﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(15) حوار مع المستشرق النرويجي المنصف "الدكتور آينر بيرج AINRBERG".

(15) حوار مع المستشرق النرويجي المنصف "الدكتور آينر بيرج AINRBERG".
[جامعة أوسلو النرويج، الاثنين 30/12/1407هـ آخر أيام العام الهجري 1407هـ].

[يغلب على ظني أنه إذا وجد شيء في كتابات هذا الرجل فيه مخالفة لبعض معاني القرآن والسنة، فهو ناشئ من سوء فهم، وليس عن سوء قصد].

سمعت المسلمين يثنون على هذا الرجل، وعلى كتاباته عن الإسلام، وعلى ترجمته لمعاني القرآن الكريم، فاشتقت للقائه أكثر من غيره من المستشرقين الآخرين..

وضرب لي الأخ أبو يوسف موعداً مع الرجل للاجتماع به، في جامعة أوسلو في مقر عمله في الساعة الواحدة من ظهر هذا اليوم. وكنا عنده في الساعة الواحدة والربع.

رحب بنا ترحيباً حاراً، وهو يتحدث باللغة الإنجليزية، واللغة العربية باللهجة المصرية، وبعد أن تعارفنا وبدأ هو يثني على الإسلام طلبت منه أن نبدأ الحوار لأسجل المعلومات الممكن تسجيلها..


فكانت كما يأتي:
ولد الدكتور آينر بيرج سنة 1921م وقال: غداً سيكون عمري 66 سنة.

قلت له: متى كان أول سماعك عن الإسلام في حياتك؟.

قال: في الحرب العالمية الثانية، كان طياراً، وكان عندهم أسرى من المسلمين في شمال إفريقيا، وكانوا عمالاً في إنجلترا، وكان هو تابعاً للجيش الإنجليزي، وكان أولئك العمال يُصلُّون، واهتم هو بذلك وسألهم عن دينهم ولم يكن قبل ذلك يعرف شيئاً عن الإسلام، ولا كان دارساً له.

قلت: متى بدأ اهتمامك بالإسلام؟.
قال: عندما جئت إلى النرويج في سنة 1960م.

قلت: وما سبب اهتمامك به؟.
قال: إنه كان مهتماً بالدين بصفة عامة، والتقى المسلمين في إنجلترا فزاد اهتمامه به، وذلك قبل 45 سنة من الآن وأغلبهم أسرى كانوا منفيين في إنجلترا، ودرس تاريخ الأديان وخاصة الإسلام سنة 1965م.

من مؤلفاته كتاب لم يستطع الأخ أبو يوسف أن يترجم عنوانه إلا بمشقة وهو: "الإسلام بين الصدام والحوار"، وسألت عن مضمون هذا العنوان؟
فقال الدكتور: إن الإسلام حصل بينه وبين الكنيسة في الأندلس صدام، والآن هو مع الكنيسة في حوار، يقصد أنه يمكن أن يتفاهم المسلمون والنصارى بدلاً من أن يتحاربوا.

وترجم كتاب الأيام لطه حسين، وكذلك ترجم كتاب مبادىء الإسلام للمودودي، وقال عن كتاب المودودي هذا: إنه بَيَّنَ أصولَ الإسلام.

وترجم معاني القرآن الكريم، وقال: إنه بدأ في ترجمته عندما كان يُدَرِّس الطلبة في الجامعة، وكان يترجم لهم بعض الآيات، فلما كثرت عنده الآيات المترجمة، أحب أن يكمل ذلك وكان بداية الترجمة سنة 1970م، وأول طبعة خرجت سنة 1980م.

الأستاذ الدكتور آينر بيرج في مكتبه بجامعة أوسلو وقت الحوار الذي أجريته معه، وفي يده كتاب أصول الإيمان للشيخ محمد بن عبد الوهاب

سألته: عن سبب اتجاهه لدراسة الإسلام وتدريسه، أكثر من الديانات الأخرى كاليهودية والبوذية؟.

فقال: كان يعرف الأديان الأخرى من قبل، ولكن الإسلام يفسر معنى الإله تفسيراً واضحاً، ويبين سبب وجودنا بطريقة يقبلها العقل والقلب.
في سنة 1967م التقى في القاهرة بعض الأزهريين وبعض العلماء من دولة عربية أخرى.
وقال: إنه قد دعي من قبل بعض المؤسسات المسيحية والمدارس لإلقاء محاضرات عن الإسلام.

قلت له: هل تعرف متى دخل الإسلام النرويج؟.
قال: في سنة 1000م كانت توجد تجارة جيدة بين النرويج وروسيا، وكان من بين تجار روسيا مسلمون، ويرجع أصلهم إلى الخليفة البغدادي، ووصل هؤلاء المسلمون إلى النرويج بدليل وجود عملة عربية قديمة.

وكتب في سنة 1967م كتيباً صغيراً ضد اليهود، واحتجت سفارة اليهود في النرويج واتصلوا برئيس الجامعة يطلبون منه أن يفصله من الجامعة ولكنهم أخفقوا.

وسألته عن القرآن ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ماذا يرى فيهما وقد ترجم معاني القرآن الكريم ودرس الإسلام وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟.

فقال: لا أشك في أن القرآن من الله، ولا أشك في ثبوت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
[يوجد عند بعض المسيحيين اعتقاد أن القرآن وحي، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول إلى العرب خاصة، ولا يعتقدون أن الأديان الأخرى، وبخاصة النصرانية منسوخة بذلك].

وقال: إني عندما ترجمت القرآن الكريم كنت أشعر أن الله ساعدني على ترجمته.
وكانت ترجمته من العربية إلى النرويجية واستعان بالترجمة الفرنسية والإنجليزية والألمانية واللاتينية.
درَس اللغة العربية في هذه الجامعة [جامعة أوسلو] ودَرَسَها في القاهرة لمدة سنة.

وكان يوجد أستاذ في جامعة أوسلو يعرف كل اللغات السامية، ومنها العربية وتعلم الدكتور آينر بيرج العربية قليلاً منه.

ويوجد أستاذ سوداني في الجامعة يسمى عبد المجيد العرقي، أثنى عليه الدكتور وقال: إنه مخلص وطيب وهو معجب به، لأنه يفيد النرويجيين ويحب الحضارة الإسلامية.
[قال لي بعض المسلمين: إن هذا الأستاذ السوداني غير ملتزم بالإسلام كما ينبغي].
وقال الدكتور: إنني الآن أدرس اللغة العربية على قواعدها.

قلت له: من أعجبك من علماء المسلمين قديماً وحديثاً؟.
قال: في هذه الأيام حسن البنا وسيد قطب، وقبلهما محمد عبده، وقبله ابن تيمية، وقال: إن السبب في إعجابه بهؤلاء أنهم يقولون أشياء منطقية صحيحة، يقبلها الإنسان العاقل، وكذلك ابن الجوزي.

وقال: إننا في حاجة إلى مسند الإمام أحمد بن حنبل، عندنا نسخة واحدة منه فقط والطلاب يقبلون إليه كثيراً، ويسأل: هل طبع من جديد؟.

