﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


مقدمة..

مقدمة..
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا..
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) [آل عمران:102].
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً )) [النساء:1].
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً )) [الأحزاب:70 -71].
(( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ )) [الزخرف:13-14].
اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا وأطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل..
اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل. [انظر الكلم الطيب لابن تيمية، تخريج عبد القادر الأرناؤوط ص:107، الطبعة الثالثة، والحديث في مسلم].

أما بعد:
فإن من المعلوم أن لكل أمة غاية تسعى إلى تحقيقها، وهدفاً تتعاون وتتسابق للوصول إليه، فتجند لتلك الغاية وذلك الهدف كل أفرادها، تعد له المناهج، تعليماً وتربية وإعلاماً..
وتخطط له سياسة واقتصاداً وقتالاً، يكون هو محور نشاطها وقطب رحى حركاتها وسكناتها، من أجله يقدح القادة عقولهم قدحاً، ويكدح الأتباع أنفسهم إليه كدحاً..
ولا تخلو غايات الأمم وأفرادها كلها منذ أن أوجد الله الخليقة إلى يوم الدين من إحدى غايتين:

الغاية الأولى:
غاية ترفع إليها الأبصار ويسمو إليها ذوو الهمم الكبار، الذين لا ترضى نفوسهم بما دونها ولا يسلكون في دنياهم طريقاً لا يؤدي إلى مستقرها وعرينها..
يستسهلون للوصول إليها الصعاب ولو كانت أسفاراً كلها قطع من عذاب..
لأنهم قد علموا أن في الوصول إلى تلك الغاية كل السعادة.. وهي لا تحصل بدون عزم وتوفيق وتعب وقوة إرادة..

كما تيقنوا أن في الحرمان منها ضنكاً وشقاء على الدوام، لا يستحقهما في الدنيا والآخرة إلا الكسالى اللئام.

هذه الغاية هي رضا الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، والطريق المؤدي إليها هي أن يعبده العابدون..

كما قال تعالى: (( وَما خَلَقتُ الْجنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبدُونِ)) [الذاريات:56].
عبادة تشمل الحركة والسكون، فلا تكون صلاة العابد ونسكه وموته وحياته إلا لله رب العالمين..

(( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )) [الأنعام:162-163].

الغاية الثانية: غاية هي تحت الأقدام.. في أسفل الدركات، تهبط إليها نفوس الأراذل الهالكات، ولو نالت بذلك الخسران المبين في الدنيا الفانية ويوم الدين..

نفوس تستثيرها متع الحياة وتستعبدها ملذاتها، فلا ترى في مسعاها الا بريقها وخيالاتها، وتنسى الغاية التي يجب أن يشمر إليها المشمرون تشميراً..
وبذلك كان صاحب الغاية الأولى مسروراً، ويصلى صاحب الغاية الثانية سعيراً..

كما قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً )) [الانشقاق:6-15].

وإذا كانت تلك الغاية العليا هي مطلب الأمة الإسلامية وأفرادها، فإن نشاط المسلم في مقامه وسفره يجب أن يكون لتحقيقها.
وهي رضا الله تعالى بعبادته الشاملة لأداء الشعائر الإسلامية المفروضة عيناً، أو كفاية، والقيام بكل ما ينفع الإسلام والمسلمين.

وإني لأرجو من الله تعالى أن تكون أسفاري الكثيرة التي جلت فيها في العالم شرقاً وغرباً نائلة منه التوفيق لتكون محققة لتلك الغاية..

وأن يجعل كل تنقلاتي وتحركاتي خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفعني بما أجهدت نفسي في عمله وتسجيله مما يتعلق بأحوال المسلمين والدعوة إلى الله في صفوفهم وصفوف غيرهم..

وأرجو الله أن ينفع به من يريد الإسهام في الدعوة إلى الله بالبلاغ أو المال أو الجاه أو الكتابة أو غير ذلك، وأن ينفع به كذلك كل من يحتاج إلى الدعوة والتوجيه من المسلمين، وبخاصة أولئك الذين هجروا بلدانهم الإسلامية واستوطنوا غيرها من بلاد الكفر، أو هداهم الله للإسلام في تلك البلدان.

وقد اعتدت في رحلاتي أن أسجل كثيراً من مشاهداتي مما يتعلق بالكون وجماله والأجواء، وما أتمكن من معرفته عن البلدان التي أزورها، أو ما يحدث لي من انفعالات وعواطف وطيب المسكن أو عدم ملاءمته، والمسافات التي أقطعها بأي وسيلة من وسائل السفر..

