﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي

المبحث الثامن: المصالح العائدة على الأمة من حفظ النسل .
كثرة النسل نعمة من النعم الإلهية على الأمم، يكثرونهم أمام أعدائهم، فيدفعون عنهم عدوان المعتدين وينصرونهم بأموالهم وأنفسهم في ميادين الحرب والمعارك، ويوسعون بهم ملكهم بضم ممالك وشعوب إلى ممالكهم و شعوبهم، ويبعثون بهم الهيبة والرهبة في نفوس من يفكر في غزو بلادهم أو يهم بظلمهم، و يقوونهم بنشاطهم وعملهم في كل ما يحتاجون إليه لبسط سيطرتهم و اتساع عمرانهم، يحرثون لهم الأرض ويشقون بها الأنهار ويحفرون الآبار، فيوفرون لهم الطعام مما يزرعون، ويرعون لهم الأنعام التي منها يأكلون ويشربون، وعليها يحملون أثقالهم ويركبون. ويبنون لهم المصانع التي تمدهم بما يشيدون به المدن العامرة ويبنون الحصون التي تصد عنهم الجحافل الثائرة، وينشئون القصور العالية الفاخرة، ويعدون لعدوهم عدة العتاد والسلاح القاهرة. والعدو الفرد يحترمه أعداؤه لقوة قبيلته وعشيرته، كما قال تعالى عن قوم شعيب الذين كفروا به: ?قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ? [ هود: 91]. قال شيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في قول الله تعالى عن قوم شعيب: ?قَالُواْ ي?شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَـ?كَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ?، قال: "بيَّن تعالى في هذه الآية الكريمة: أن نبيه شعيباً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام منعه الله من الكفار، وأعزَّ جانبه بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار. وهو دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر، كما بيَّنه تعالى في مواضع أخر، كقوله في صالح وقومه: ?قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِ?للَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ? [النمل: 49]. ولهذا لما كان نبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس له عصبة في قومه الذين أُرسل إليهم، ظهر فيه أثر عدم العصبة؛ بدليل قوله تعالى عنه: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِى? إِلَى? رُكْنٍ شَدِيدٍ}. وهذه الآيات القرآنية تدل على أن المسلمين قد تنفعهم عصبية إخوانهم الكافرين. ففي الآية دليل على أنهم لا قدرة لهم على أن يفعلوا السوء بصالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلا في حال الخفاء، وأنهم لو فعلوا به ذلك خفاء وسرقة، لكانوا يحلفون لأوليائه الذين هم عصبته أنهم ما فعلوا به سوءاً، ولا شهدوا ذلك ولا حضروه خوفاً من عصبته. فهو عزيز الجانب بسبب عصبته الكفار، وقد قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: ?أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى?? أي آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب. وذلك بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية، ولا صلة له بالدين ألبتة؛ فكونه جل وعلا يمتن على رسوله صلى الله عليه وسلم بإيواء أبي طالب له دليل على أن الله قد ينعم على المتمسك بدينه بنصرة قريبه الكافر. ومن ثمرات تلك العصبية النسبية قول أبي طالب:

[1]. ولما كان لوط عليه السلام، ليس له قبلة يهابها أعداؤه، تمنى عندما خاف على ضيفه من عدوانهم، لو كان له قبيلة تحميه من عدوانهم، كما قال تعالى: ?قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ?. [ هود: 80] وقال ابن كثير رحمه الله في قصة قوم لوط معه: ?أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ?: "لو أن لي بكم قوة: أي لكنت نكلت بكم وفعلت بكم الأفاعيل بنفسي وعشيرتي، ولهذا ورد في الحديث من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إلى ركن شديد ـ يعني الله عـز وجل ـ فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه)). [تفسير القرآن العظيم (2/453-454) وفي رواية ذكرها ابن أبي حاتم في تفسيره (6/2064) : ((في قوة من قومه))"]. ولقد كانت الأمم تفتخر حين تكفر بدعوة الرسل، وتدعي الفضل لنفسها وتزعم أنها لا ينالها العذاب الذي أنذرها به الرسل، معللة ذلك بكثرة الأولاد والأموال، كما قال تعالى: ?وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ?. [فاطر: 34-35]. وقد وصف الله تعالى من يتفاخرون بكثرة النسل والمال، ويستغلون ذلك في العلو في الأرض، لا في عمارة الأرض عمارة ترضي الله تعالى وصفاً دقيقاً يضعهم في الموضع اللائق بهم، وبين ما يستحقونه من عقاب في الآخرة، كما قال تعالى: ?اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ?. [الحديد: 20]. وهكذا كانت قبائل العرب تفتخر وتفاخر بكثرة عددها وتبالغ في ذلك غاية المبالغة، ويقرضون في ذلك الأشعار، وهذه طائفة مما قيل في ذلك: قال عمر بن كلثوم:

[3]. وقال في موضع آخر: "واعلم أنه إذا فقدت الأعمال أو قلت بانتقاص العمران، تأذن الله برفع الكسب ألا ترى إلى الأمصار القليلة الساكن كيف يقل الرزق والكسب فيها أو يفقد لقلة الأعمال الإنسانية، وكذلك الأمصار التي يكون عمرانها أكثر يكون أهلها أوسع أحوالاً وأشد رفاهية كما قدمناه قبل". [3]. وفي القرآن شاهد لما ذكره ابن خلدون رحمه الله، قال تعالى: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ? . [آل عمران: 103-105]. وقال تعالى: ?وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?. [الأنفال: 62-63]. فحفظ النسل وكثرته من نعم الله تعالى على الأمم، فالأمة التي تشكره على ذلك وتستغل نعمته به في عمارة الأرض ونشر الخير العدل فيها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يؤيدها الله تعالى بالتمكين والعزة في الدنيا ويثيبها برضاه وجنة الفردوس في الأخرى. قال تعالى: ? الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ?. [الحج: 41-42]. والأمة التي تتخذ كثرة نسلها وقوتها في التكبر على غيرها من الأمم ونشر الظلم والعدوان في الأرض، تكون عاقبتها أن ينزل الله بها بأسه ويهزمها كما هزم الأحزاب من قبلها في الدنيا، وتنال منه عقابها الشديد في الآخرة. قال تعالى: ?وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ?. [الأعراف: 86]. وقال تعالى: ?أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ?. [الروم: 9]. وقال تعالى في الرد على الذين قالوا: ?نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ?: ?قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ?. [سبأ: 36-37].

1 - في ظلال القرآن
2 - تفسير القرآن العظيم (2/453-454) وفي رواية ذكرها ابن أبي حاتم في تفسيره (6/2064) : ((في قوة من قومه))"
3 - المقدمة
4 - المقدمة



السابق

الفهرس

التالي


11606597

عداد الصفحات العام

1814

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفولموقع الروضة الإسلامي 1446هـ - 2025م