز، لكن اتصال الرجل بالمرأة بطريقة غير طريقة الزواج، لا تنفي أن يكون الكاثوليكي متمسكاً بدينه، وهذا ما فهمته من إجابة المستشرق كارل وعمره أربعون سنة].
قلت له: متى كان سماعك عن الإسلام؟.
قال: سمعت عن الإسلام في المدرسة في حدود السنة العاشرة من عمري، في المرحلة الابتدائية.
وأتذكر أنني قرأت كتاباً علمياً أظن أن اسمه "ألف سنة من عمر البشرية"، ووجدت في الكتاب صورة للنبي صلى الله عليه وسلم، في حال دخوله فاتحاً مكة المكرمة. [قلت له: المسلمون لا يجيزون إحداث صورة للرسول صلى الله عليه وسلم]
قلت: ومتى سمعت عن الإسلام بوعي؟.
قال: الأولى أن يصاغ سؤالك هكذا: لماذا درست الاستشراق؟ ويمكن أن يكون الجواب على هذا السؤال مؤدياً إلى الإجابة عن سؤالك.
قلت: لا بأس المهم أن أصل إلى الجواب.
قال: حصلت مصادفات ارتبط بعضها ببعض، وساق قصة تسجيله في الجامعة، واختياره لقسم الاستشراق على رغم محاولة أستاذه صده عنه.
ذكر أن رجلاً يدعى كارل ماي كتب عن شعوب غير أوروبية، تكرهها الشعوب الأوروبية، منهم العرب، والهنود الحمر، والهنود، والصينيون فقرأ كتبه.
قال: وإلى الآن ليس عندي معلومات وافية عن الإسلام.
قلت له: ما المصادر التي استقيت منها معلوماتك عن الإسلام؟.
قال: درست مادة الدولة العثمانية والإسلام شريعة ودرست اللغة العربية – كلاسيكية– يقصد اللغة الفصحى، يسمونها قديمة، واللغة العربية الحديثة وتخصصت في مقارنة الأديان وهجوم بعضها على بعض، ورد بعضها على بعض، ودرست حقوق الدولة والمجتمع والفرد في الإسلام.
قلت له: أريد أن تبين لي مصادرك التي استقيت منها في دراستك للإسلام، في أي باب من أبوابه، هل درست كتب المستشرقين فقط، أو أخذتها من علماء مسلمين، أومترجمة عن كتبهم؟.
قال: إني قرأت الكتب كمادة أدبية بحتة باللغات التالية: الألمانية، الإنجليزية، الفرنسية، والإيطالية، والغريب الذي اكتشفته أن أوروبا – يعني حضارتها المادية - امتداد حضاري للشرق، يعني للإسلام.
والغريب أن الشرق لم ينهض حضارياً إلى الآن في العلوم التي تطبقها أوروبا.
وقال: إنه قرأ عن ابن بطوطة وابن حزم وابن خلدون والغزالي بأي لغة كانت تقع في يده.
قلت: إلى الآن لم يجب عن سؤالي، وهو: هل مصادره استشراقية فقط أو مترجمة عن علماء المسلمين؟.
قال: أخذ من الجهتين، وذكر ممن قرأ لهم، أبا الأعلى المودودي، وقال: إن الكتب التي درسها ترجمت بأمانة وثقة.
ثم قال: ولا تسألني بأي لغة وكيف قرأتها.
وقرأت رسائل حسن البنا، وقصته في الدعوة وتاريخه في عشر رسائل باللغة التركية.
قلت: من خلال قراءاتك عن الإسلام، هل اتضح لك أنه دين عالمي يجب على المسلمين وغير المسلمين أن يتبعوه ؟.
قال: كونه عالمياً نعم ولا جدال في ذلك.
قلت: المقصود بكونه عالمياً أن الكتب التي سبقته قد حرفت وأصبحت غير صالحة، وأصبح القرآن الكريم والدين الإسلامي دين البشرية فرض على كل واحد منهم أن يدخل في هذا الدين، هل فهم هذا من قراءته؟.
فغضب الرجل واحمر وجهه وتلون، والتفت إلي قائلاً باللغة العربية:
(
(
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ
)
)
[الكافرون:6].
قلت: السؤال فقط هو هل عرفت هذا المعنى من خلال قراءاتك لترجمة معاني القرآن وغيره من الكتب الإسلامية؟
فاستمر في غضبه، وقال: لو كنت شخصياً أؤمن بأن القرآن كلام الله لكنت الآن مسلماً.
قلت: سؤالي واضح، و هو هل عرفت أن الإسلام جاء بهذا المعنى؟ ولم أسألك عما تعتقد.
فقال: نعم أنا فهمت هذا جيداً أن الإسلام جاء بذلك.
وكان قصدي من هذا السؤال إشعاره بأنه إذا فهم هذا الفهم، فقد قامت عليه الحجة، ويجب عليه أن يدخل في الإسلام، وقد فهم هذا القصد جيدا، ولهذا غضب.
قلت: الإسلام عقيدة وشريعة ونظام، وتربية اجتماعية، واقتصاد وسياسة وأخلاق حسنة، ما الذي اطلع عليه من هذه المعلومات وما الذي أعجبه أكثر منها؟.
تنهد الرجل، والتفت إلي التفاتة المغضب، مع ابتسامة صفراء، وقال: أرجو أن تفهمني بوضوح لا تحرجني بأسئلة كثيرة.
وقال: أنه ولد كاثوليكياً، ودرس في روضة الأطفال وهي كاثوليكية، وتربى كاثوليكياً وعاش كاثوليكياً.