وكانت لديه نسخة من كتاب أصول الإيمان للشيخ محمد بن عبد الوهاب أخذ الكتاب بيده وأثنى عليه كثيراً. ولديه مكتبة جيدة من المراجع الإسلامية في الجامعة وهو في حاجة إلى المزيد.
[وقد أرسلت له كتاب المسند مع كتب أخرى بعد عودتي من هذه الرحلة، وسيأتي ما دار بيني وبينه من مكاتبات]

وسألته عن عدد المسلمين من أصل نرويجي؟.
فقال: لا يدري، وعنده هو طلاب نرويجيون أسلموا وعددهم ستة: رجلان وأربع نساء.

قلت له: ماذا ترى عن مستقبل الإسلام في أوروبا؟.
قال: عدد المسلمين كثير جداً في أوروبا، ولكن المستقبل يتوقف على عدم استعمال العنف الذي يجري الآن بين بعض المسلمين، كما يحصل من الخميني، فإن ذلك يحد من انتشار الإسلام في أوروبا.

قلت له: ما الموضوعات التي ترى أنها يمكن أن تؤثر في الأوروبي؟.
قال: أهم موضوع هو العقيدة الصافية، وإبراز الحضارة الإسلامية.

وقال: لا أعتقد أن الاقتصاد المشاع حالياً كالبنوك الإسلامية مفيد لأنها لا تختلف عن البنوك الأخرى، فهي تأخذ فائدة بأسلوب آخر.
[على المسؤولين عن البنوك الإسلامية أن يوضحوا للناس عدم صحة هذه التهمة التي سمعتها من كثير من الناس مسلمين وغير مسلمين].

ومن الموضوعات المهمة بيان النواحي الاجتماعية في الإسلام، كتربية الأطفال وكونهم لهم مكانتهم في الإسلام وعلاقة الوالدين بهم.
وكذلك قضية المرأة في الإسلام، لأن الأوروبي يعتقد أن المرأة ليس لها مكانة في الإسلام.

قلت له: هل تظن أن هذا الاعتقاد خطأ من الناس أو لهم مستند في ذلك؟.
قال: الرسول صلى الله عليه وسلم كان طيباً مع نسائه، ولكن التطورات التي حصلت بعد ذلك غيرت من المعاملة للمرأة قليلاً.
مثال ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة رضي الله عنها، ولم يتزوج عليها امرأة أخرى خلال 25 سنة، ثم تزوج بعد ذلك عدداً من النساء لأسباب كثيرة..

لكن الآن، وإن كان القرآن يحل الزواج بأكثر من واحدة، فعلى الزوج أن يبقى 25 سنة مع زوجته قبل أن يتزوج عليها غيرها، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن العدل بين الزوجات صعب كما دل على ذلك القرآن، ولهذا ينبغي الاكتفاء بزوجة واحدة.

أخبرته أن هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش طويل معه ولكن الوقت لم يكن متسعاً، ونحن في حاجة إلى المزيد من المعلومات، ولكن يبدو أن الرجل عنده استعداد طيب لقبول الحق إذا اتضح له.

وسألته عن صفات الداعية المسلم الذي يمكن أن يؤثر في الأوروبي بدعوة الإسلام؟.
فاهتم بذكر أمرين يعتبران موضوعين وليسا صفات للداعية إلا من حيث قدرته على إتقانهما:
الأول: أن يخاطب الناس بالأمور التي يتفق فيها المسلمون والمسيحيون حتى يستميلهم، فإذا حصل ذلك تدرج معهم بالأمور الأخرى التي يخالفون فيها.

والثاني: دفع الشبهات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم، مثل قولهم أنه كان نزاعاً إلى النساء ولذلك تزوج نساء كثيرات، وأنه كان يعتمد على العنف في دعوته إلى الإسلام.

وأكد الدكتور على أمر ثالث يجب أن يكون الداعية إلى الإسلام متمكناً منه، وهو مقارنة الأديان، بحيث يكون عنده علم بالدين الذي يدعو أهله إلى الإسلام، كالمسيحية مثلاً.
لأنه بذلك يستطيع أن يبين لهم عدم صحة دينهم، ويبين لهم سمو الإسلام وضرب لذلك مثالين:

المثال الأول: أن القرآن اعتبر آدم وحواء مشتركين في الخطيئة عندما أكلا من الشجرة، والمسيحيون يعتبرون المرأة هي سبب الخطيئة، وأن حواء هي التي أغوت آدم، ويعتبرون أن الخطيئة ما زالت مستمرة في ابن آدم.
المثال الثاني: أن الإسلام يعتبر الطفل مولوداً على الفطرة والمسيحيون، بسبب الإيمان عندهم باستمرار الخطيئة في ابن آدم، يحكمون على الطفل أنه يولد متحملاً الخطيئة.

وقبل مائة سنة كانوا يغطسون الأطفال عندما يولدون في الماء حتى يطهروهم من الخطيئة في زعمهم.
فإذا ماتوا قبل الغسل لم يدفنوهم، وإنما يلقونهم في الزبالة لأنهم متسخون بالخطيئة!

لقد أشار هذا الرجل بأمرين مهمين:
الأمر الأول: دفع الشبهات عن الإسلام.
والأمر الثاني: مقارنة الأديان و ذكر أمثلة تبين ما في المسيحية من أخطاء.
وسبق أن قال: إن أهم موضوع إسلامي هو تقديم العقيدة الصافية للناس!.

وسألته: هل قام المسلمون بواجبهم في نشر الإسلام وإقامة الحجة على الناس؟.
قال: أغلب المسلمين هنا جهال، ولكن في استطاعة المتعلمين منهم أن يعقدوا اجتماعات، ويلقوا محاضرات لتفهيم الناس الإسلام.

قال: كان يعرض برنامج في التلفزيون منذ سنوات، وكان له أثر جيد، وليته يعاد هذا البرنامج مرة أخرى.
ووجود المسلمين في النرويج يلفت انتباه الناس للإسلام، ولا أرى أن الحجة قد قامت على الناس بالدعوة إلى الإسلام، لعدم من يبلغ الإسلام إليهم.
والأخطر من ذلك أن الكتب الموجودة في المدارس تتضمن موضوعات ضد الإسلام.

قلت له: أيهما أكثر تأثيراً في النرويجي من المسلمين الطلاب أم الجالية؟.
قال: كلهم سيؤثرون، لأن وجودهم ينبه الناس إلى الإسلام، والنرويجي إذا أراد أن يسأل عن الإسلام توجه إليهم.

قلت له: ما رأيك في اتخاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وسيلة لدعوة الأوروبي؟.

فقال: لا أعتقد أن أحداً يرى أن القرآن يتناقض مع العلم، وعلى الرغم من أن الكنيسة هاجمت العلماء، ولكنها الآن تحترم العلماء، فلا أرى داعياً لطرح ذلك.
[كنت أريد أن أوضح له عن معنى الإعجاز العلمي في القرآن ولكن الوقت كان ضيقاً فلم نستطع مناقشة كثير من المسائل].

هذا وقد بقينا معه ساعتين كاملتين، كانت الحوار معه ممتعا جداً، وكان هو في غاية السرور.