وبعض المعلومات عن الأشخاص الذين ألتقيهم وما يدور بيننا من حوار أو ما يلقى من أحاديث أو محاضرات، وما يوجد من أعمال إيجابية في بعض مراكز الدعوة أو سلبية..

وما يعترض الدعوة في المراكز من المشكلات واقتراح حلول لها، وما يحتاج إليه الدعاة من مساعدات مادية أو كتب أو منح دراسية أو دعاة ومدرسين وأئمة، وغير ذلك..

هذه الأمور هي التي اعتدت كتابتها في رحلاتي السابقة في المشارق والمغارب، وقد زدت في هذه الرحلة أموراً أخرى كنت أتوق إليها في أسفاري السابقة، ولكني لم أتمكن منها، إما لعدم الإثقال على المرافق، وإما لضيق الوقت، وإما لعدم تشجيع المسلمين القائمين بالدعوة في تلك البلدان التي أزورها..

ويمكن تلخيص هذه الأمور فيما يلي:

الأمر الأول: الاتصال بمن أمكن من الذين دخلوا في الإسلام من أهل البلد، للتعرف على أحوالهم ومعرفة الطريق الذي سلكوه لمعرفة الإسلام، والسبب الدافع لهم، وصلتهم بأقاربهم وأصدقائهم غير المسلمين، وصلتهم بالمسلمين من غير أهل البلد الأصليين، وصلة هؤلاء بهم..

وسؤالهم عن أساليب الدعوة النافعة في بلدانهم والموضوعات التي يرون أن طَرْقها أولى من غيرها في دعوة غير المسلمين في بلادهم..

والصفات أو الشروط التي يجب توافرها فيمن يدعو إلى الله في تلك البلدان من وجهة نظرهم.. وغير ذلك مما سيطلع عليه القارئ عند قراءته للحوار مع هؤلاء المسلمين.

وتوجد عند هؤلاء المسلمين أسئلة كثيرة يحتاجون إلى الجواب عنها، وهي تتعلق بالأحكام من الحلال والحرام، أو بشبهات لا زالت عالقة بأذهانهم من زمن جاهليتهم ولم يجدوا لها جواباً، أو شبهات يوردها عليهم أقاربهم الذين لم يسلموا أو غيرهم.

الأمر الثاني: الاتصال بغير المسلمين من أهل البلد لمحاورتهم عن الإسلام، وشرح مبادئه بالأسلوب المناسب، ومعرفة ماذا يفهمون عن الإسلام؟ ومصادر فهمهم له، والرد على ما عندهم من شبهات يرمون بها الإسلام.

وهم فئات كثيرة من الرجال والنساء، من كبار السن أو الشباب، وكلهم مثقفون، إلا أنهم يختلفون في مستوى الثقافة والتخصص، منهم من هو رجل كنيسة داعية إلى النصرانية ومخطط للدعوة إليها، ومنهم من هو مستشرق من أساتذة الجامعات وأقسام مقارنة الأديان، ومنهم المحامي، ومنهم القانوني، ومنهم المدرس العادي، ومنهم الطالب في الدراسات العليا، وغير هؤلاء.

وقد بلغ عدد الذين قابلتهم بصفة مفردة من المسلمين ثلاثة وثلاثين شخصاً، وأضفت إليهم ستة آخرين التقيتهم في رحلة تالية في عام 1408- 1409هـ، فوصل عددهم إلى تسعة وثلاثين شخصاً..[وهناك عدد آخر تم الاجتماع بهم في رحلات أخرى، سيلحون بزملائهم في هذه الحوارات]

وأجريت معهم حواراً في أسباب تركهم دينهم ودخولهم في الإسلام، وما يتعلق بالدعوة الإسلامية ووسائلها وأسبابها، ومستقبل الإسلام في أوروبا وواجب المسلمين في ذلك، والإمكانات المتاحة للدعوة، والعقبات التي تعترض طريقها.

أما المسلمون الأوروبيون الجدد الذين قابلتهم بصفة جماعية، أي: جماعات جماعات، فعددهم أكثر من العدد المذكور.

وبلغ عدد الذين قابلتهم من غير المسلمين ثمانية عشر شخصاً، وكلهم مثقفون ذوو مؤهلات ما عدا شخصاً واحداً سيمر به القارئ. [أضفت إليه المستشرق البرتغالي الذي قابلته في رحلة عام 1408-1409هـ وبه يكون عددهم تسعة عشر شخصاً..].