ودرس الابتدائية، وكنت حراً في ديانتي لم أدرس ديناً إجبارياً، لأن البلد علمانية، وكذلك المدرسة العليا الثانوية والجامعة، وكنت حراً في اختيار أي دين دون أن يفرض علي أحد رأياً أو ديناً.
ودرس الاستشراق مادة علمية بحتة، كأي مادة أخرى، ولم يدرس الدين عقدياً ليقتنع به أو لا يقتنع.
وقال: يجب أن تفهم أنني تربيت على فصل الدين عن الدولة، ويجب أن تعلم أنه منذ وجد إعلان حقوق الإنسان بأن الديمقراطية لها أساسان مهمان:
الأول: أن السلطات كلها بيد الشعب، ليس لأحد أن يفرض على الشعب شيئاً، وإنما الشعب هو الذي يقرر ما يريد.
الأساس الثاني: أنه لا يحق لأي إنسان أن يقتل إنساناً آخر ولو كان قاضياً.
وبناءً على هذا فأنا تعلمت فصل الدين عن الدولة، ويوجد في الإنجيل الوصايا العشر، ولكن هذه الوصايا أخلاقية، إن شئت اتبعتها وإن شئت تركتها، لا أحد يستطيع أن يفرض علي هذه الأشياء لأنها شخصية.
ولي كامل الحرية في الأخذ بها أو عدمه، فكونك تكلمني بهذه الأشياء العقدية وغيرها، أنتم تعتبرون ذلك جزءً من الدين، وعندكم السلطة العليا هو الله.
الله هو الذي يضع القانون، وهو الذي يضع الدستور، فهذه أنا شخصياً لا أقبلها تربينا أننا لا نقبلها.
قلت: قل - أخاطب المترجم - له: أنا ما قصدت إجباره على قبول هذه الأمور، وإنما هو مجرد سؤال، يجيب عليه بنعم أو لا.
أعجبني هذا أو لم يعجبني، وأنا أكتب ما يقول نفياً أو إيجاباً، ونحن عندنا في الإسلام:
(
(
لا إكراه في الدين
)
)
.
قال: النقطة التي أنت تسأل عنها تفهمها، بمعنى يختلف عما أفهمه أنا، لأنك مسلم وأنا مسيحي، فالأخلاق الإسلامية تحتاج إلى تفسير... وهكذا.
ثم تدخل الدكتور عبد الفتاح شوقي [وكيل النقابة العامة للأطباء في مصر، وكان في زيارة لألمانيا] محاولاً أن يوضح له ما أريد باللغة الإنجليزية.
ولكنه قال: إن ما يفهمه عن الإسلام يتعارض تماماً مع الديموقراطية.
ثم قال - من باب المجاملة -: أنا كما قال فيلسوف هندي أنا أختلف معك في الرأي ولكن أضحي بعنقي في سبيل الدفاع عن رأيك.
وعلى الرغم من أنه يوجد تناقض بين الإسلام - أو قال الشريعة - وما نرى لكن نحن نحترم رأي المسلمين.
قلت: هذا السؤال نتركه، يبدو أنك لا تريد الإجابة عنه.
سؤال آخر: لو أتيحت له فرصة ليعرف عن الإسلام، هل يحب أن يعرف فعلاً عن الإسلام، وعن أي طريق يريد أن يعرف، عن طريق كتاب مترجم، أو محاضرة أو عن طريق رجل من علماء المسلمين؟.
قال: يصعب أن أجيب بوضوح عن هذا، ولكن رأي الشخصي أن يدرس الإنسان الإسلام دراسة علمية بحتة برأي حر، ثم يتصل بالمسلمين ليس في أوروبا، بل في بلاد الشرق، حيث الغالبية العظمى مسلمون، وهو قرأ ترجمة معاني القرآن عن طريق القاديانية، وقرأ ترجمته عن آخرين.
ومع ذلك تبقى الصفة الغالبة في بلاد الإسلام، تركيا حاولت الابتعاد عن الإسلام، ولكن تبقى صفتها الإسلام، وقد درس ثماني سنوات ونصفاً ويجب أن يقرأ الإنسان كثيراً.
ويفضل أن يدرس ذلك في موطن الشيء الذي يريد أن يتعلمه.
[كان من أهم أهدافي في الأسئلة التي أوجهها إلى المستشرقين أن أشعرهم بأنه من الظلم التحدث عن الشيء من غير مصدره الأصيل].
قلت له: أقسام الأديان في الجامعات الأوروبية، هل يوجد في هذه الجامعات مسلمون يدرسون الدين الإسلامي كما يفهمه المسلمون، أو أن المقارنات كلها تحصل من قبل غير المسلمين؟.
قال: لا يعلم بالضبط عن كل الجامعات، ولكن كثيراً من الذين يقال: إنهم تخصصوا في شؤون الإسلام، تخصصهم سطحي والذي يأخذ الإسلام يأخذه من وجهة نظر معينة.
وصرح بأنه يؤيد البهائية والقاديانية!.
قلت له: هل يعلم أن الفرقة الأحمدية فرقة غير مسلمة عند المسلمين؟.
فقال: نعم.
سؤال: يقال إن في الغرب حرية، فهل تخول هذه الحرية للمسلمين أن يمتلكوا وسائل إعلام، كالإذاعة والتلفاز والصحافة لينشروا دينهم لأبنائهم في أوروبا ويحافظوا عليهم؟.
قال: الأصل في القانون أن كل إنسان له الحق أن يبدي رأيه بالكلمة الحرة، في الإذاعة والصحافة وبالصورة كاللوحات والتلفزيون..
وهذا سؤال قانوني لا أستطيع الإجابة عليه بوضوح، ويمكن أنك تريد أن تسأل: هل يمكن للمسلمين أن تكون لهم إذاعة حرة منفصلة أو برنامج تلفزيوني، وهذا لا أدري عنه.