وقد ودعنا بحرارة أرجو الله أن يوفقه ويزيده بصيرة، وقد سألني بعض الأسئلة في معنى بعض الآيات القرآنية من ذلك.
قوله تعالى: (( وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ )) [الفجر:10].
ما معنى الأوتاد؟ فأخبرته في حينه بما حضرني وهو أن لفرعون الطاغية أوتاداً كان يوثق أرجل الناس وأيديهم إليها إذا غضب عليهم.
فقال هو: إن المعنى الذي تبادر إلى ذهنه أنها الأهرامات لأنها كالجبال، والجبال سميت أوتاداً في القرآن.
فقلت له: الأفضل أن تعود إلى تفسير السلف أولاً، كتفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير، فوعد بذلك.

هذا، وقد كنا عازمين على زيارة جزيرة ترومو في شمال النرويج، التي توجد بها أسرتان مسلمتان، ولكن ضاق الوقت علي فألغيت الحجز بعد أن حجزنا هذا اليوم لنسافر إليها غداً.

ولا زال يراسلني، ويسأل عن بعض الأمور التي تشكل عليه هو وتلاميذه وبعضهم مسلمون.



المكاتبات التي دارت بيني وبين الأستاذ آينر بيرج


صورة من الخطاب الذي أرسله يستفسر فيه عن ختان البنات.





هذا وقد جرت بيني وبين الأستاذ المذكور مكاتبات بعد رجوعي إلى المدينة بفترة، حيث بدأ هو بالمكاتبة، مستفسرا عن بعض الأحكام الإسلامية، وبعض معاني الآيات القرآنية، وكنت أرد على كتبه التي يبعث بها إليَّ، وأرى أن من المناسب إثباتها هنا، وفي هذا حفظ لها، وبيان لموقف الرجل من الإسلام


موضوع ختان البنت
13/3/1409هـ ـ23/10/ 1988lم
سعادة المكرم البروفيسور آينر ، وفقه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد وصل منكم رسالتان:
الأولى: ذكرتم فيها وصول الكتب التي بعثت بها إليكم.[ كنت بعثت له بمسند الإمام أحمد، وتفسير ابن كثير، وبعض مؤلفاتي، بناء على طلبه.]

والثانية: أنكم تستفسرون فيها عن حكم ختان المرأة في الإسلام، وهل يدخل في تغيير خلق الله الذي يوسوس به إبليس للناس، كما أشرتم إلى ذلك في آية سورة النساء:(119) التي ذكر الله تعالى فيها عن إبليس قوله: {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله}.


والذي أود أن أقوله لكم باختصار في هذا الأمر ما يأتي:

1-أن المراد بخلق الله-هنا-فطرته التي فطر الناس عليها، بحيث تنسجم مع دينه، إذا لم تجتلها الشياطين، فكل شخص خالف ما أمر الله به، أو ارتكب ما نهى الله عنه، فقد أطاع إبليس في تغيير خلق الله وفطرته المتفقه مع دينه.

ولا يدخل في ذلك فعل ما شرعه الله تعالى، حتى ولو كان فيه تغيير لخلقه، وأضرب لكم مثلا بخصال الفطرة، مثل ختان الرجال، ونتف شعر الإبط وقص الأظافر، وحلق العانة، فإنها سنن مشروعة، ولا يجوز أن يقال عنها: إنها من تغيير خلق الله الذي يوسوس به إبليس، لأن الله تعالى أذن في ذلك، بل شرعه.
[ولو قيل: إن حلق اللحية يدخل في تغيير خلق الله الذي يوسوس به إبليس، لكان القائل به على حق، لأن الله تعالى شرع إعفاءها، فحلقها من تغيير خلقه غير المأذون فيه].

ويدخل في ذلك ختان المرأة، فهو مستحب، وليس بواجب، وقد وردت به بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها كلام لعلماء الحديث، من حيث تضعيفها، والذي يظهر لي أنها بمجموعها ترقى إلى درجة الحسن لغيره، وهو من أنواع الحديث المعمول به، والحديث الحسن لغيره هو الذي فيه ضعف، ولكنه يتقوى بمجموع طرقه، ولا يصل إلى درجة الحديث الصحيح.

وبناء على ذلك، فإن ختان المرأة لا ينبغي إدخاله في ما يوسوس به إبليس من تغيير خلق الله، كما أن ختان الرجل ليس مما يوسوس به إبليس من تغيير خلق الله، بل كلاهما مما شرع، وإن كانت أحاديث ختان الرجل أصح.
وقد ذكر العلماء من حكمة مشروعية ختان المرأة، أن ترك تلك القطعة كاملة من أسباب قوة الشهوة عندها، فيؤخذ منها شيء يسير لكسر الشهوة الزائدة، ولهذا يقال: إن النساء اللاتي لا تختن يكثر فيهن السحاق، وهو إتيان المرأة المرأة،وهو أمر شاذ مخالف للفطرة، فضلا عن كونه سببا لفعل الفاحشة مع الرجال، والله أعلم.

وإذا أردتم مراجعة هذه المسألة-حكم ختان المرأة-فإن من الكتب التي اهتمت بها كتاب المغني، لابن قدامة الحنبلي، في الجزء الأول، بعنوان: فصول في الفطرة [يلاحظ أنه أدخل ختان المرأة في خصال الفطرة، وذلك عكس الزعم بأنه مما يوسوس به الشيطان]واستدل على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان -أي فرج الرجل وفرج المرأة-..) وهو في صحيح البخاري، كما استدل بحديث في المسند (5/75) وبحديث في مجمع الزوائد (5/172) ويمكن مراجعة الجزء الأول من كتاب (نيل الأوطار) للشوكاني.

وأخيرا فإنني سأتصل بالدكتور عبد الله عمر نصيف في شأن المساعدة على طبع كتابكم ترجمة معاني القرآن الكريم، لعل الله ييسر الأمر.

وإذا بدا لكم أن تستفسروا عن أي شيء يتعلق بالإسلام، فأرجو أن لا تترددوا في الكتابة إلي، وأنا سأرد على أسئلتكم، وإذا أشكل علي شيء منها فسأسأل عنه أساتذتي وزملائي إن شاء الله.

وأنا مسرور جدا بلقائكم في مكتبكم بجامعة أوسلو، ومسرور جدا بتلك الكلمة التي سمعتها منكم، وهي قولكم: (إن قلبي مؤمن بالله وبكتابه وبرسوله).
وأود أن أسألكم: لقد قابلت عددا من الأوربيين، منهم المسلم، ومنهم غير المسلم، وقد أعددت كتابين-استخرجتهما من مذكراتي في الرحلة الأوربية الطويلة التي قابلتكم فيها-للنشر:

الأول بعنوان: حوارات مع مسلمين أوربيين.
الثاني بعنوان: حوارات مع أوربيين غير مسلمين.

