﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


المبحث الأول: بيان أن الشورى لا غنى عنها للبشرية

المبحث الأول: بيان أن الشورى لا غنى عنها للبشرية
إن الناس كلهم في حاجة إلى المشاورة، بل قد تكون الحاجة إليها أقرب إلى الضرورة، لاختلاف عقولهم وخبراتهم وحاجة بعضهم إلى بعض، ولم يستغن الناس عن الشورى من قديم الزمان، وإن اختلفت أهدافهم وأساليبهم ووسائلهم.
فقد يكون الهدف من المشاورة عند قوم الخير العام لجميع المتشاورين ومن هم عنه مسؤولون، وقد يكون عند آخرين ما يتوهمون أنه من مصالحهم الخاصة، دون نظر إلى مصالح العامة، وقد تكون أسرية، وقد تكون جماعية، لشعب أو جماعة، أو حزب، وقد يطلب المرء من غيره أن يشير عليه بما يرى، وقد يشير المرء على غيره بما يرى بدون طلب منه.
وقد يجتمع العدد الذي يعنيه الأمر للمشاورة وإبداء الرأي والأخذ بالراجح، والذي يطالع التاريخ يجد أن المؤتمرات تعقد بين أبناء القبيلة الواحدة، إذا حزبهم الأمر للتشاور فيه، وبين قبيلة وقبيلة أخرى لحل مشكلاتهم، وبين زعيم دولة وأعيان رعيته للمشاورة فيما يهمهم شأنه، وبين رؤساء دول أو مندوبيهم كذلك، وقد تكون بين أحزاب أو أصحاب مهن معينة، كأصحاب الشركات أو المهندسين أو المحامين أو الصناع...وهكذا..
فقد دلَّ القرآن الكريم أن المجتمعات البشرية كانت تتشاور في شؤونها المهمة: يستشير زعيم القوم قومه، ويشير المحكومون إلى الحاكمين، بصرف النظر عن قصد المتشاورين الصواب أم غيره.
كما قال الله تعالى عن الملكة بلقيس، وهي تخاطب قومها البارزين، في شأن ما جاءها من نبي الله سليمان عليه السلام: {يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ}. [النمل:32].
فقد كانت بلقيس وثنية تعبد هي وقومها الشمس، ولكن الظاهر من صنيعها أنها كانت تريد لقومها ما تعتقد أنه من الصالح العام، وأن استشارتهم كانت تقصد بها الوصول إلى ما فيه خيرهم، بدليل أنها آمنت بسليمان بعد ذلك. وقد استدل بالآية بعض العلماء على صحة المشاورة. [راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/194)].
واجتمع مشركو قريش، للتشاور في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من التشاور فيما يظن المتشاورون أنه من مصالحهم وإن أنزلوا به في واقع الأمر الضرر على صاحب الحق الذي لو اتبعوه لتحقق به ما فيه المصلحة الحقيقية لهم، وقد انتهى بهم الأمر إلى العزم على قتله صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}. [الأنفال:30، وراجع السيرة النبوية لابن هشام (1/480ـ482)].
وتأمل ما قاله الحكيم الصيني "صون تزو" منذ ما يقارب ثلاثة آلاف سنة بالتاريخ الميلادي، وهو ينصح أهل الحل والعقد من قومه، بالتشاور في شأن الحرب:
"فعندما يجري التجنيد العسكري، لتأديب العابثين بحرمات البلد والأمة، فإن أهل الحل والربط في ساعات البت العسكري، لحاجات الدفاع أو حاجات الردع للعدو، يجتمعون في المعبد الديني من أجل الشورى، والبحث في صلاح الحكم القائم في البلد أو عدم صلاحه، ومدى ثقة الأمة بذلك العهد الحاكم، ثم يجري بحث أحوال الطقس وتقلباته في ذلك الفصل من مواسم السنة.
ثم يبحثون طبيعة الأرض وميادين القتال، وبعد مذاكرة هذه العوامل الثلاثة مذاكرة ودراسة دقيقة وافية، يجري اختيار القائد العسكري للحملة ومسؤولية الهجوم أو الردع". [3].
وإطلاق لفظ الشورى على تشاور غير المسلمين صحيح من حيث اللغة، أما من حيث الاصطلاح فللشورى معناها الخاص عند المسلمين؛ لأن هذا اللفظ مصطلح إسلامي خاص، كما سيأتي.