قال له المترجم: يمكن بضع ساعات في الراديو، وبضع ساعات في التلفزيون، وليست إذاعة منفصلة ولا برنامج تلفزيوني منفصل؟.
فقال: نعم، هذا يحتاج إلى تقرير المسؤولين في الراديو والتلفزيون، ولكن هذا صعب، لا يوجد هنا مثل تعليم اللغات، أن يعلم الألمان الإسلام وهذا غير ممكن.
قال: وهناك ثلاثة أمور أساسية في الراديو والتلفزيون، وهي الأخبار السريعة والتعليقات السياسية، والمحاورات والآراء المختلفة والموسيقى والدعاية.
والإسلام لا يدخل في هذه الأشياء وإنما يدخل تحت البرامج الحرة، فأي إنسان له الحق أن يتكلم في الراديو والتلفزيون بصورة ما.
قلت له: هذا مجرد استطلاع، والمسلمون ليس عندهم استعداد ولا قدرة على ذلك.
قال: سمح في ألمانيا ببرامج التلفزيون عن طريق الكابل، برامج خاصة، ويمكن لأي منظمة قوية أن تنظم لنفسها ساعات معينة تتفق مع هذه الشركات وتبث ما تريد، ولا يمنع المسلمين شيء من ذلك.
قلت له: ما سبب فصل الأوروبيين الدين عن الدولة؟.
[كنت أحاول أن أفرق بين الأسئلة التي أشعر أنه لا يرتاح لها بأسئلة أخرى].
فابتسم أيضاً والتفت إلي وأطرق ساكتاً..
فقلت للمترجم: قل له: أرجو أن لا أكون أثقلت عليه بهذه الأسئلة أو أحرجته، فليجب كما يريد عن أي سؤال أو يعتذر عن الإجابة إذا أراد.
فقال: هذه المقابلة شيقة كثيراً وبحق!
ثم قال: توجد أسباب كثيرة: اجتماعية وسياسية ودينية، والكنيسة نفسها لعبت دوراً في هذا، وأسباب نفسية، وأسباب تاريخية، لكن لذلك علاقة بالمسيحية فهي دين لا يوجد فيها نواة للشريعة، ولا يوجد في لبها الدولة..
ويوجد في الإنجيل الحالي - وأرجو أن تترك كونه محرفاً - بوضوح فصل الدين عن الدولة، وكذلك قال المسيح: ملكوتي في السماء وليس في الأرض، وقال: أعط ما لقيصر لِقيصر وأعط ما لله لله، فالمسيحية بأصلها ليس فيها ما يقيم دولة.
وعلماء المسلمين ينتقدون المسيحية بقوة، ولا يجد المسيحيون إجابة عن انتقادهم واضحة، وهو ما حصل في العصور الوسطى كيف فعلت الكنيسة بالعلماء من اضطهاد؟.
والكنيسة في ذلك الوقت أصبح البابا فيها هو القيصر، والقيصر هو البابا، وهذا كان استغلالاً سيئاً للدين المسيحي والدين المسيحي بريء من ذلك، والآن عدنا إلى المسيحية من جديد، وهو الدين الصحيح وليس كما كان في العصور الوسطى.
والإسلام يختلف عن المسيحية اختلافاً جوهرياً، فالإسلام من بدايته دين ودولة، بخلاف المسيحية، الإسلام منذ نشأته دين ودولة، والمسيحية كانت ديناً لا دولة، فاستغلت لتكون ديناً ودولة وكانت تجربة فاشلة والآن عدنا إلى ما كنا عليه في الحقيقة.
أما الإسلام فهو دين ودولة، وعندما لم يستطع المسلمون أن يفرضوا أنفسهم - يعني لم يقدروا على تطبيق دينهم - وضعفوا تركوا الدولة، والآن عادت الصحوة والنهضة الإسلامية، فهي في الحقيقة تريد أن تعيد للإسلام دولته التي هي أصلاً قام من أجلها..
ميونخ- ألماني- الكاتب على اليسار، والمستشرق الدكتور كارل بين سْوَا نْجِر في الوسط، والمترجم أبو بلال على اليمين
ولذلك لو عملنا الرسم البياني نجد أن المسيحية بدأت عالية ثم نزلت والآن عادت كما هي أصلاً، أما الإسلام فبدأ عالياً، والآن نزل ويحاول أن يرتفع وسينزل.
[انظر كيف يعترف مسيحي مستشرق متعصب حاقد بطبيعة الإسلام ـ على رغم تهجمه عليه ـ بأنه دين ودولة، والذين يدعون الإسلام من العلمانيين يجحدون تلك الطبيعة، أما قوله: وسينزل فهو من حقده الشديد،
(
(
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
)
)
(التوبة:32)
].
ثم قال: الإسلام والمسيحية اتفقا في شيء واحد: أن الإسلام شيء متفق عليه دين ودولة، فالمسلمون يريدون أن يعيدوه ديناً ودولة، والنصارى عرفوا أن دينهم ليس دولة فأرادوا أن يتركوا الدولة.
قلت له: المسلمون يعرفون أن الكنيسة عندما ذبحت العلماء وقتلتهم وسجنتهم كانت تعتدي عليهم باسم الله وهي كاذبة.
[وهنا تدخل الدكتور عبد الفتاح شوقي ليخفف الأسلوب، فقال: نقول: وعملها غير صحيح بدلاً من كاذبة، فوافقت وترجم له ذلك].
فقال: أرجو أن لا ندخل في هذه الموضوعات، ولنتكلم في موضوعات أخرى..