وترددت في أمركم: هل أدرجكم في الكتاب الأول، أو في الثاني، لأنكم صارحتموني أنكم مسلمون تكتمون إسلامكم، أو أضعكم في الكتاب الثاني، بحسب ما يظهر للناس الذين لا يعرفون إسلامكم؟

أرجو إفادتي برأيكم في الموضوع. وإني أكرر لكم وصيتي بأن تحافظوا على أركان الإسلام، حتى إذا لقيتم الله وجدتموه راضيا عنكم بالأعمال الصالحة، كما أرجو أن تكثروا من الاتصال بالمسلمين وتساعدوهم باستمرار، وبخاصة الرابطة والمركز الإسلامي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم في الله د. عبد الله قادري الأهدل

الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة


حول ختان المرأة.
25/4/1409هـ 4/12/1988م
سعادة الأستاذ المحترم آينر ، وفقه الله.
تحية طيبة.
أما بعد فقد وصلت رسالتك، وفيها ثلاث مسائل:
المسألة الأولى تتعلق بختان المرأة. [اتضح لي من رسالته التي رددت عليها بهذا الخطاب، أن طلابه في الجامعة ناقشوه في مضمون خطابي السابق في موضوع ختان المرأة، فأحب أن يستفسر زيادة، حتى يقنعهم بالنتيجة].

وأحب أن أكرر لكم ما ذكرته لكم في خطابي السابق، من أن ذلك مستحب، وليس بواجب، وكون ذلك لكسر الشهوة هو من اجتهاد العلماء، وليس من قول الله ولا من قول رسوله، وقد يكونون عرفوا ذلك عن طريق التجارب في بعض البلدان، وبخاصة البلدان الحارة، وكسر الشهوة الشديدة مطلوب لأمرين:

الأمر الأول: إذا كانت الفتاة لا زوج لها، فكسر شهوتها يفيدها، كما يفيد الصيام الشاب الذي لا يجد وسائل النكاح المادية.
الأمر الثاني: إذا كانت متزوجة فقد لا يغنيها زوجها إذا كانت شديد الشهوة، فكسر شهوتها من مصلحتها في الحالتين.
وهذه كلها مجرد اجتهادات، وليس من شرط تنفيذ الحكم الشرعي عند المسلم أن يعرف الحكمة من التشريع، بل قد تخفى عليه الحكمة، ومع ذلك يجب عليه أن ينفذ ما ثبت عن رسول الله، إن كان الحكم واجبا، ويسن له أن يعمل بالسنة، إن كان مسنونا...
ولا أظن أن هذه المسألة في حاجة إلى كثير بحث، مادامت ليست واجبة.
ولذا أفضل عدم الاستمرار في الخلاف فيها، فلا ضير في تركها، واجتماع الكلمة وترك النزاع أولى من النزاع في مثل هذه المسألة.

معنى الأوتاد في قوله تعالى: (وفرعون ذي الأوتاد)؟

المسألة الثانية: تتعلق بمعنى: {ذي الأوتاد} في وصف فرعون.
وأذكر لكم فيها أن ابن جرير الطبري، رحمه الله، ذكر فيها ثلاثة أقوال، في تفسير الآية (12) من سورة (ص)، في كتابه: (جامع البيان في تأويل آي القرآن: 22/ 131):

القول الأول: أنها أخشاب يلعب بها.
القول الثاني: أنها أوتاد يعذب بها من أراد، بأن يسمرها في أجسادهم (مسامير).
القول الثالث: أنها بنيان.
وذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جزي في التسهيل، وذكر أن ابن عطية رجح أن المراد بالأوتاد المباني العظام، وبناء على ذلك لا أرى مانعا من تفسيرها بالأهرامات، لأنها مبان عظام، ويؤيده ما ذكرتم من أن الله تعالى سمى الجبال أوتادا، كما في سورة النبأ،والله أعلم.

المسألة الثالثة: تتعلق بإسلامكم.
فأنا قد فهمت منكم عند زيارتكم بأنكم تؤمنون بالله ورسوله، واعْتَبَرْتُكَ بذلك مسلما.
وما ذكرت في خطابك من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد منك أن تدير ظهرك لأخيه عيسى عليه السلام، هذا كلام صحيح، لأن عيسى عليه السلام رسول من عند الله، وكذلك موسى ومن قبله من الأنبياء والرسل ابتداء من نوح عليه السلام-بل آدم- والذي يكفر بواحد منهم يكون كافرا بجميعهم، ولو ادعى الإيمان ببعضهم، وإنما الشيء الذي أريد أن أفهمه منكم هو الجواب على الأسئلة الآتية:

1-هل تعتقدون أن القرآن وحي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؟
2-هل ترون أن الكتب السماوية السابقة للقرآن-وأهمها التوراة والإنجيل- قد حرفت، وأصبحت غير موثوق بها من حيث السند، ومن حيث إن فيها ما يخالف القرآن والعقل، وأن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي بقي سليما محفوظا من التحريف والتغيير وهو الحاكم على كل الأديان؟

3-هل اقتنعتم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، وتؤمنون بأركان الإيمان، وأركان الإسلام؟
أرجو أن أتلقى جوابكم على هذه الأسئلة، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
وأخبركم أني قد كلمت الدكتور عبد الله بن عمر نصيف بالهاتف، في موضوع طبع كتابكم "ترجمة معاني القرآن" باللغة النرويجية، وسألتقيه قريبا شخصيا في هذا الشأن، بإذن الله.

د. عبد الله قادري الأهدل
الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة


خطاب من الأستاذ آينر -جامعة أوسلو بالنرويج
معهد الدراسات السامية-قسم الدراسات الإسلامية والعربة
16ديسمبر 1988م.
[ترجم هذا الخطاب أحد الموظفين في الجامعة الإسلامية، ويدعى "محمد كمال علي" في قسم الترجمة بأمر من رئيس الجامعة د/عبد الله بن صالح العبيد، وكانت الترجمة بتاريخ: 29/5/1409 هـ ويلاحظ أن كثيرا من خطابات آينرلم أثبتها هنا، لعدم وجود ترجمة كافية لها، لأن خطاباته كانت باللغة الإنجليزية…]


إلى فضيلة الدكتور عبد الله قادري
قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية.
من آينر ...
سيدي العزيز تلقيت بسرور خطابكم المؤرخ 25/41409هـ.
[ترجمة هذا الخطاب كانت في غاية الرداءة]
وإني أتفق معكم في أن مسألة ختان البنات لا تستحق مزيدا من المناقشة، طالما أنها ليست أمرا واجبا، إلا أنني أقدم جزيل الشكر على ما أفدتموني به من معلومات.
كما يسرني أنكم قد قبلتم ترجمة "أوتاد فرعون" على أنها تعني أهرامات-أي المنزل الكبير الحجم أو الضخم-وهذا في الحقيقة هو معناه في اللغة المصرية القديمة.
وبالنسبة لسؤالكم رقم (1) فإني أستطيع أن أجزم بكل قلبي بأنني أومن بأن القرآن منزل من عند الله على نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم).

