[
الصفحة الرئيسية
] [
حول الموقع
] [
تعريف بصاحب الموقع
]
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب
::
66- سافر معي في المشارق والمغارب
::
(34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف.
::
(067) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(066) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف
::
(065) سافر معي في المشارق والمغارب
::
(030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث
::
::
::
::
::
::
::
::
::
::
جملة البحث
جميع محتويات الموقع
المقالات العامة
مقالات الحدث
الجهاد في فلسطين
2 أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع المسلم
المقالات العامة
الإيمان هو الأساس
غيث الديمة الجزء الأول
غيث الديمة الجزء الثاني
حوارات مع أوربيين مسلمين
حوارات مع أوربيين غير مسلمين
الحدود و السلطان
حكم زواج المسلم بالكتابية
رحلة هونج كونج
جوهرة الإسلام
كتاب الجهاد
المسئولية في الإسلام
دور المسجد في التربية
كتاب سبب الجريمة
كتاب الشورى في الإسلام
كتاب السباق إلى العقول
الإيمان إصطلاحاً و أثره سلوكاً
كتاب طل الربوة
كتاب الوقاية من المسكرات
الكفاءة الإدارية
معارج الصعود إلى تفسير سورة هود
مقدمة سلسلة في المشارق و المغارب
المجلد الأول : رحلات الولايات المتحدة الأمريكية
المجلد الثاني : رحلات المملكة المتحدة (بريطانيا) و آيرلندا
المجلد الثالث : رحلات اليابان وكوريا وهونغ كونغ
المجلد الرابع:رحلات إندونيسيا الجزء الأول 1400هـ ـ 1980م
المجلد الخامس : الرحلة إلى إندونيسيا الجزء الثاني 1410هـ ـ 1990م
المجلد السادس : رحلات إندونيسيا الجزء الثالث 1419هـ ـ 1989م
المجلد السابع : رحلات أستراليا و نيوزيلاندا و سريلانكا
المجلد الثامن : رحلات كندا و إسبانيا
المجلد التاسع : رحلات سويسرا و ألمانيا و النمسا
المجلد العاشر : رحلات بلجيكا و هولندا و الدنمارك
المجلد الحادي عشر:رحلات السويد و فنلندا و النرويج
المجلد الثاني عشر : رحلات فرنسا و البرتغال و إيطاليا
المجلد الثالث عشر : رحلات سنغافورة و بروناي و تايوان
المجلد الرابع عشر : رحلات باكستان و الهند
المجلد الخامس عشر : رحلات تايلاند (بانكوك)
المجلد السادس عشر : الرحلة إلى ماليزيا
المجلد السابع عشر : رحلات الفلبين
المجلد الثامن عشر : رحلة كينيا
الفهرس
المبحث الثاني: الشورى من أهم قواعد الإسلام ولا غنى لأهله عنها
المبحث الثاني: الشورى من أهم قواعد الإسلام ولا غنى لأهله عنها
إن الشورى في الإسلام قاعدة من قواعده التي إذا فقدت اختل نظام حكمه، ونزلت المصائب بأهله، وحلت في مجتمعهم الفوضى، وصار كل شيء في غير مكانه اللائق به، إنها من صفات المؤمنين التي لا غنى لهم عنها في حياتهم الدنيا، ولا غنى لهم كذلك عنها في الوصول إلى رضا ربهم، وقد كانت من القواعد التي أبرزها القرآن الكريم في عهده المكي، قبل أن تقوم للمسلمين دولة.
كما قال سبحانه وتعالى:
{فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
(36)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ
(37)
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
(38)
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}
. [الشورى: 36ـ39 وهي من السور المكية].
وقد ساق الإمام البخاري، رحمه الله عدة حوادث، استشار فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، رضي الله عنهم، وذكر أن الأئمة بعده كانوا يستشيرون الأمناء من أهل العلم.
[راجع صحيح البخاري
(8/162ـ163)
وفتح الباري
(13/339)
]
.
وقد أضيف الأمر، وهو مفرد، إلى الضمير، وهو معرفة، وإضافة المفرد إلى المعرفة تكسبه العموم، فكل أمر يحتاج إلى إبداء الرأي والمشورة داخل في ذلك.