قال الدكتور عبد الفتاح: أنه يشعر بأنك تهاجم دينه، وقال لي المترجم: هو له كلام عن الإسلام، فتكلم معه الدكتور عبد الفتاح وطال النقاش..
فقلت للدكتور عبد الفتاح: قل له: لا مانع أن يقول ما عنده عن الإسلام، وإن كان لا يريد مني أن أقول ما عندي عن المسيحية، لأني واثق أن حقائق الإسلام ستدفع أي فرية عليه، بخلاف المسيحية المحرفة، فإنها لا تستطيع أن تقف أمام الحقائق الواردة عليها.
فترجم له الشطر الأول من الكلام، وقال كلاماً يدل أنه ليس عنده وقت للنقاش، قلت: قل له يتكلم بما يريد فأنا سأستفيد من كلامه عاجلاً أو آجلاً.
وكنت أريد من ذلك أن يفهم أننا لا نخاف مثلهم من ذكر ما يزعمون أنه عيوب في الإسلام، لأن تلك العيوب مفتراة، بخلافهم هم يخافون من العيوب الموجهة ضد المسيحية، لأنها موجودة فيها ولأشعره بأنا مستعدون أن نسمع ما عندهم أكثر من سماعهم ما عندنا..
كما كنت أريد أن أسمع من مستشرقي هذا الزمان، وهل يوجد فرق بينهم وبين أساتذتهم السابقين لأنهم يزعمون أنهم محايدون في بحثهم!.
فقال: الأمور التي أنتقدها هي:
أولاً: الحرية الشخصية للإنسان، المسلم حر أن يذهب إلى الفاتيكان ويطلق النار على البابا، كما فعل التركي، والمسيحي ليس من حقه أن يذهب إلى مكة والمدينة..
ثانياً: شبه الجزيرة العربية لا توجد بها كنيسة إلا في الكويت، وقال له المترجم: وفي الإمارات، [وهو يقصد بخلاف أوروبا فإن فيها مساجد للمسلمين].
ثالثاً: الإسلام لا يعترف إلا بالأديان التي سبقته ولا يعترف بأي فكر ديني يظهر بعد، كالقاديانية، والبهائية، وشهود يهوى، فهؤلاء ما لهم في الإسلام إلا السيف، وهذا يخالف حرية الإنسان وحقوقه.
رابعاً: حرية المعتقد حسب ما نفهم في القانون الأوروبي يجوز أن يكون الإنسان ملحداً، والإسلام لا يعترف بذلك.
خامساً: حرية المعتقد في الإسلام أن الإنسان إما أن يكون ذمياً أو مسلماً، وإذا كان ذمياً، وهو الكتابي، فعليه أن يدفع الجزية مقابل أن يعيش في الدولة الإسلامية، أما عندنا فليعتقد الإنسان ما يشاء بدون أن يدفع شيئاً.
سادساً: المشكلة الأساسية عند المسلمين حرمة القرآن عندهم، فالقرآن لا يمكن مناقشته..
أما عندنا فتوجد أربعة أناجيل، ليست كلام الله وفيها تناقضات، ولذلك يدرسونها، بحرية ويعرفون من أين جاءت التناقضات، وهذه الدراسة أدت بنا أن يتاح لنا حرية العلم فأصبح العلم عندنا حراً لا قيود عليه، واكتشف العلماء أشعة الليزر..
واعترض عليه ه المترجم فقال: إن المسلمين هم الذين اكتشفوا ذلك..
قال: وعلى هذا الأساس ما دام المسلمون يعتقدون أن القرآن كله من أوله إلى آخره مقطوع به أنه من عند الله بلا مناقشة فلا يمكن أن تتحرر عقولهم..
وناقشه الدكتور عبد الفتاح وهو المترجم في هذه النقطة قبل أن تترجم لي، وكان الدكتور عبد الفتاح غاضباً، والرجل لا يريد أن يسمع رداً على كلامه..
ثم تحدث عن الصحوة الإسلامية.. وقال: المراد بها إحياء الإسلام في النفوس، وهذا في الحقيقة تعصب، وختم كلامه بقوله: أشكرك على هذه المقابلة وأشكر المترجم.
قلت له: وأنا أشكرك كذلك، وما ذكرته دعاوى والدعوى تحتاج إلى محاكمة، فهل عندك استعداد للنقاش في هذه الدعاوى، أما أنا فعندي استعداد أن أبقى معك في كل جزئية ساعات..
فقال: أنا متعب وأحتاج إلى الراحة، فلعلي أجد الدكتور قادري مرة أخرى وأقابله مقابلة أطول وقد أستفيد منه.
فقلت له: أنا لا أجبرك على البقاء وأنت لا تستطيع، ولكن عليك أن تبحث عن الحقيقة لتجد أن كل ما ذكرته عن الإسلام له جواب من طبيعة الإسلام، وما ذكرته عن المسيحية له جواب من طبيعة المسيحية، وأما القوانين البشرية فالقرآن منزه أن يقارن بها.
ونحن نعتقد أن قمة الحرية في الأرض لا توجد إلا في الإسلام، وأما غير الإسلام فإنما هو استعباد يسمى حرية.
فقلب الرجل يديه وقام مودعاً.
والحقيقة أن هذه الأمور التي ذكرها تحتاج إلى أن يعرفها المسلمون المفكرون ويدحضوها في مناهج جامعاتهم ومعاهدهم ضمن مواد الاستشراق التي تدرس في بعض المعاهد الإسلامية.
وقد تهرب الرجل من سماع الأجوبة على ما أورد من شبهات، لأنه كان هو بنفسه يعرف الجواب عن كل شبهة - فيما يغلب على ظني - ويعرف أنه سيسمع أجوبة دامغة، ولكنه فضل أن ينفث سموم صدره ويذهب قبل أن يسمع شيئاً.