والهدف من مقابلة المسلمين وغير المسلمين جميعاً هو معرفة ما يدور في أذهانهم عن الإسلام والمسلمين، وإن كان أغلب المسلمين الذين التقيتهم يودون أن ينتشر الإسلام في أوروبا ويسعد به غيرهم كما سعدوا هم به..

ويتمنون أن يجتمع شمل المسلمين، وأن تقوم لهم دولة تطبق الإسلام على حقيقته ليرى العالم الآخر - الأوروبي وغيره - هذا الدين صافياً نقياً من الشوائب التي أدخلت على سلوك المسلمين، والشبهات التي أوردها أعداء هذا الدين عليه للتنفير منه وتشويهه، وأن يكون المسلمون قدوة حسنة يدعون الناس إلى الدخول فى هذا الدين قبل القول بالعمل الصالح الصادق.

والحقيقة أن المسلمين إذا أرادوا للدعوة إلى الله تعالى أن تنتشر في أوروبا، فإن عليهم أن يستنصحوا المسلمين الأوروبيين المخلصين الذين هم أدرى بنفسيات أبناء بلدانهم، وبالطرق والأساليب النافعة في نشر الدعوة، وبالقوانين التي يمكن من خلالها اغتنام الفرص لإقامة المشروعات القريبة والبعيدة، لتثبيت هذا الدين في أوروبا وجعله راسخاً في نفوس أبنائه الذين وفدوا إلى أوروبا من خارجها، وكذلك في نفوس الداخلين فيه من جديد وأجـيالهم القادمة.

فاقتراحات المسلمين الجدد من أهل أوروبا التي يمكن أن يؤدى بها الواجب جديرة بالدراسة والاهتمام، والمتابعة والتخطيط والتنظيم، ثم التنفيذ، مع إضافة آراء دعاة الإسلام من أهل المراكز الإسلامية النشيطة في الدعوة.

وها أنا أقدم للمؤسسات الإسلامية، من دعوية وتعليمية وغيرها، حواراً مفصلاً مع هؤلاء المسلمين الذين هداهم الله للدخول في الإسلام لتطلع تلك المؤسسات على آراء أولئك المسلمين وما يريدون فعله من العالم الإسلامي للحفاظ على دين الله في نفوس أهله في بلدان أوروبا، وفي سلوكهم العملي:

عن طريق الكتاب المؤلف أو المترجم، أو الداعية الكفء، أو المدرسة الدائمة الكاملة، أو الوسيلة الإعلامية الممكنة، أو المحاضرة العامة، أو النشرة الصغيرة أو النادي الرياضي الثقافي الاجتماعي ذي الصبغة الإسلامية، أو المنح الدراسية، أو الدورات العامة أو المتخصصة.

ولعل القادرين من المسلمين بمالهم أو علمهم أو جاههم ونفوذهم السياسي، يفيقون من غفوتهم ويهتمون بإخوانهم المسلمين في أوروبا وفي غيرها من العالم..
فيقوم كل فرد وكل فئة بواجبهم على النحو المطلوب منهم شرعاً، فإن عز المسلمين إنما يكون بإعزاز دينهم وانتشاره في الأرض، وذلهم إنما يكون بانحسار دينهم كذلك..

وإذا كانت بعض الجهات تؤدي شيئاً قليلاً مما فرض الله عليها من إقامة دين الله، فإنها تثاب على أداء ذلك القليل، ولكنها تأثم بترك ما هي قادرة عليه فيما أوجب الله عليها.

أما الجهات الأخرى التي لا تقدم للإسلام شيئاً، بل هي تعاديه وتؤذي أهله في بلدانهم وفي مهاجرهم، بشتى أساليب الإيذاء فيا ويلها من غضب الله وأليم جزائه في الدنيا والآخرة.

هذا فيما يتعلق بمقابلات المسلمين ومحاوراتهم.

أما محاورات غير المسلمين فيتضح للقارئ منها ماذا بلغهم عن الإسلام؟
هل بلغهم على حقيقته أو بلغهم مشوَّهاً بأساليب منفرة منه؟..

وهم بلا شك أصناف:
منهم المهتم بالإطلاع على الإسلام، ومعرفة أحوال المسلمين القديمة والحديثة مع القدرة [النسبية] على أخذ ذلك مباشرة من القرآن والسنة والسيرة النبوية وكتب التاريخ والفقه والعقائد وغيرها..

كما هو شأن بعض المستشرقين الذين أجادوا قراءة اللغة العربية والتحدث بها، وهدف غالب هؤلاء هو محاولة التنفير من الإسلام بإبراز بعض المثالب التي يتصيدونها، إما من متشابه يأباه محكم الكتاب والسنة، وإما من روايات تاريخية واهية السند أو بدون سند، أو من بعض تصرفات المسلمين السيئة..