أما بالنسبة لسؤالكم رقم (2) حول ما إذا كان الكتب المقدسة لليهود والنصارى، قد تعرضت للتحريف، فينبغي القول: بأنني لست عالما أصوليا، ولكن إذا كان أهل المدينة قد اعتقدوا أن أسلوب حياة النصارى وأفعالهم، وبخاصة اليهود، كانت وفق كتبهم المقدسة، فلا بد من اعتبارهم (لست أدري أكان الكاتب يقصد اليهود والنصارى أم كتبهم-المترجم) لا بد أن يكونوا قد فسدوا، لأن الله لم يكن ليقرهم على أفعالهم.. وأنا أعتبر المسيح قد ولد ولادة عادية (طبيعية) على الرغم من أن الإسلام [راجع ردي عليه في خطابي الآتي على كل ما ذكره في هذا الخطاب].يقبل بفكرة الميلاد العذري، فليس ثم مشكلة بالنسبة لله أن يخلق عيسى (عليه السلام) في رحم مريم، حيث إنه خلق آدم من قبل.. ولكن عيسى كان نبيا، وعاش حياته وهو على صلة بأبيه، إلهنا (باعتبار مرجعه أو مصدر سلطته) تماما كما فعل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كما لو كان يربط بينهما خط هاتفي مفتوح، ومن خلال تأملاتهما استطاعا تقديم مشكلاتهما إلى ربنا، أو أن الله استطاع أن يوحي إليهما بصورة تلقائية، بكلمته وحكمته، ويتضح هذا في القرآن، حيث إن المجتهدين هم عند الله أفضل درجة من القاعدين، إلا أن المؤمنين من المعوقين والمكفوفين الذين لم يشاركوا في الجهاد، قد أوحى الله إلى نبيه الترخيص لهم،(استثناهم)
إني أعتقد أن المسيح قد صلب، إلا أنهم لم يقتلوه، ولكن شبه لهم، وفي سفر بطرس الذي تم العثور عليه مؤخرا، فقد رأى في المنام المسيح وهو يحلق فوق الصليب، وقد ارتسمت على محياه ابتسامة، عندما شاهد الجنود يسومون جسده أنواع العذاب، إ ذًا فهم لم يقتلوا سوى جسده، وإنني أعتقد أنه والنبي محمد (عليهما الصلاة والسلام) أحياء بالقرب من الله لصالح المؤمنين بهما.

وهناك أيضا رواية تقول إنه هو في طريقه إلى مكان الصلب، ثم صلب شخص آخر، بطريق الخطأ بدلا من عيسى (عليه السلام).

أما بالنسبة لسؤالكم رقم (3) فإنني أشك ما إذا كنت سأفهم عبارة (خاتم النبيين) تماما كما يختم المزارعون زجاجات خمر الحصاد، أو أنها تعني آخر الأنبياء؟.
فالقرآن لم يحسم هذه المسألة، ولست أدري ما إذا كان الله خلال آلاف السنوات القادمة سيرى من الضروري إرسال نبي آخر أو أكثر، فهذا الأمر يفوق رؤياي (يقصد رأيه وتفكيره).
إنني شديد الامتنان أن أعلم أنكم قد تحدثتم مع الدكتور نصيف، وكان آخر خطاب تلقيته من الرابطة، يحمل توقيع السيد محمد سعيد قطب، إلا أنني لم أتلق قرارهم بعد.
وبالنسبة لإعادة طبع القرآن الكريم، فالعمل يجري فيها حاليا، وستضم كل صفحة عمودين: أحدهما للغة العربية، والآخر للترجمة النرويجية.
وبالنسبة للترجمة التي أضطلع بها الآن، فإني أتحمل مسئولية ذلك أمام الله والناس، وسأقوم بنقل النص العربي من النص الموجود في ترجمة (مارمادوك بيكثال)، وإنني أرى النص العربي صحيحا
[نسيت أن أنبهه على أخذ نص القرآن من المصاحف الموجودة نسخه عند المسلمين في أوسلو، وهو يعرف كثيرا منهم، ولكن الرابطة إذا وافقت على طبع ترجمت ستتولى ذلك].

أما بالنسبة للترجمة الإنجليزية، فهي ذات مستوى متدن، وقد قرأت في إحدى الصحف الصادرة في المملكة العربية السعودية أنه قد تم سحب (منع) هذه الترجمة من التداول، إلا أنني لا أرى خطأ بالنسبة للمتن العربي، فهل تفضلتم بالتحقق من ذلك من أجلي؟

إنني أشكركم جزيل الشكر على جهودكم التي بذلتموها من أجلي حتى الآن، وإنني أقدر لكم كل التقدير عونكم الكريم لي. لقد طالت هذه الرسالة... وفي الواقع فأنا لا أجد من أتناقش معه في مثل هذه الأمور الإسلامية هنا في (جامعة أوسلو) لذا فإن الكتابة إليكم تشعرني بأن لي شريكا في الحوار والمناقشة.
ثمة سؤال أخير في سورة (الممتحنة) أية: (11)، فيما يتعلق بالزوجات اللاتي فاتوكم إلى الكفار فعاقبتم [يقصد قوله تعالى ((وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون))].
فإن الترجمة العادية تقول: فزتم وانتصرتم عليهم وعاقبتم، فإذا أخذنا في الاعتبار الاشتقاقات العديدة لأصل الفعل (عقب)، فهل يمكن أن يعني هذا: خذوا على سبيل التكافل والتضامن، النتيجة (أي العاقبة) الزوجة التي فقدت، وادفعوا للرجل أي عوضوه كلا؟‍ المخلص: آينر


3/6/1409هـ- 10/1/1989م
الرد على خطابه السابق.
من عبد الله بن أحمد قادري الأهدل إلى الأستاذ آينر، وفقه الله.
تحية طيبة.
أما بعد: فقد وصل خطابك المؤرخ في: 16/ ديسمبر 1988م، وهو يتضمن ما يأتي:
أولا: الموافقة على إنهاء المناقشة في حكم ختان البنت.
[ كان قد بعث إلي قبل هذا الخطاب الذي أجبته عنه بهذه الرسالة، بخطاب يسأل فيه عن حكم ختان البنت في الإسلام، وأجبته عنه، فأفادني في خطابه الأخير بأن الرد كان كافيا، وأن النقاش فيه يعتبر منتهيا].
ثانيا: اعترافكم، بل جزمكم وإيمانكم القاطع من صميم قلبكم، بأن القرآن منزل من عند الله على نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم.
وهذا هو المدخل إلى الإسلام، والقاعدة الرئيسة التي تبنى عليها كل فروع الإسلام.
ومعنى هذا أنكم تعترفون بكلمة التوحيد التي هي (لا إله إلا الله) وتعترفون كذلك برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وتعترفون بأن ما جاء في القرآن حق، وإليه يرد ما تنازع فيه المؤمنون بهذا القرآن.
وأنا أعتبرك-لذلك-مسلما في الجملة، وإذا وجد عندك شيء يخالف بعض النصوص من القرآن أو السنة الصحيحة، أو بعض قواعد الإسلام، فهو ناتج عن تصور يحتاج إلى إعادة نظر ليصحح، وليس صادرا عن عمد (إن شاء الله).هذا ما أفهمه من إيمانكم بالوحي.

ثالثا: عدم علمكم بأصول الديانات، ولذلك لم تجزموا بتحريف الكتب السابقة: التوراة التي أنزلت على موسى، والإنجيل الذي أنزل على عيسى، عليهما السلام، وإن كان أتباعهما قد حصل منهم شيء من الفساد.