وعلى الدعاة الذين يريدون أن يقوموا بالدعوة في الغرب، أن يتسلحوا بما يستطيعون به إظهار محاسن الدين الإسلامي والرد على شبهات الأعداء ومعرفة مفاسد دينهم المحرفة والحريات الزائفة التي يدعونها وبيان عوارها.
إجابات مختصرة عن الشبهات التي أوردها المستشرق "كارل"
كنت حاولت الرد على أسئلته وهو موجود، ولكنه اعتذر عن البقاء كما سبق، ومادام قد ألقى شبهاته حول الإسلام ومضى، فلا بد من الإجابة عنها باختصار:
أولاً: الحرية الشخصية للإنسان، المسلم حر أن يذهب إلى الفاتيكان ويطلق النار على البابا، كما فعل التركي، والمسيحي ليس من حقه أن يذهب إلى مكة والمدينة..
الجواب عن هذه الشبهة من وجهين:
الوجه الأول: أن المسلم عندما يذهب إلى كنائس النصارى في أي بلد من البلدان، له الحق أن يدخلها بإذن من أهلها، لأنه يعترف برسول الله عيسى عليه السلام [بل بجميع الرسل] ويعترف بأن هذه الكنائس هي أماكن عبادة للنصارى، فهو يدخل ضيفا في الكنيسة.
وقد أمرنا الله تعالى أن نتركهم وشأنهم في عبادتهم، وإن كانت عبادتهم فاسدة، لأنها مبنية على كتاب محرف، ولأن الواجب عليهم بعد أن أرسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، على جميع البشر، فالسلم يدخل بيتا معترفات لصاحبه بملكه.
بخلاف النصراني [وكذلك اليهودي، ومن باب أولى الوثني] فإنه لا يعترف مطلقا برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، فللمسلمين الحق في منعهم من دخول أعظم مسجد يؤدون فيه عبادتهم وهي العبادة الصحيحة لله تعالى، وهذا المسجد هو أول بيت وضع للناس في الأرض، وفيه بدأ نزول الوحي والدعوة إلى الله، وهل يغضب من رجل منعك من دخول منزله الذي لا تعترف له بأنه بيته؟!
هذا جواب عقلي، يُرد به على هذه الشبهة التي يوردها النصارى، وقد أوردها عليَّ يهودي في بريطانيا، وأجبته بذلك... وقلت له: اعترف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، كما نعترف نحن برسالة موسى عليه السلام، ونحن نأذن لك بدخول مكة والمدينة، فانقطعت حجته.
وإنما أجبته بذلك مع ورود نصوص في منع المشركين دخول المسجد الحرام، لأنهم لا يؤمنون بنصوص القرآن والسنة.
الوجه الثاني: لنا الحق أن نتمسك بأحكام بديننا الذي نؤمن به، فإذا ألزمنا أن نمنع غير المسلم من دخول بعض مساجدنا، وجب علينا امتثاله، وليس لأحد الحق في الاعتراض علينا، وهم يعترضون علينا في تنفيذ شريعتنا.
وهذه بعض دولهم تحارب أي حكومة من حكوماتنا تقوم بتحكيم شرع الله، وتقاطعها اقتصاديا ودبلوماسيا وسياسيا وعسكريا، وهذه أمريكا اليوم تريد أن تفرض على حكومات الشعوب الإسلامية، وبخاصة اللغة العربية، أن تغير مناهجها، وتطبق ما تحدده لها من دينها، وتهمل ما تشاء...
وقد نهى الله تعالى في كتابه دخول الكفار المسجد الحرام، كما قال تعالى: قال تعالى:
(
(
ياأيها الذين ءامنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم
)
)
[التوبة
(28)
]
وأهل الكتاب من المشركين، وإن خصهم الله ببعض الأحكام التي لا تجوز مع غيرهم من الوثنيين، كأكل ذبائحهم والزواج من نسائهم المحصنات، وقد دل على شركهم القرآن والسنة.
قال تعالى:
(
(
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
(29)
وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون
(30)
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون
(31)
[التوبة]
وفي حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنق عدي صليب من فضة، وهو يقرأ هذه الآية
(
(
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله
)
)
قال فقلت: إنهم لم يعبدوهم فقال:
(بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم...)
[رواه الترمذي، برقم
(3095)
وذكره ابن كثير في تفسير الآية السابقة، تفسير القرآن العظيم لابن كثير
(2/349)
]
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "بعثني أبو بكر في تلك الحجة، في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى، "أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" [البخاري، برقم
(4378)
ومسلم، برقم
(1347)
]
فلا فرق بين أهل الكتاب وغيرهم من المشركين، في منع دخولهم المسجد الحرام...
وقد بسط اللقرطبي رحمه الله أقوال العلماء في دخول أهل الكتاب وغيرهم المساجد في تفسره [
(8/4-806)
]
والذي يظهر أنه إذا اقتضت المصلحة دخولهم، وأُمِن ضررهم المسلمين منهم، كأن يراد إطلاعهم على ما يقوم به المسلمون من عبادة الله، وسماع ما يدعوهم إلى الإسلام، بإذن من ولاة أمر المسلمين، فلا مانع منه، في غير المسجد الحرام من المساجد، بما في ذلك مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم...كما في قصة ربط ثمامة بن أثال في إحدى سواري المسجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم [البخاري رقم 4372، فتح الباري
(8/87)
ومسلم
(3/1386)
].
فقد استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا من الوفود، من النصارى والمشركين في مسجده، لما في ذلك من المصلحة [راجع البداية والنهاية
(5/41-95)
].