حتى إن بعض هؤلاء المستشرقين لينسبون إلى الإسلام تصرفات أعدائه الذين حاربوه في عقر داره، بكل الوسائل الفكرية والإعلامية والتعليمية والعسكرية والاجتماعية والسياسية، ويحاولون أن يخلطوا بين منهج الله وتصرفات أعداء الله.

وهؤلاء المستشرقون هم مراجع ساسة أوروبا ومبشروها، في كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين، يطلبون منهم إمدادهم بما عندهم من المعلومات وينصحونهم في طرق الصدِّ عن دين الله بالطرق الخفية في بلاد المسلمين، وفي بلدان أوروبا وغيرها.

وإذا اطلع الإنسان على ما يعتقدون - حسب تصريحاتهم - في الإسلام يجد أعداء الدين في الشعوب الإسلامية من غلاة العلمانيين، ملحدين وشيوعيين وقوميين، ينهلون من مناهل أولئك المستشرقين..

بل يجدهم أبواقاً تردد ما يقولونه من الطعن في الإسلام، ومحاولة إبعاد الناس عن تطبيقه في حياتهم، وأن يكون فقط عقيدة هامدة في النفوس لمن أراد أن يعتقد هذا الدين.

وقد يوجد من هؤلاء المستشرقين من يُظن أنه محايد - كما يقولون - يبرز حقائق الإسلام بدون تَجَنٍّ عليه ولا تشويه في تخصصات مختلفة، ولكنه قلما يسلم من الخطأ الذي وقع فيه من سبقه من المستشرقين، بسبب سوء الفهم أو الاعتماد على المراجع الاستشراقية السابقة.

ويندر أن تجد مستشرقاً صافي الفكر، اللهم إلا إذا كان مسلماً يكتم إسلامه لأمر ما، وقد وجدت لهذا مثالاً واحداً فقط في رحلتي هذه التي أقدم منها هذين الكتابين.

أما أصناف غير المسلمين الأخرى - غير المستشرقين - فأغلبهم لا يفهمون الإسلام إلا فهماً مشوّهاً مع ثقافاتهم العالية وتخصصاتهم المختلفة، وهم في الغالب إذا أرادوا الاطلاع على مبادىء الإسلام، تكون مراجعهم كتب المستشرقين القديمة والحديثة، والقليل منهم من يتجه إلى بعض المراكز الإسلامية.

وعلى كل حال، فإن الاطلاع على ما عند القوم من أفكار عن الإسلام، مهم جداً لمن يريد أن يسهم في الدعوة إلى الله، وبخاصة من أراد دعوتهم المباشرة ممن يجيد لغتهم ويفقه الإسلام، فإن معرفته لما عندهم تجعله يستعد لهم، سواء في مخاطبتهم أو الكتابة لهم.

وكذلك من أراد أن يدعو إلى الله في صفوف المسلمين من أهل أوروبا أو يكتب لهم، فإن معرفته بنفسياتهم وأفكارهم تعينه على أداء واجبه.

والذي يريد أن يدعو إلى الله في صفوف قوم لا يعرف عنهم شيئاً، أو يريد أن يكتب لهم وهو في منزله بعيداً عن معرفة عاداتهم وأفكارهم، سيكون نفعه قليلاً إن لم يكن معدوماً.

ولهذا نبه الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل عندما بعثه إلى اليمن للدعوة إلى الله، على أن القوم الذين سيدعوهم هناك تختلف عقائدهم وأفكارهم وثقافاتهم عن العرب الوثنيين الذين نشأ معاذ بينهم فقال: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب...).

ولهذا نرى المستعمرين والمنصرين وغيرهم، ممن يريدون أن يحققوا أهدافاً معينة في أي بلد من بلدان العالم، يقومون بدراسات سابقة لذلك البلد: لغة وعادات وعقائد وأفكار..

فلا يتركون مجالاً من المجالات الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، بدون دراسة كاملة من قبل متخصصين في كل مجال..
ثم يخططون لأهدافهم وينظمون وينفذون، وهم يعرفون مواطئ أقدامهم أولاً بأول.