إن هذا الحكيم الصيني يدعو إلى اجتماع أهل الحل والعقد للتشاور في أمر الحرب، ويعيِّن مكان الاجتماع: "المعبد" ويضع جدول العمل – أي موضوعات البحث والتشاور ـ: "صلاح الحكم القائم في البلد أو عدم صلاحه" وهو أساس في مواجهة العدو والتغلب عليه، لأن الحكم الفاسد لا يقدر على الصمود في الحرب، ومناسبة الزمان وجو المعركة: "أحوال الطقس وتقلباته"..وصلاح مكان المعركة: "طبيعة الأرض وميادين القتال".. ثم بعد ذلك كله: "اختيار القائد" الجدير بالقيادة بسبب كفاءته.
وفي هذا النص دلالة واضحة على أن الأمم كانت تتشاور في أمورها، ذات البال والخطر.
وهذا النموذج الذي تضمنه نص، "صون تزو" مثل للمشورة التي ظاهرها إرادة الخير الذي يعود على أهل الحل والعقد بالنفع.
وهناك نموذج آخر مما قد يسمى بالمشاورة، وهو يمثل الاستبداد والخداع وعدم تنازل المسؤول عن رأيه، مهما كانت الشورى صادقة، ومهما كان أهلها مخلصين فيها.
وفي هذا المعنى يقول مكيافللى: "والأمير العاقل هو من يتبع سبيلاً ثالثاً، فيختار لمجلسه حكماء الرجال، ويسمح لهؤلاء وحدهم بالحرية في الحديث إليه ومجابهته بالحقائق، على أن تقتصر هذه الحرية على المواضيع التي يسألهم عنها ولا تتعداها، ولكن عليه أن يسألهم عن كل شيء، وأن يستمع إلى آرائهم، وأن يفكر في الموضوع بعد ذلك بطريقته الخاصة، ويتخذ قراراته التي لا يتراجع عنها..
ولهذا على الأمير أن يقبل النصيحة دائماً، ولكن عندما يريد هو، لا عندما يريد الآخرون.. ولهذا فإن النتيجة التي أصل إليها، هي أن المشورة الحكيمة حيثما جاءت، يجب أن تكون خاضعة لحكمة الأمير وتبصره، وألا يخضع تبصر الأمير للمشورات التي تقدم إليه مهما كانت صادقة". [4].
وكان "ميكافيلي" قد عاش ما بين 1469إلى 1532م وهو الزعيم الذي نشر قاعدة: "الغاية تسوغ الوسيلة"، وكتابه هذا مبني على تلك القاعدة الظالمة. [5].
فهذا نموذج المستبدين الذين لا قيمة عندهم لحكماء رعاياهم وآرائهم، مهما كانت صادقة وحكيمة، بل يجعلون أنفسهم بمنزلة الأرباب التي تتعبد الناس وتنفذ فيهم ما تشاء هي، لا ما يشاؤون هم، بدون رجوع إلى أي قانون غير الأهواء.
وذاك ـ أي ما قاله، "صون تزو" ـ نموذج للصادقين الذين يريدون للأمة الخير والصالح العام، ويحترمون رأي حكمائها ومفكريها، وقواعد دينها، ويسعون لمصالحها بتطبيق قاعدة المشاورة، وكلا النموذجين غير إسلاميين ـ وإن اقترب أحدهما من قاعدة الشورى في الإسلام، وابتعد الآخر ـ والهدف من ذكرهما بيان أن المشاورة لا تستغني عنها الأمم في الجملة، وإن اختلف هدفها من أمة إلى أخرى.
وكان العرب في الجاهلية يقتتلون سنين طويلة، ثم يجتمعون اضطراراً ليقوم بالصلح بينهم بعض عقلائهم، وذلك لا يتم إلا بعد التشاور. [راجع العقد الفريد لابن عبد ربه (5/159)].
ولكن الشورى التي أُرسيت قواعدها العامة في الإسلام، لم يوجد لها نظير - فيما نعلم - في الماضي والحاضر، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله بياناً يتضح به سموها على سائر ما تعارف الناس عليه في ذلك، ولا غرو فالشورى في الإسلام قاعدة من قواعده، وحق لها أن تسمو على غيرها، كما سما الإسلام على سائر الأديان.
وقد يقترب حكمها من حكم الضرورات، التي قال عنها الإمام الشاطبي، رحمه الله: "فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين". [الموافقات (2/بتحقيق الشيخ عبد الله دراز)].

1 - راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (13/194)
2 - الأنفال:30، وراجع السيرة النبوية لابن هشام (1/480ـ482)
3 - "فن الحرب" الذي ترجمه من الإنجليزية إلى العربية عمر حليق، وفي هذا الكتاب معاني كثيرة قريبة الشبه بآداب الإسلام في الحرب ص77
4 - الأمير، تعريب خيري حماد، ص153ـ155
5 - راجع على سبيل المثال ص114، "الكتاب" الغاية تسوغ الوسيلة..
6 - راجع العقد الفريد لابن عبد ربه (5/159)
7 - الموافقات (2/بتحقيق الشيخ عبد الله دراز)



السابق

الفهرس

التالي


11542154

عداد الصفحات العام

2456

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م