بل ذكر ابن كثير أن وفد نصارى نجران: دخلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم، في مسجده حين صلى العصر وباهلهم.... وأنهم عندما حانت صلاتهم، صلوا في مسجده... فصلوا إلى المشرق" [تفسير القرآن العظيم
(1/369)
وراجع في قصتهم سيرة ابن هشام
(3/112)
]
ثانياً: شبه الجزيرة العربية لا توجد بها كنيسة إلا في الكويت، وقال له المترجم: وفي الإمارات.
[وهو يقصد بخلاف أوروبا فإن فيها مساجد للمسلمين].
أقول: لأن الجزيرة العربية لها حرمتها الخاصة، بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز بناء الكنائس فيها، كما أن لمدينة الفاتيكان حرمتها الخاصة عند المسيحيين، ولا أظن ان البابا يمنح المسلمين فيها حيا خاصا يبنون فيه مساجد، يعبدون الله في داخلها، ويعلمون أبناءهم الإسلام.
فإذا قال قائل: إن للمسلمين مراكز إسلامية تشتمل على مساجد لها مآذن تميزها في البلدان الغربية، ومدارس ومعاهد وكليات، ومن ضمن البلدان التي بنيت فيها تلك المساجد روما المجاورة لمدينة الفاتيكان.
فنقول له: هذا شبيه - مع الفارق -بالكنائس التي بنيت، ولا زالت تبنى، في بلدان المسلمين، ما عدا الجزيرة العربية، وكذلك الجامعات والمعاهد والمدارس الغربية التي شيدت للمسيحيين في كثير من البلدان الإسلامية، ولا عبرة بصغر الفاتيكان، وسعة جزيرة العرب، وإنما العبرة بالحرمة الثابتة عند الفريقين.
ثالثاً: الإسلام لا يعترف إلا بالأديان التي سبقته، ولا يعترف بأي فكر ديني يظهر بعد، كالقاديانية، والبهائية، وشهود يهوى، فهؤلاء ما لهم في الإسلام إلا السيف، وهذا يخالف حرية الإنسان وحقوقه.
والجواب أن الإسلام أقر أهل كل دين على دينهم، فبقي اليهودي على يهوديته، وبقي النصراني على نصرانيته، والصحيح أيضا أن الوثني بقي على وثنيته، ما عدا المشركين من العرب الذين نزل القرآن الكريم بلغتهم وفي بلادهم، وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، واصطفاهم الله تعالى لحمل الدعوة إلى هذا الدين، وتبليغه إلى سائر الأمم.
والدليل على بقاء أهل تلك الأديان على أديانهم، الواقع الذي لا زال ماثلا إلى الآن، في كل بلدان المسلمين، حتى الوثنيين بقوا على دينهم، ولا زالت معابدهم باقية إلى يومنا هذا، في فارس والهند وجنوب شرق آسيا، ولم يهدمها المسلمون الفاتحون أو الدعاة، كما هدموا الأصنام عند الكعبة، وكما هدموا الأوثان في الجزيرة العربية، وقد يهدمها أهلها الذين دخلوا في الإسلام باختيارهم، لا عن طريق الإكراه.
أما أن يدعي المسلم الإسلام ويغير حقيقة الإسلام، كما فعل القاديانية، فهذا أمر لا يجوز الاعتراف به، ولا إقراره عليه، لما في ذلك من الفتنة التي يحدثها بين المسلمين، ولما فيه من هدم الإسلام نفسه... ولهذا أجمع المسلمون أن الفرقة القاديانية ليست من المسلمين.
وقد اشتد النزاع بين طوائف المسيحيين، ولازال يشتد إلى يومنا هذا، بسبب مخالفة بعضهم بعضا فيما يعتقدون، كما هو الحال بين الكاثوليك والبروتستانت، وكذلك بين اليهود والنصارى، إذ يدعي اليهود أن عيسى عليه السلام ابن زنا، ويدعي النصارى أنه إله [ونحن نزهه من ذلك كله، ونقول: كما قال الله:
(
(
عبد الله ورسوله
)
)
]
والفرق بين الإسلام والمسيحية، من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن المسيحية لم تعد لها نصوص ثابتة كما كان الإنجيل ثابتا في عهد عيسى عليه السلام، بل حرف تحريفا يعترف به المسيحيون أنفسهم، والموجود منه إنما هو من كتابات بعض أتباع عيسى كتبوه بعده بفترة طويلة، وبين الأناجيل من الاختلاف ما أحدث شكوك كثير من المسيحيين في دينهم وحملهم على تركه واللجوء إلى الإلحاد.
وهذا يخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من القرآن والسنة، فالقرآن محفوظ بنصه، كما أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم، نقلته أمم عن أمم من يوم نزوله إلى يومنا هذا وسيبقى كذلك محفوظا بحفظ الله تعالى إلى يوم القيامة.
وكذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ثابتة بالأسانيد الصحية، وكل راو من رواة الحديث، له ملف كامل عن أهل الحديث، يعرفون مولده ووفاته ولصدقه من كاذبه، والحافظ من غيره، ولذلك قسموا الحديث إلى الصحيح والضعيف والموضوع، ولا يقبلون إلا ما اجتمعت فيه الشروط التي يقبل بها، وهذه الميزة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا توجد للإنجيل الذي يعتمده المسيحيون اليوم...
فالمسلم يعود إلى نصوص القرآن والسنة، فيجد فيهما ما يبين له الحكم في تصرفاته، وهو يعلم أن هذه النصوص ثابتة عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعمل بها وهو موقن مطمئن لا يخالجه شك في ثبوتها.