وإنما كانت للشورى هذه المنزلة في الإسلام، لما فيها من الخير العائد إلى المسلمين، فهي توجِد بينهم الألفة، وتكون سبباً في الوصول إلى الحق والصواب، إما بإبداء الآراء وتمحيصها والخروج بالرأي الصائب منها بصفة جماعية، وإما باستحضار بعض المتشاورين دليلاً لأحد الآراء من الكتاب أو السنة يقنع به الآخرين.
هذا إضافة إلى ما يوجد عند بعضهم من الخبرة الطويلة والممارسة ذات الاختصاص التي لا يستغني عنها المسلمون، وإذا فقدوها خسروا خسارة عظيمة.
قال القرطبي، رحمه الله، في تفسير آيات الشورى هذه: "وقال ابن العربي: الشورى ألفة للجماعة، ومسبار للعقول وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم قط إلا هُدوا. وقد قال الحكيم:
[sh]
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن= برأي لبيب أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضةً= فإن الخوافي قوة للقوادم
[/sh]
[البيتان من قصيدة لبشار بن برد، انظر البيان والتبيين للجاحظ
(4/49)
مع اختلاف في بعض الألفاظ، والمراد بالخوافي ريش جناح الطير التي إذا ضم جناحه خفيت، والقوادم الريش الذي في مقدمة الجناح]
.
فمدح الله سبحانه وتعالى المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الآراء المتعلقة بمصالح الحروب، وذلك في الآراء كثير، ولم يكن يشاورهم فيما يفتي أو يقضي به، لأن ذلك شرع منزل من عند الله على جميع الأحكام من الفرض والندب والمباح والحرام.
فأما الصحابة بعد استئثار الله تعالى به علينا، فكانوا يتشاورون في الأحكام ويستنبطونها من الكتاب والسنة، وأول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة، وتشاوروا في الجد وميراثه، وفي حد الخمر وعدده، وتشاوروا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحروب".
[الجامع لأحكام القرآن
(16/36ـ37)
]
.
قلت: وكما مدح الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالشورى وجعلها من صفاتهم الحميدة، فقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، بمشاورتهم في أمرهم الذي يقتضي المشاورة، مما لا وحي فيه.
كما قال تعالى:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}
. [آل عمران: 159].
قال القرطبي، رحمه الله: "قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه، وقد مدح الله المؤمنين بقوله:
{وأمرهم شورى بينهم}
.
قال ابن خويز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها.. والشورى بركة، قال عليه السلام:
(
(
ما ندم من استشار، ولا خاب من استخار
)
)
.
وقال بعضهم: شاور من جرب الأمور، فإنما يعطيك من رأيه ما وقع عليه غالياً، وأنت تأخذه مجاناً. وقد جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة، وهي أعظم النوازل، شورى.
وقال سفيان الثوري: "ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة ومن يخشى الله تعالى".
[الجامع لأحكام القرآن
(4/249)
، تخريج حديث:
(
(
ما ندم من استشار
)
)
نسب السيوطي رحمه الله هذا الحديث للطبراني في الأوسط، ورمز له بحرف الحاء، أي أنه حديث حسن، وأن راويه أنس بن مالك وتعقبه المناوئ فقال: "قال الطبراني: لم يروه عن الحسن إلا عبد القدوس بن حبيب، تفرد به ولده، قال ابن حجر في التخريج: وعبد القدوس ضعيف جداً أ. هـ. وقال في الفتح: أخرجه الطبراني في الصغير بسند واهٍ جداً هذه عبارته. قال الهيثمي: رواه في الأوسط "من طريق عبد السلام بن عبد القدوس، وكلاهما ضعيف جداً". انظر فيض القدير في شرح الجامع الصغير
(5/442ـ443)
ولم يذكر الشيخ ناصر الألباني الحديث في صحيح الجامع الصغير]
.
وقد شاور الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في البقاء في المدينة أو الخروج إلى أُحُد لقتال المشركين، فرأى بعضهم الخروج، ورأى هو وبعض كبار الصحابة البقاء، وكان على هذا الرأي رأس النفاق عبد الله بن أبي سلول، فاختار الرسول صلى الله عليه وسلم الخروج وعَدَل عن رأيه.