واستطردتم في هذا البند ببيان اعتقادكم بأن عيسى عليه السلام ولد ولادة طبيعية-مع تجويزكم أن الله خلقه في رحم أمه بدون أب.
وكذلك ترون أن عيسى عليه السلام، قد صلب ولم يقتل، وذكرتم رواية أنه صلب شخص آخر غيره عن طريق الخطأ.

وأحب أن أبين لكم في هذه الأمور المسائل الآتية:
المسألة الأولى: ما دمنا قد اتفقنا على أن هذا لقرآن وحي من الله على عبده ورسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، فيلزمنا أن نصدق كل ما جاء فيه، وقد نص القرآن الكريم أن اليهود حرفوا كتابهم، وأن النصارى حرفوا كتابهم كذلك.

بعض النصوص الدالة على ما ذكر.
وإليك بعض الآيات التي نصت على ذلك:

1-في الآية (46) من سورة النساء ذكر الله تعالى أن اليهود حرفوا وبدلوا، فقال تعالى: ((من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا)).ويمكنكم مراجعة تفسيرها.

2-وفي سورة المائدة آيات (13، 14، 15) ذكر الله تعالى تحريف أهل الكتاب، وتركهم حظا مما ذكروا به، وأنهم أخفوا عن الناس ما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ببيان كثير منه، وأنهم مستمرون في الخيانة.
فقال تعالى: ((فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)).
3-وفي سورة المائدة أيضا آية (41) ذكر تعالى أن من اليهود من يحرفون الكلم فقال تعالى: ((ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا)).

وفي سورة البقرة آية (75) ذكر أن فريقا من بني -وهم أحبارهم-كانوا يحرفون كلام الله بعد أن عقلوه وعلموه، فقال تعالى: ((أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون)).

5-وقال تعالى في نفس السورة، آية (79): ((فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون)).

6-وذكر الله تعالى أن أهل الكتاب يكتمون الحق، ويلبسون الحق بالباطل، فقال في سورة آل عمران آية (71): ((يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون)).

7-وذكر تعالى في سورة الأنعام آية (91) أن أهل الكتاب وبخاصة اليهود، كانوا يخفون الحق الذي جاء به موسى، وكانوا بدلا من بيانه يكتبون تحريفهم وكذبهم في قراطيس-أي ورق-ويظهرون ذلك للناس ويقولون لهم: إنه من عند الله، قال تعالى: ((وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون)).

8-وقد ذكر الله تعالى في سورة المائدة آية (48) أن القرآن الكريم هو الذي يصدق الكتب التي قبله، وهو الذي يهيمن عليها، فما شهد له القرآن أنه حق فهو حق، وما شهد بكذبه أو بطلانه فهو كذب وباطل، فقال تعالى: ((وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم...)).

ولعل هذه الآيات كافية في إثبات أن أهل الكتاب حرفوا كتابهم، اليهود والنصارى جميعا.

يضاف إلى ذلك أن الخلاف شديد بين الكتب الموجودة لدى اليهود والنصارى، ولا يوجد برهان على أن الكتب الموجودة بين أيديهم، هي من كلام الله الذي أنزله على موسى وعيسى عليهما السلام.

أما القرآن الكريم، فهو كلام الله، كما نص الله على ذلك في آيات منه، وذكر تعالى أنه حفظه من التحريف، وأمة محمد، صلى الله عليه وسلم، مجمعة أن هذا القرآن هو الذي نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا زال صغار المسلمين و كبارهم يحفظونه في صدورهم، بحيث لو حاول أحد في مشارق الأرض أو مغاربها تبديل آية أو كلمة منه، لصححوا ذلك في أسرع وقت وبينوه.
المسألة الثانية: فيما يتعلق بولادة عيسى عليه السلام، فقد دل القرآن الكريم، أن ولادته ليست كولادة كل الناس، أي إنه لم يكن له أب، وإنما خلقه الله تعالى في رحم أمه بقدرته، وقوله له: كن فكان.

ودلالة القرآن على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن مريم عليها السلام، عندما جاءها لملك وتمثل لها في صورة بشر، وأخبرها بأنه سكون لها ولد، تعجبت من وجود ولها، وهي لم يمسسها بشر، أي لم يجامعها زوج كما هو معروف في إنجاب الذرية، وهي الطهور العفيفة البعيدة عن ريبة الوقوع في الفاحشة، فأخبرها الملك أن الله تعالى قال ذلك، وأنه يسير هين عليه، لأنه على كل شيء قدير.

قال تعالى في سورة مريم (20،21): ((قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا)).

الوجه الثاني: أن قوم مريم عندما جاءت تحمل عيسى عليه السلام تعجبوا من ذلك، وأنكروا عليها، كيف تأتي بولد وهي من أسرة طاهرة، فلا أبوها كان رجل سوء، ولا أمها كانت زانية، وليس لها زوج،وكانوا يعرضون بزناها، فأحالتهم على عيسى، فأنطقه الله وكلمهم، وهو صغير، ليبرئها الله بذلك مما دار بخلد القوم.

كما قال تعالى في سورة مريم نفسها (27-34): ((فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون)).

الوجه الثالث: أن الله تعالى سمى عيسى كلمته، وهي تعني أنه قال له: ((كن)) فكان.وتسميته بذلك تدل على ما دلت عليه الآيات المذكورة في سورة مريم السابقة، قال تعالى في سورة النساء (171): ((إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسوله)).

المسألة الثالثة: ما يتعلق بقتل عيسى أو صلبه. نص القرآن الكريم على أنه لم يقتل ولم يصلب، وأن الذي قتل وصلب رجل آخر ألقى الله عليه الشبه بعيسى عليه السلام، فقتله اليهود وصلبوه، ظنا منهم أنه عيسى، ولم يكن كذلك، والرواية الأخرى التي ذكرتموها توافق ذلك.

ففي سورة النساء آيات (156-158) كذَّب الله أهلَ الكتاب في افترائهم على مريم بأنها زنت، وفي قولهم: إنهم قتلوا عيسى وصلبوه، وبين تعالى أنهم إنما قتلوا وصلبوا رجلا آخر شبه لهم بعيسى عليه السلام، وذكر تعالى عدم علمهم بأن القتيل الصليب هو عيسى، وأن زعمهم أنه هو، إنما هو اتباع للظن، أي الشك الذي لا دليل عليه.

وأكد تعالى نفي قتله وصلبه بوصف ذلك النفي باليقين، فقال تعالى: ((وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيس ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا في لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما)).
فالآيات صريحة أن عيسى عليه السلام، لم يقتل ولم يصلب، وأن الذين ادعوا قتله وصلبه، لا علم لهم، بل قالوا ذلك عن شك، وأن عدم قتله يقين لا ريب فيه.

المسألة الرابعة: وهي أن عندكم تردد في معنى كون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، هل المراد كما يختم المزارعون زجاجات صادرات مبيعاتهم، بحيث تكون مجموعة من تلك المبيعات متميزة عما يأتي بعدها، أو أنه فعلا خاتم الأنبياء، ولا ينتظر أن يأتي بعده نبي؟

وأقول لكم أن المعنى الثاني هو المقصود، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أن المراد به آخر الأنبياء في أحاديث صحيحة.
والآية التي ذكر فيها أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين هي آية الأحزاب (40)، وهي قوله تعالى: ((ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما)).
فأما الأحاديث فهي صحيحة وصريحة في أنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، لا نبي بعده.