الوجه الثاني: أن المسيحيين المقرين بالديانة المسيحية، لا يلتزمون بما في إنجيلهم المحرف، ولذلك تجد المسيحي الذي يتردد على الكنيسة، يمارس العلاقات غير المشروعة علنا، فيصرح كل من الرجل والمرأة بأن بعضهم يعيش مع بعض وينجبون أطفالا بدون زواج شرعي، كما صرح بذلك المستشرق "كارل سْوانجِر" هذا نفسه الذي أورد هذه الشبه، وكما صرحت المحامية "بربرا
( GELGER BARBARA)
.
وهذا يخالف الإسلام الذي يلزم المسلم، بفعل الواجب وترك المحرم، وإذا ترك المسلم الواجب أو فعل المحرم، اعتبر عاصيا يستحق عقوبة في الدنيا أو في الآخرة، ولا يقره المسلمون على ذلك.
الوجه الثالث: أن المسيحيين يعترفون بأن دينهم ليس فيه شريعة تطبق في حياتهم، بل إنهم يفخرون بأنهم علمانيون، لا يتدخل دينهم في حياتهم، وهم صادقون في ذلك، فليس في إنجيلهم ما يصلح لأن يكون شريعة، فيها أحكام تضبط شئونهم الأسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها...
بخلاف الإسلام، فإنه منهج لحياة المسلمين، فصل الله فيه الأحكام التي لا تدع شاردة ولا واردة، إلا وجدوا لله فيها حكما، بالوجوب أو التحريم، أو الإباحة أو الندب أو لإباحة، مع عدم وجود حرج عليهم في ذلك كله....
ورابعا: لا توجد حرية للإنسان، فهو إما أن يكون ذمياً أو مسلماً، وإذا كان ذمياً، وهو الكتابي، فعليه أن يدفع الجزية مقابل أن يعيش في الدولة الإسلامية، أما عندنا فليعتقد الإنسان ما يشاء بدون أن يدفع شيئاً.
وهذه دعوى باطلة، فأهل الكتاب كلهم أحرار في البقاء على دينهم، كما سبق، وأما أخذ الجزية، فهو أمر مفروض عليهم للإسهام في المصالح العامة للدولة التي يعيشون فيها، وبخاصة نفقات الحرب ضد الحروب التي يشنها أعداء البلد من خارجها.
فالمسلمون يدفعون الأموال لإعداد العدة التي يدافعون بها عن البلد، ويبذلون نفوسهم في المعارك، ولا يجبرون غير المسلمين على القتال في صفوفهم، والمسلمون يدفعون زكاة أصناف أموالهم عبادة لله.
وغير المسلمين لا يقرون بالإسلام حتى تؤخذ منهم الزكاة، وما يدفعه غير المسلمين من الجزية، لا يعد شيئا بجانب ما يدفعه المسلمون.
ودول الغرب تأخذ اليوم من رعاياها [ومنهم المسلمون سواء كانوا متجنسين بجنسية البلد، أو مقيمين مجرد إقامة] ضرائب باهظة.
وخامساً: حرية المعتقد حسب ما نفهم في القانون الأوروبي، يجوز أن يكون الإنسان ملحداً، والإسلام لا يعترف بذلك.
أولا: سبق أن الإسلام لا يكره غير المسلمين على الدخول في الإسلام
(
(
لا إكراه في الدين
)
)
وأن الأصل هو دعوة غير المسلم وإقامة الحجة والبرهان على الإيمان بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وبالوحي الذي أنزله الله تعالى هداية لكل البشر، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها.
وسبق أن الإسلام يترك الناس على ما يعتقدون، دون تفريق بين كتابي وغيره.
ولكن الإسلام لا يأذن لمن دخل فيه مختارا، أن يخرج منه، لأنه رأى نور الإسلام واستظل بظله الوافر، وخروجه من الإسلام بعد الدخول فيه، ذريعة لهدم نظام الإسلام، وهذا ليس غريبا حتى في الأنظمة البشرية التي تحكم بالخيانة العظمى على من خرج على دساتيرها وأراد تغيير تلك الأنظمة.
ثانيا: معلوم أن قوانين البلدان تختلف، وكل بلد يطبق قوانينه، ولا يتيح أي بلد لتدخل بلد آخر في قوانينه. هذا في القوانين البشرية، فكيف بشريعة مفصلة يعتقد أهلها أن ربهم تعبدهم بها، ويعتقدون أن عدم الطاعة لصاحبها جريمة لا يجوز لهم ارتكابها...
سادساً: المشكلة الأساسية عند المسلمين حرمة القرآن عندهم، فالقرآن لا يمكن مناقشته..
وهذه الشبهة التي يوردها المستشرقون وتلامذتهم من أبناء المسلمين، شبهة ماكرة قصدهم منها جعل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصول هذا الدين ميدانا مشاعا، يحق لكل من هب ودب الدخول إليه والسباق في حلبته، باسم الاجتهاد وحرية الرأي، ليعبثوا فيه كما يريدون، بتحريف معانيه وطمس حقائقه، وتشويه مقاصده، ليحرفوا بذلك أهل هذا الدين عن صراطهم المستقيم، فيكونوا مسلمين اسما دون مسمى، كحال غيرهم من أهل الأديان المحرفة، ولينفروا غير المسلمين من الإقبال عليه والدخول فيه.
فإذا قيل لهؤلاء: إن هذا القرآن وهذه السنة، لهما قواعد وعلوم بها يتأهل بها من يريد الخوض في فهمهما والاجتهاد فيهما، قالوا: هذا عين الكهنوت الذي جعل الأوربيين يثورون على رجال الكنيسة الذين حالوا بينهم وبين التقدم وإحراز العلوم الكونية، للحجر على عقول المفكرين والمبدعين والمبتكرين.