وذلك يدل على أن تربية أصحابه على الشورى والعمل بها أمر لا بد منه، وإن كان هو صلى الله عليه وسلم ولي أمرهم، ينزل عليه الوحي صباحاً ومساءً، ليسدده ويدله على مصالح أمته، فكيف بمن سواه من ولاة الأمور، الذين ليسوا بمعصومين من الجهل والخطأ والنسيان والظلم والهوى؟!
قال محمد رشيد رضا رحمه الله: "
{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }
العام الذي هو سياسة الأمة في الحرب والسلم، والخوف والأمن وغير ذلك من مصالحهم الدنيوية، أي دُمْ على المشاورة وواظب عليها، كما فعلت في الحرب في هذه الوقعة "وقعة أحد" وإن أخطأوا الرأي فيها، فإن الخير كل الخير في تربيتهم على المشاورة بالعمل، دون العمل برأي الرئيس وإن كان صواباً، لما في ذلك من النفع لهم في مستقبل حكومتهم، إن أقاموا هذا الركن العظيم..
فإن الجمهور أبعد عن الخطأ من الفرد في الأكثر، والخطر على الأمة في تفويض أمرها إلى الرجل الواحد أشد وأكبر".
[المنار
(4/199)
]
.
وقوله: "دون العمل برأي الرئيس وإن كان صواباً" أي عند الرئيس، أما إذا ظهر صواب رأي الرئيس للأمة، فلا يجوز لهم ولا له العدول عنه ولا تركه، لأن تركه - عندئذٍ - يكون لمجرد الهوى، أما إذا كان صواباً عنده، ولم يظهر للرعية وجه الصواب فيه، وأصروا على خلافه، بناء على أن الصواب معهم وليس معه، فهذا هو الذي يمكن حِمل كلامه عليه. وسيأتي بسط القول فيه إن شاء الله عند الكلام على ما يلزم الإمام بعد الشورى.
ففي هاتين الآيتين: آية الشورى، وآية آل عمران، وما جاء في تفسيرهما، دلالة على وجوب مشاورة ولي الأمر ورعيته في أمورهم التي تحتاج إلى الشورى، فإذا ضُمَّ إلى ذلك النصوص الواردة في الشورى بغير لفظها، كوجوب التناصح والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر من القرآن الكريم، وما ورد من مداومة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، ومن تبعهم بإحسان على الشورى، تبين أن المسلمين لا يستغنون عنها، وأنها من الحاجيات التي تنزل منزلة الضروريات، إذ لا حياة آمنة للمسلمين بدونها.
وستأتي تلك النصوص في أماكنها من هذا الكتاب بإذن الله.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "باب المشاورة قال الشافعي قال الله تبارك وتعالى
{وشاورهم في الأمر}
أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال، أخبرنا ابن عيينة عن الزهري، قَال، قال أبو هريرة: ما رأيت أحداً أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
[الأم
(7/95)
]
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، مبيناً خطر الشورى وعدم الغنى عنها: "لا غنى لولي الأمر عن المشاورة، فإن الله تعالى أمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال:
{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }
[آل عمران: 159].
وقد روي عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: "لم يكن أحد أكثر مشاورة لأصحابه، من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
[الحديث الترمذي
(4/213ـ214)
]
.
وقد قيل: إن الله أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به من بعده، وليستخرج بها منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي، من أمر الحروب والأمور الجزئية وغير ذلك.
فغيره صلى الله عليه وسلم أولى بالمشورة، وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين بذلك في قوله:
{وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
(36)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ
(37)
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
.
[مجموع الفتاوى
(28/386ـ387)
والآيات سبقت في أول هذا المبحث]
.
وإذا عُلَم عقلاً أن عرْض الآراء على ذوي العلم والرأي والفكر ومناقشتها بأمانة وإخلاص، يستخرج به وجه الصواب أكثر من رأي الواحد، دلَّ العقل أيضاً على أن الشورى لا غنى عنها.
فقد تواطأ على أهميتها الكتاب والسنة وواقع التاريخ البشري قبل الإسلام وبعده، وأقر بذلك العقل السليم.
قال الأستاذ عبد القادر عودة، رحمه الله: "الشورى دعامة من دعائم الإيمان، وصفة من الصفات المميزة للمسلمين، سوَّى الله بينها وبين الصلاة والإنفاق في قوله:
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
. [الشورى: 38].
