﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


(02) مفتاح باب الريان

(02) مفتاح باب الريان

الحكمة في فرضية صيام شهر رمضان وأثره في حياة المسلم

لسنا في حاجة إلى ذكر أدلة فرضية الصيام؛ لأن ذلك معلوم من الدين بالضرورة، ويكفي أن يعلم المسلم
أنه أحد الأركان التي بُني عليها الإسلام. والمقصود هنا بيان أثر الصيام في تزكية النفس وتطهيرها، وكونها أهلاً لطاعة الله والبذل في سبيله، لقد بيَّن الله تعالى أن القرآن العظيم، لا ينتفع به ويهتدي بهداه إلا المتقون. فهو - وإن نزل لدعوة الناس كلهم إلى طاعة الله وتقواه - لا يهتدي به في الواقع إلا أهل التقوى، كما قال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} [البقرة].

ومن أهم العبادات التي تكسب المؤمن تقوى الله؛ الصيام، وبخاصة صيام شهر رمضان، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} [البقرة].

وإنما يثمر الصيام التقوى؛ لما فيه من إلزام الإنسان نفسه بطاعة ربه في اجتناب المباحات التي أصبحت محرمة عليه، بعد شروعه في الصيام. وحقيقة التقوى، امتثال أمر الله بفعله، وامتثال نهيه باجتنابه. والإنسان عندما يدَع ما تشتهيه نفسه من المباحات والطيبات، طاعة لربه سبحانه، يكون أكثر بعداً عما هو محرم عليه في الأصل، وأشد حرصاً على فعل ما أمره الله به.

أقوال العلماء في حكمة فرضية الصوم وأثره في حياة المسلم:

قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى مخاطباً للمؤمنين، من هذه الأمة، وآمراً لهم بالصيام، وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع، بنية خالصة لله ، لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة - إلى أن قال - في قوله تعالى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: لأن الصوم فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان، ولهذا ثبت في الصحيحين: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء). [تفسير القرآن العظيم01/213)].

وقال السيد رشيد رضا، رحمه الله في تفسير المنار على قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}: "هذا تعليل لكتابة الصيام، ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا، وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى، بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة، امتثالاً لأمره، واحتساباً للأجر عنده، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها، فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتُقَوِّي على النهوض بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها، فيكون الثبات عليها أهون عليه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الصيام نصف الصبر). [رواه ابن ماجه، وصححه في الجامع الصغير، وتفسير المنار: (2/145)].

وقال سيد قطب، رحمه الله في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}: "وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم... إنها التقوى، فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب، وهي تؤدي هذه الفريضة، طاعةً لله وإيثاراً لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب، من إفساد الصوم بالمعصية، ولو تلك التي تهجس بالبال، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله ووزنها في ميزانه، فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم، وهذا الصوم أداة من أداتها وطريق موصل إليها، ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم، هدفاً وضيئاً يتجهون إليه عن طريق الصيام". [في ظلال القرآن: (2/168)].

وهنا نلفت النظر إلى الارتباط بين قوله تعالى في أول سورة البقرة: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} في أول السورة، وبين قوله تعالى في أول آيات الصيام: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وقوله في آخر هذه الآيات: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)} [البقرة].

فقوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} بين فيها أن هداية هذا القرآن، لا ينالها حقيقة إلا أهل التقوى، وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} بين فيه أن الصيام طريق من الطرق الموصلة إلى التقوى، وقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ...} بين فيها أن الهداية التي وصف بها المتقين في أول السورة، قد حصلت للصائمين الذين منحهم الله بصومهم التقوى، والمتقي المهتدي جدير بأن يشكر الله على منحه التقوى والهداية: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: "أي إذا قمتم بما أمركم الله من طاعته بأداء فرائضه وترك محارمه، وحفظ حدوده، فلعلكم أن تكونوا من الشاكرين بذلك". [تفسير القرآن العظيم: (1/218)].

وقال سيد قطب رحمه الله في ظلال هذه الآية {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: "فهذه غاية من غايات الفريضة، أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم، وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام، أكثر من كل فترة، وهم مكفوفو القلوب عن التفكير في المعصية، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها. وهم شاعرون بالهدى ملموساً محسوساً، ليكبروا الله على هذه الهداية، وليشكروه على هذه النعمة، ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة، كما قال لهم في مطلع الحديث: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وهكذا تبدو منة الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقاً على الأبدان والنفوس، وتتجلى الغاية التربوية منه، والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة لتؤديه، أداء تحرسه التقوى ورقابة الله وحساسية الضمير". [في ظلال القرآن: (2/172)]..

ولما كانت النفس البشرية تشتاق إلى تناول ما تشتهيه، وتنفر عن ترك ذلك، فإن من أعظم ما يزكيها ويطوعها لطاعة ربها، أن تُدَرَّب على الصبر عن تناول الطيبات التي أباحها الله تعالى لها -في الأصل- إذا أمرها بتركها. ومن أعظم شهوات النفس الطعام والشراب والجماع، وقد حرم الله على المؤمن هذه الأمور المهمة في حياته كلها، في نهار شهر رمضان بأكمله، فإذا تركها مخلصاً لله في تلك المدة من الزمن، فإنه بذلك يكون جديراً بأن يكون من المجاهدين لأعدائه الملازمين، وهم: نفسه الأمارة بالسوء، والهوى المردي، والشيطان الرجيم.

والذي ينجح في هذا الجهاد، يسهل عليه الجهاد الخاص، وهو قتال عدوه الخارجي من اليهود والنصارى والوثنيين، ومن لم ينجح في جهاد عدوه الملازم، يصعب عليه هذا الجهاد؛ لأن الذي لم يروض نفسه على طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه، فيما هو أخف عليه، كالصيام مثلاً، فمن الصعب عليه أن يقف في الصف لمقارعة الأعداء يستقبل بصدره ونحره قذائف المدافع ورصاص البنادق، وأطراف الرماح وحد السيوف.

وتأمل الأسلوب الذي فرض الله به القتال على المسلمين، تجده نفس الأسلوب الذي فرض الله به الصيام، إلا أنه بيَّن في الصيام أنه أداة لتقواه، وبين في فريضة القتال، انه فرضه عليهم وهو كُره لهم، ومعلوم أن التقوى هي التي تعين المسلم على الصبر على ما تكرهه نفسه، وهو الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(216)} [البقرة].






السابق

الفهرس

التالي


15992239

عداد الصفحات العام

1391

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م