﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(024) مفتاح باب الريان

(024) مفتاح باب الريان

العَشْرُ وليلةُ القدر

إذا أحب الإنسان شيئاً، حرص على ملازمته وعدم مفارقته، وجدَّ واجتهد في مصاحبته، وحاول استغلال كل وقت يمكنه الاستفادة منه، فإذا علم أن محبه مفارقه ولا بدَّ، زاد حرصه على مصاحبته، واشتدَّ اجتهاده في أخذ أقصى ما يستطيع الحصول عليه منه مما يفيده وينفعه.

والمرء مع من أحب، كما روى عبد الله بن مسعود رضي اله عنه، قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء مع من أحب)". [مسلم، رقم (5817)]وشهر رمضان يحبه الله ورسوله، وعباده الصالحون، وعشره وليلة القدر فيه أكثر حبا لله ولرسوله وللمؤمنين، ولملائكة الله المقربين.

وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم بالحرص على ما ينفعه، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز). [مسلم رقم (2664)].

ومن هنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، يجتهد في العشر الأخيرة من شهر رمضان، ويحرص على العمل فيهن، أكثر من غيرهن من الليالي التي سبقتهن، رغبة في المزيد من الخير في هذا الشهر قبل تَصَرُّمه، وعلى الليلة العظيمة التي دلت الأحاديث الصحية على أنها أكثر رجاء في العشر الأواخر المباركة منه.

ومعلوم فضل العمل في العشر الأواخر، وفي ليلة القدر، ففي هذه الليلة نزل كتاب الله الهادي، وهذه الليلة هي إحدى تلك الليالي العشر.. قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185)} [البقرة]. وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ(3)} [الدخان]. وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} [القدر].
روت عائشة رضي الله عنهـا، قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا دخل العشر، شد مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله". [البخاري رقم (1920) ومسلم، رقم (1174)]. وروت عائشة كذلك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (تحروا ليلة القدر، في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) [البخاري، رقم (1913) ومسلم، رقم (1169)]. وروى أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه). [البخاري، رقم (35) ومسلم، رقم (404)].

أي ربحٍ وأي خسارة؟!

شهر أنزل فيه القرآن، تضاعف حسناته، أمر بصيامه وقيامه، وعشْرُه الأخيرة ذات فضل خاص فيه، خصَّها الرسول صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد في العبادة أكثر من غيرها من ليالي الشهر، وأمر المسلمين بالاقتداء به في الاجتهاد فيها، وفي هذه العشر ليلة هي خير من ألف شهر، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بتحري هذه الليلة والحرص على موافقتها، وهو متصل بربه في عبادته.

الشهر كاد ينصرم، والعشر بدأت تولي، والليلة مبهمة في العشر، وإن كانت أوتارها أكثر رجاء، وليلة السابع والعشرين، أقرب.. ولكنها ليست قطعية. شهر هذا موضعه من الفضل، وعَشْرٌ تلك مزيتها منه، وليلة لا توجد إلا مرة واحدة في السنة كلها. كم سيربح المسلم الصادق الذي صام هذا الشهر إيماناً واحتساباً؟ كم سينال من رضا الله ورحمته، من قام لياليه إيماناً واحتساباً؟ وكم من الحسنات التي سيكتبها الله لمن وافق الليلة المباركة فيه، وهو مقبل على ربه خاشع خاضع متذلل، يرجو رحمته ويخاف عذابه، ويناجيه بالدعاء: الذي أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم زوجه عائشة رضي الله عنهـا في هذه الليلة المباركة، (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني). عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: (قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) [أحمد (7/245) دار إحياء التراث العربي، والترمذي (9/295) دار الكتب العلمية، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ. الحاكم في المستدرك، برقم (1942) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وضعفه بعض العلماء"].



خيرٌ من ألف شهر:

لم يقل: إنها كألف شهر، بل قال: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} وهي خيرية مطلقة، قد لا يكون للعدد فيها مفهوم كما يقول علماء الأصول، أي قد تكون خيراً من آلاف الشهور! وكلما كان العبد أشد إخلاصاً لله، وأكثر إقبالاً عليه، كان فضل الله عليه أوسع، وإذا كان أجر العمل في هذا الشهر لا يحصيه إلا الله، فإن للعشر الأواخر فيه خصوصيتها، وفي الليلة المباركة فيه مزيتها.