فقد شبه نفسه مع الأنبياء عليه وعليه الصلاة والسلام، ببيت جميل اكتمل بناؤه، ما عدا موضع لبنة فيه، وأنه صلى الله عليه وسلم هو تلك اللبنة التي أصبح البناء بها كاملا لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وفسر ذلك بقوله: إنه خاتم النبيين.

كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن مثلي ومثل الأنبياء قبلي، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون به ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) [صحيح البخاري (4/162)، وصحيح مسلم (4/1790).].
وفي رواية: [فأنا موضع اللبنة، جئت فختمت الأنبياء].

وفي حديث أبي هريرة-أيضا-وهو من أحاد بث الشفاعة يوم الحشر، عندما يطلب الناس من الأنبياء أن يشفعوا لهم، فيذهبون إلى آدم، فيأمرهم بالذهاب إلى نوح، ويأمرهم نوح أن يذهبوا إلى إبراهيم، ويأمرهم إبراهيم أن يذهبوا إلى موسى، ويأمرهم موسى أن يذهبوا إلى عيسى، فيأمرهم عيسى أن يذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم أجمعين، فيأتون محمدا، ويقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء.
[ولو كان يوجد نبي بعده كان خاتم جميع الأنبياء لما صح هذا الإطلاق، وإذا كان هذا يقال في يوم القيامة الذي انتهت به الرسالات والتكاليف، فكيف يصح أن يقال إن ختم الرسول صلى الله عليه وسلم هو ختم نسبي لمجموعة من الأنبياء، وذلك لا يمنع من وجود رسل بعده يختمهم نبي آخر؟‍ والحديث في صحيح مسلم (1/184).]
وفي حديث آخر: [وختم بي النبيون] [صحيح مسلم: (1/371).]
وإذا كان النبيون قد ختموا به فإنه لا يأتي بعده نبي.

ومن الأحاديث الصريحة في أن المراد بخاتم النبيين آخر هم نفيه صلى الله عليه وسلم الثابت في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون....) [الترمذي: 4/499)، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود (4/450-452).]

وأورد الإمام أحمد أحاديث في كونه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء
[ المسند (2/ 398، 412)، (3/ 248)، (4/81، 84)، (5/ 278)].

ويظهر من العبارة الواردة فيها أن الأنبياء كلهم مثل الوعاء وأن ذلك الوعاء ختم به صلى الله عليه وسلم.
وراجع تفسير ابن كثير لآية (40) من سورة الأحزاب، فقد ساق أحاديث كثيرة في هذا الباب.
هذا، ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث إلى العالمين، فما من جيل يوجد على ظهر الأرض إلى يوم القيامة، إلا كان مأمورا بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى في سورة الفرقان آية (1): ((تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)).
وقال تعالى في سورة الأعراف (158): ((قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)).
ثم إن هذا القرآن فيه ما يغني الأمم كلها إلى يوم القيامة، وقد وصفه الله تعالى في آيات كثيرة أنه هدى للناس، كما قال تعالى في أول سورة البقرة: ((ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)).
وقال تعالى في سورة الإسراء (9): ((إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )).
وقد فصل الله في دين الإسلام كل ما يحتاج إليه البشر في حياتهم، ولهذا قال تعالى في سورة المائدة (3): ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) .
وقال تعالى في سورة آل عمران، آية: (19): ((إن الدين عند الله الإسلام)).
وقال في السورة نفسها، آية (85): ((ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)).

أرجو أن تكون هذه الأدلة كافية لبيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء أي آخرهم جميعا، ولا مانع من أن نفهم بأنه شبيه بختم الإناء، ويكون الأنبياء كلهم كإناء واحد ختم هذا الإناء بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما شبههم بالبيت الجميل الذي بقي في موضع لبنة، فكان هو صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة التي اكتمل بها ذلك البناء الجميل.

المسألة الخامسة: أما الكتاب الذي ذكرتموه، وهو ترجمة: (مارمادوك بيكثال) فلا أعرف عنه شيئا، وسأسأل عنه فإذا وجدت عنه معلومات أخبرتكم به إن شاء الله.
المسألة السادسة: أما آية سورة الممتحنة (11) وهي قوله تعالى: ((وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون)).

فخلاصة الكلام فيها أنه عندما حصلت هدنة-أي وقف الحرب بين المسلمين والمشركين مؤقتا-كان من حكم الله تعالى أنه إذا جاء بعض نساء المشركين مهاجرات إلى المسلمين، وجب على المسلمين إبقاؤهن عندهم، وتعويض أزواجهن من المشركين مهورهن، وإذا ذهبت نساء المسلمين مرتدات إلى المشركين، وجب على المشركين دفع مهورهن لأزواجهن المسلمين.

هذا المعنى سبق في الآية العاشرة من السورة، فقبل المسلمون حكم الله، ولكن المشركين لم يقبلوا ذلك، وأبوا أن يدفعوا للمسلمين مهور زوجاتهم إذا ذهبن إلى مكة.

فأمر الله المسلمين في الآية الحادية عشرة من السورة، أنهم إذا عاقبوا المشركين بعدم دفع مهور زوجاتهم المهاجرات بسبب امتناع المشركين من دفع مهور زوجات المسلمين، أن يدفعوا مهر الزوجة المرتدة لزوجها المسلم من المال الذي كان يستحقه المشركون مهورا لنسائهم المهاجرات، أو إذا قاتل المسلمون بعض المشركين الذين لا عهد لهم فغنموا منهم أموالا، فعليهم-أي المسلمون-أن يدفعوا للمسلم الذي ذهبت زوجته مهرها من تلك الغنيمة التي حصلوا عليها من قتال المشركين، وهو عقاب بمعنى المجازاة والتأديب، يقال: عاقبه بذنبه إذا أخذه به، أو عاقبه غزاه غزوة بعد غزوة.
وأرجو أن يكون هذا المعنى مفهوما.
ويمكن مراجعة خلاصة ذلك في كتاب (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) لابن جرير الطبري [(28/74-77). مطبعة مصطفى الحلبي، مصر الطبعة الثانية].

وأخيرا فإني قد اضطررت إلى أن أطيل في هذا الخطاب لأن فيه أمورا مهمة جدا، تتعلق بأصول الإسلام، وأرى من واجبي أن أبين لكم ما هو الحق، بحسب ما يفتح الله به علي، وما ييسره الله لي من الاطلاع على الأدلة، وما بينه العلماء في ذلك، وأرجو إشعاري برأيكم بعد قراءة هذا الخطاب فيما ذكر فيه.

وأنا أطمع أن يوفقك الله للتفقه في الدين والدخول في الإسلام، والأخذ بأصوله وفروعه الواضحة، حتى تلقى ربك تعالى وهو راض عنك، وأنا ليس من عادتي أن أكاتب الناس، ولكني وجدت نفسي في غاية الشوق والرغبة في مكاتبتك، لأني أشعر بأنك تريد معرفة الحق.