ونسي هؤلاء أو تناسوا، الفرق العظيم بين الإسلام الذي حفظت نصوصه، وفصلت مضامينه، في كل مجال من مجالات حياة البشر، وحفظ من التغيير والتبديل في تلك النصوص، والمسيحية التي سبق أن نصوصها الإلهية قد ضاعت نصوصها وحرفت معانيها في أعظم شأنها، وهو الاعتقاد في الله وفي رسله.
كما نسوا أن الدين المسيحي مبني على الإنجيل المحرف الذي لا يوجد فيه تشريع يمكنه تسيير حياة البشر، وأن رجال الكهنوت المسيحيين، الذين ادعوا الاختصاص بالحق الإلهي وتفسيره، قد أعطوا أنفسهم هذا الحق، بدون دليل ولا علم وإنما بمجرد الدعوى، ولهذا تبين زيف دعواهم، بمباينة آرائهم وأفكارهم للفطرة والعقل، وحالوا بين قومهم وبين التقدم في الحياة.
ولهذا تيقن الأوربيون أن العلم لا يجتمع مع الدين [الكنسي] فكانوا بين خيارين: خيار البقاء تحت نير من يزعمون أنهم ينوبون عن الله في السيطرة على الناس، وخيار الخروج على الدين الذي حرمهم من تسيير حياتهم، على أسس عقلية فطرية، فآثروا هذا الخيار على الخيار الأول، وحاربوا رجال الدين حربا طويلة، سفكت فيها الدماء، وحرروا عقولهم من سجن رجال الكنيسة، وتمكنوا من الاستقلال عن قيودهم التي كبلتهم.
ثم ظن كثير من الأوربيين أن دين الإسلام كالدين المسيحي، الذي يحجر على العقول من ان تنطلق في الابتكار والإبداع، ويدعي رجاله ما يدعيه رجال الكهنوت المسيحي، وغرس هذا المعنى في عقولهم غالب المستشرقين الذين تعمدوا تشويه الإسلام ومحاربته، مع أن كثيرا منهم يعلمون أنهم معتدون ظالمون، كما فضح قصدهم بعض من زملائهم، ومنهم العالم الفرنسي "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة العرب" والمستشرقة الألمانية "زغرد هونكه" في كتابها "شمس الله تسطع على الغرب".
ومن عجيب أمر المستشرقين الذين يشوهون الإسلام، ويوردون عليه مثل هذه الشبهة، وهي حرمة القرآن عندا لمسلمين، فالقرآن لا يمكن مناقشته..
وقصدهم من ذلك إخضاع القرآن لنقدهم ومعارضته بآرائهم، كما يفعلون مع أي كتاب آخر، بحجة الاجتهاد وحرية الرأي!
ونسوا ان لكل علم رجاله المتخصصين فيه، فالنجار الماهر في مهنته، لا يجرؤ على الزعم بأنه يستطيع مزاولة مهنة الطب البشري لخبرته في النجارة، وهكذا...
فكيف يمنع متخصص في علم من مزاولة نشاطه في علم آخر لم يتخصص فيه، ويباح لكل متطفل الهجوم على كتاب الله ليقول فيه بما يشاء؟!
هذا مع العلم أن العلماء الذين يحرزون مؤهلات فقه القرآن والسنة، لا يحجر على عقولهم في أن تغوص في معاني القرآن بالتفسير والتوضيح، ولا يمنعون من إبداء فهمهم ولو خالف فهم علماء آخرين، ولهذا نجد كثيرا من العلماء يختلفون في تفسير كثير من الآيات، ويدلي كلهم منهم بأدلته على رأيه...
ونجدهم يختلفون كذلك في الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، وفهما، ولهذا وجدت المذاهب الفقهية التي أغنت الأمة الإسلامية بحلول أي مشكلة اعترضتها في أي جيل من الأجيال.
وكأنَّ الإمام الشافعي رحمه الله قد تصور ما سيحدث من بعض الطوائف من الإساءة إلى هذا الدين، من صغار طلبة العلم الذين يدعون الاجتهاد، وهم من أطفال طلب العلم، والمستشرقين وتلامذتهم الذي يحاربون هذا الدين باسم حرية الرأي.
فقال رحمه الله: ]مبينا الشروط التي يجب أن تتوافر في المجتهد الذين تطمئن الأمة إلى اجتهادهم]:
"ولا يقيس [أي لا يجتهد] إلا من جمع الآلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله: فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامه وخاصة، وإرشاده.
ويستدل على ما احتمل التأويل بسنن رسول الله، فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس.
ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف، وإجماع الناس، واختلافهم، ولسان العرب.
ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به دون التثبت.
ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه، لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة، ويزداد به تثبيتا، فيما اعتقد من الصواب.
وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك.
ولا يكون بما قال أعْنىَ منه بما خالفه، حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك، إن شاء الله.
فأما من تم عقله، ولم يكن عالما بما وصفنا، فلا يحل له أن يقيس، وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه، كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه.
ومن كان عالما بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة، فليس له أن يقول أيضا بقياس، لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني.
وكذلك لو كان حافظا مقصر العقل، أو مقصرا في علم لسان العرب، لم يكن له أن يقيس، من قبل نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس)
. [الرسالة
(من فقرة: 1469-1478 ص : 5-9-511)
بتحقيق شاكر]
لقد أطلت في الرد على هذه الشبهات التي أوردها هذا المستشرق، لئلا يغتر بها من لا علم عنده، أو تحدث اضطرابا في فكره، وكنت أود أن يسمعها مني المستشرق المذكور مباشرة، ولكنه رماها وغادر مع إلحاحي عليه في البقاء.
الفهرس
14235179
عداد الصفحات العام
827
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م