إن المسلم الذي صام ما مضى من رمضان إيماناً واحتساباً، وقام ما مضى من لياليه إيماناً واحتساباً، وشدَّ مئزره في العشر الأواخر من شهر رمضان، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، إيمانا واحتسابا، وتحرى الليلة المباركة في هذا الشهر، حرصاً على فضلها وترقباً لمشاركة الملائكة المقربين الذين يتنزلون فيها، وامتثالاً لأمر رسوله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، بتحريها في هذه العشر، إن المسلم الذي يفعل ذلك لجدير برحمة الله ومغفرته، وعفوه وعتقه من النار. ولهذا قطع النبي صلى الله عليه وسلم علائقه المعتادة، في شهر رمضان، وكان للعشر الأخيرة منه حظها الأوفر من الإيثار، فجاور فيها ربه حتى لحق بالرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم.

وإن المسلم الذي فرط في العشرين من الشهر المبارك، ثم وفقه الله تعالى، لتدارك ما فات، فشمر عن ساعد الجد، وأقبل إلى الله بإرادة قوية، وإخلاص كامل، فصام إيماناً واحتساباً، وقام إيماناً واحتساباً، وندم على الخير الذي فاته أشدَّ الندم، وتضرَّع إلى الله بالدعاء أن يعوضه عن ذلك بعفوه ومغفرته، وعمله الجاد فيما بقي من الشهر، قد يلحق من سبقه، والأعمال بالخواتيم. وهي فرصة ينبغي أن يغنمها المفرِّطون في عبادة الله، في شهر رمضان وفي غيره من الشهور، فقد تتنـزل عليهم رحمة الله وعفوه وتوفيقه، فيتوب عليهم، ويهديهم للحرص على عبادته وطاعته وترك معاصيه، حتى يلقوه.

أما من أغواه الشيطان في نهار رمضان، فلم يَصُمه، وبال في أذنه في لياليه، فلم يقمها، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيمن يبيت ليله نائماً لا يقوم للصلاة. [صحيح البخاري، رقم (1093) من حديث ابن مسعود]. فإن مَن هذه حالُه جدير ببعده من ربه وسخطه عليه، وحرمانه من عفوه ورحمته ومغفرته، وجدير بالقرب من عدوه وعدو ربه إبليس وضلالته إن لم يتدارك نفسه بالتوبة النصوح. {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ(40)} [النور]. {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً(17)} [الكهف].
فأي ربح يناله من اجتهد في عبادة ربه في هذا الشهر الكريم، وخصَّ العشر الأواخر منه، بالمزيد من الاجتهاد، وتحرى الليلة المباركة في هذه العشر؟ وأي خسارة لمن فرَّط في هذا الشهر حتى خرج، وهو مصرٌ على تفريطه؟ وقد أنذر الله المفرِّطين في هذا الشهر بالخسارة إنذاراً يوجب لهم الحسرة، ويورثهم الندم، فدعا عليه جبريل وعلى من عق والديه، وعلى من جفا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يصلِّ عليه، إذا ذُكر عنده، دعا عليه ثلاثاً، وأكد ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أمَّن على دعاء جبريل. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقي المنبر، فقال: (آمين، آمِين، آمين).. فقيل له: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (قال لي جبريل أرغم الله أنف عبد أو بَعُد، دخل رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد أو بَعُد، من أدرك والديه أو أحدهما لم يدخله الجنة، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبد أو بَعُد، ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين) [صحيح ابن خزيمة، برقم (1888) وصحيح ابن حبان (907) وصححه الألباني في غير كتاب. ورواه جابر بن سمرة، ذكره في مجمع الزوائد، وقال: "رواه الطبراني بأسانيد وأحدها حسن ولهذا الحديث طرق في الأدعية في الصلاة على النبي.." (8/139)].

ومع هذه الخسارة الكبيرة لمن فرط في أول الشهر الكريم، وفي عشره وفي الليلة التي يرجى فيها أن تكون ليلة القدر، فإن توبة التائب وندمه وعزمه على الاجتهاد في طاعة الله، ولو في أواخر لياليه، ف، الله الرحيم الودود القابل للتوب، سيجزيه الله تعالى، بما يستحق من النية الصادقة، ويوفقه، للقيام بما يرضيه، فلا يأيس المسلم من فضل الله وكرمه عليه.
ومع





السابق

الفهرس

التالي


16306720

عداد الصفحات العام

3223

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م