ونحن -مع الأسف الشديد- لا نراعي ذلك في مناهجنا ولا في إعداد دعاتنا ولا في كتاباتنا، ويكفينا أننا نبعث دعاة - كما نسميهم - إلى الغرب وهم لا يعرفون عن البلد الذي يبعثون إليه شيئاً، بل قد لا يعرفون لغته، فإذا وصل هناك وجد نفسه شبيهاً ببدوي طلب منه تشغيل مصنع معقد لم يسمع باسمه قبل أن يكلف تشغيله.

وغاية ما يستطيعه هذا الداعية -إن كان مخلصاً في دعوته- أن ينزوي بين فئة من المسلمين يفهم لغتها وتفهم لغته، فيؤمهم في صلاتهم ويعلم أولادهم شيئاً من مبادىء الإسلام، ويبقى فترة طويلة في البلد الأوروبي، وكأنه في حي من أحياء بلده.

فإليكم أيها المسلمون القادرون على الإسهام في الدعوة إلى الله أقدم هذين الكتابين:

الكتاب الأول: "حوارات مع مسلمين أوروبيين".

والكتاب الثاني: "حوارات مع أوربيين غير مسلمين".

وإني لأرجو الله أن أكون قد أسهمت بما استطعت، وكشفت لبني قومي ممن يريدون إقامة هذا الدين ما يكون خفياً على بعضهم من المجالات التي يمكنهم تحقيق ما يصبون إليه فيها، وإن الرائد لا يكذب أهله، وأرجو أن أكون رائد خير دالاً على خير، والدال على الخير كفاعله.

هذا، ولا بد هنا من الإشارة إلى ثلاثة أمور:

الأمر الأول: أنني كنت مشتاقاً قبل عقد من الزمن إلى تحقيق مثل هذه المقابلات مع مسلمين من أهل البلدان التي أزورها، وقد زرت كثيراً من البلدان في مشارق الأرض ومغاربها، ولكني لم أتمكن من ذلك لظروف لا داعي لذكرها هنا، وكذلك كنت أرغب في مقابلة غير المسلمين ولم يتيسر لي ما كنت أرغب فيه.

ولهذا كانت كتاباتي التي سبقت هذه الرحلة تتعلق بالمسلمين الوافدين إلى تلك البلدان من الشعوب الإسلامية، ويندر أن تجد فيها لقاء مع غير المسلمين أو مع مسلمين من أهل البلد..

وقد بلغت مجلدات هذه الرحلات إلى تاريخ [23/3/1424هـ] الذي أعيد فيه تصحيح هذا الجزء الذي هو مستخلص منه عشرين مجلدا، وهي بعنوان: "في المشارق والمغارب" ولم يتيسر طبعها مع أنها كثيرة الفوائد، وفيها اقتراحات ومعلومات عن أحوال المسلمين في تلك البلدان.

الأمر الثاني: أن المسلمين الجدد يسرهم كثيراً أن يزورهم المسلم القادم من الشعوب الإسلامية، وبخاصة إذا أظهر الاهتمام بآرائهم وسألهم عن مشكلاتهم واقتراحاتهم، وقد لمست ذلك منهم في هذه الرحلة.

الأمر الثالث: أن الوصول إلى غير المسلمين والتحاور معهم فيما يتعلق بالأديان وبخاصة الإسلام ممكن وميسر لمن أراد ذلك..

وقد كان إخواننا في المراكز الإسلامية في رحلاتي السابقة، لا يشجعوننا على الاجتماع بهؤلاء، ظناً منهم أنهم لا يرغبون في المناقشات الدينية، أو خوفاً أن يتهموا المسلمين المقيمين بينهم بأنهم يحاولون إدخال الناس في دينهم..

ولكني، بحمد الله، عندما أصررت في هذه الرحلة على الاجتماع بهم، لم أجد معوِّقات تحول بيني وبينهم إلا ضيق الوقت أو عدم وجود من يساعدني في الاتصال بهم.
وسيجد القارئ في هذه المحاورات، إن شاء الله، ما يدل على ما ذكرت.

هذا، وقد مهدت في كلا الكتابين بتمهيد يناسبه.
فمهدت للكتاب الأول،. بذكر نماذج من مسلمين جدد التقيتهم في بلدانهم في غير الرحلة الأوروبية..
ومهدت للكتاب الثاني.. بذكر نماذج من غير المسلمين التقيتهم أيضاً في بلدانهم في غير الرحلة الأوروبية.

وهذا هو أوان الشروع في وضع نصوص محاورات الكتاب الثاني بين يدي القارئ.
أسأل الله أن ينفع بذلك ويثيب عليه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

23/2/1409هـ
د. عبد الله بن أحمد قادري الأهدل.



السابق

الفهرس

التالي


15251373

عداد الصفحات العام

167

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م