وأسأل الله لي ولك وللمسلمين كلهم، وبخاصة النرويجيين الهدى والتوفيق.
وأرجو إذا كان عندكم عنوان الأخ أبي يوسف ورقم هاتفه أن تخبروني بهما، وبلغوه سلامي هو وكل المسلمين من طلابكم في الجامعة.

د./عبد الله بن أحمد قادري الأهدل


جواب بروفيسور/آينر على هذا الخطاب
‎ [تطوع بعض الإخوة بترجمة خلاصة جواب البروفيسور / آينر / مع اعتراف المترجم بأنه لم يستطع النقل الكامل للجواب، ولا الترجمة الدقيقة لبعض المصطلحات].

سيدي العزيز
‎بالغ شكري لك، لخطابك المؤرخ بتاريخ: 3/6/1409هـ، والكتيب المفيد عن الإسلام في أوروبا.
[كنت أرسلت له كتابي: "الدعوة إلى الإسلام في أوروبا" الذي لخصته من كتاب يقع في أكثر من ألف صفحة، وهو ما كنت أسجله يوميا في تلك الرحلة التي استغرقت أكثر من ثلاثة أشهر، وألقيت ذلك التلخيص في محاضرة بقاعة المحاضرات الكبرى بالجامعة الإسلامية، ثم طبع ته دار حافظ للنشر والتوزيع بجدة سنة:1408هـ-1988م.]

وشكرا لك للوقت والجهد الذين بذلتهما لإرشادي-ومن خلال الطلاب والناس الذين ألتقي بهم-.
أعتقد أن لديك فكرة عن مكاني في الأشياء الدينية، أنا لدي ثقافة جيدة، ولكن لست خبيرا لاهوتيا، ولكن اللاهوتية[يقصد التدين و معرفة الدين.] واجب لإبقاء الدين على الطريق.
أنا مؤمن متواضع في الرب ووحيه، بالإضافة إلى مساعدة حدس قلبي.
الولادة العذراء لعيسى جزء من المسيحية والإسلام.
أما بالنسبة لموته، فهناك وجهة نظر عامة، لذا لا أجد أية مشكلات في قلبي. الحقيقة الهامة هي أن عيسى كان نبيا عاش وعلم تحت توجيه مباشر ومتعاون مع ربنا مثل محمد (صلى الله عليه وسلم).

الإنجيل هو مجموعة من التقارير من رجال معاصرين عن حياة وتعاليم عيسى-سيرته- (عليه السلام)، وأخيرا اختار مجالس الكنائس وأقر أربعة من مجموعة أعظم، وفي هذه العملية كانت هناك إمكانية كافية للتحريف بدوافع مختلفة، لذا فأنا أقبل بهذه الإمكانية [هذا تسليم بالتحريف] ولكن كانت النتيجة قواعد للاعتقاد لقرون، وأعتقد أن الرب في الوقت المحدد سوف يفحص قلوبنا وليس علمنا اللاهوتي.

وأومن إيمانا كاملا بما يخبرنا القرآن عن اليهود وطريقتهم في عملهم في كتابهم وكلمات نبيهم وأخلاقهم.
وأقدر تقديرا عميقا كلماته في سورة المائدة أن الوحي الرباني قد أكمل وأنه يقبل التسليم والإله والإسلام بأنه دين الإنسان [هذه نص الترجمة ما قبل القوسين وما بينهما]

إن معنى خاتم الأنبياء بأنه آخر الأنبياء، لجميع العصور قد قُمْتَ بتدعيمه دعما قويا بالأحاديث.
الكلمات نهائية، مع ذلك كون أن الرب سيقيد إدارة الرحمة والخير لجميع الأجيال الآتية يشعر بصعوبة، ولكن عندنا المجددون، ربما بعضهم سيكون عند حدود النبوة، ولذا سيستمر الإنسان في عمل ما وصله من الوحي.
[يبدو لي أن قصده من هذا المقطع كله أنه مع اقتناعه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو خاتم كل النبيين، أنه يشعر بأن العالم يحتاج إلى من يجدد لهم دينهم ويبين لهم كل ما يهديهم إلى الصراط المستقيم، والأصل في ذلك أن يأتي رسول من عند الله، ولكن ما دام قد ثبت أن الرسول هو خاتم النبيين، فلا بد أن يوجد من يشبه الأنبياء (عند حدود النبوة) ليصل الناس بالوحي الإلهي الذي هو القرآن].

أرفق لكم صورة من تفسيري1980 الْمُعاد الطبع للقرآن الكريم،
وهذه المرة يتضمن النص العربي.
[الرجل ترجم معاني القرآن الكريم، والمسلمون الغيورون على الدين الذين عندهم وعي ثقافي جيد-وإن كانوا غير متخصصين في الدراسات الإسلامية-يثنون على ترجمته ويقولون إنها أكثر دقة وسلامة من الترجمات الأخرى، وهي باللغة النرويجية].

لو أن لديك اتصالا مع رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة الدكتور محمد سعيد قطب، أو الدكتور عبد الله عمر نصيف، فربما يمكنك إخبارهم بأني رجل جاد ويمكن الوثوق بي-إذا كنت تشعر بذلك-وقد طالبت-وكما أخبرتكم سابقا-دعما ماديا، لجعل الطبعة المعادة متوفرة في السوق للإنسان العادي، بسعر يمكنه دفعه، وأشكرك للاهتمام الذي أعطيتني، وأشعر أن لدي صديقا لإرشادي.
آينر


إلى هنا انتهى ما يتعلق بالدكتور آينر بيررغ، وبعد هذا كله أريد أن أنبه على ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن بعض المستشرقين يجتهدون في فهم حقيقة الإسلام بالطرق المتاحة لهم، ومن أهم تلك الطرق الرجوع إلى ترجمات من سبقهم بالكتابات في ترجمات المعاني الإسلامية، سواء أكانت ترجمات لمعاني القرآن أم غير ذلك.

الأمر الثاني: أن غالب الترجمات التي يعودون إليها لا تؤدي المعنى المراد منها في اللغة العربية، إما لتعمد الكتاب السابقين تشويه تلك الحقائق، وإما لسوء فهمهم لذلك، وهذا يوقع مريد الحق في الفهم غير السليم.

الأمر الثالث: أن الذي يريد معرفة الحقيقة لا يجد من يأخذ بيده من علماء الإسلام، بالزيارات المباشرة لهم، ومكاتبتهم، وإذا وجد من يريد مساعدتهم، قد لا يكون أهلا لذلك، لعدم فهمه لغتهم، كما حصل لي مع هذا الرجل، فقد بعث لي بجزء من ترجمته لمعاني القرآن الكريم، فلم أجد من يساعدني بقراءة شيء منها-ولو يسيرا-وعندما لم أستطع الرد عليه في ذلك، لم أتلق منه خطابات أخرى، مع أن الرجل يسأل عما يشكل عليه، كما يتبين ذلك من خطاباته هذه.

ولا ادري هل لا زال حيا أو غادر هذه الحياة، أسأل الله أن يكون قد قبل الله منه ما فهمه من دينه، وآمن به.




السابق

الفهرس

التالي


16306956

عداد الصفحات العام

44

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م