فجعل للاستجابة لله نتائج بين لنا أبرزها وأظهرها، وهى: إقامة الصلاة، والشورى، والإنفاق، وإذا كانت الشورى من الإيمان فإنه لا يكمل إيمان قوم يتركون الشورى، ولا يحسن إسلامهم إذا لم يقيموا الشورى إقامة صحيحة.
وما دامت الشورى صفة لازمة للمسلم لا يكمل إيمانه إلا لتوافرها، فهي إذاً فريضة إسلامية، واجبة على الحاكمين والمحكومين، فعلى الحاكم أن يستشير في كل أمور الحكم والإدارة والتشريع، وكل ما يتعلق بمصلحة الأفراد أو المصلحة العامة، ما لم يظهر له وجه الصواب فيه، وعلى المحكومين أن يشيروا على الحاكم بما يرونه في هذه المسائل كلها، سواء استشارهم الحاكم أو لم يستشرهم.
ولقد أمر الله رسوله – وهو ينزل عليه الوحي بالتشريع والتوجيه وحل المشكلات – أن يستشير المسلمين، فقال جل شأنه:
{وشاورهم في الأمر}
.
فأمره أمراً جازماً بأن يستشيرهم، وما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشورة من الفضل، وأن يحملهم على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يرفع من أقدارهم بإشراكهم في الحكم، وتعويدهم على مراقبة الحكام، وأن يحول بين الحكام والاستبداد بالحكم والتعالي على الناس".
[
9
]
.
قلت: وقد أجمل الحافظ بن حجر، رحمه الله، عدة حوادث استشار فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تدل على أن الاستشارة كانت دأبهم، قال: "وأخرج البيهقي بسند صحيح عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر الصديق إذا أورد عليه أمر، نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضى به قضى بينهم، وإن علمه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم.
وأن عمر بن الخطاب كان يفعل ذلك، وتقدم قريباً أن القراء كانوا أصحاب مجلس عمر، ومشاورة عمر المهاجرين والأنصار، ثم قريشاً لما أراد دخول الشام وبلغه أن الطاعون وقع فيها – إلى أن قال -: "ومشاورة عثمان الصحابة أول ما استخلف فيما يفعل بعبيد الله بن عمر، لما قتل الهرمزان وغيره، ظناً منه أن لهم في قتل أبيه مدخلاً، وهى عند ابن سعد وغيره بسند حسن، ومشاورته الصحابة في جمع الناس على مصحف واحد، أخرجها ابن أبي داود في كتاب المصاحف من طرق عن علي، منها قوله: ما فعل عثمان الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا، وسنده حسن".
[فتح الباري
(13/342ـ343)
]
.
فقد دل القرآن والسنة وعمل الصحابة - كما دل الواقع التاريخي والعقل - على أن الشورى لا غنى للناس عنها، وهذا ما قرره علماء الإسلام قديماً وحديثاً.
1
- راجع صحيح البخاري (8/162ـ163) وفتح الباري (13/339)
2
- البيتان من قصيدة لبشار بن برد، انظر البيان والتبيين للجاحظ (4/49) مع اختلاف في بعض الألفاظ، والمراد بالخوافي ريش جناح الطير التي إذا ضم جناحه خفيت، والقوادم الريش الذي في مقدمة الجناح
3
- الجامع لأحكام القرآن (16/36ـ37)
4
- الجامع لأحكام القرآن (4/249)، تخريج حديث: ((ما ندم من استشار)) نسب السيوطي رحمه الله هذا الحديث للطبراني في الأوسط، ورمز له بحرف الحاء، أي أنه حديث حسن، وأن راويه أنس بن مالك وتعقبه المناوئ فقال: "قال الطبراني: لم يروه عن الحسن إلا عبد القدوس بن حبيب، تفرد به ولده، قال ابن حجر في التخريج: وعبد القدوس ضعيف جداً أ. هـ. وقال في الفتح: أخرجه الطبراني في الصغير بسند واهٍ جداً هذه عبارته. قال الهيثمي: رواه في الأوسط "من طريق عبد السلام بن عبد القدوس، وكلاهما ضعيف جداً". انظر فيض القدير في شرح الجامع الصغير (5/442ـ443) ولم يذكر الشيخ ناصر الألباني الحديث في صحيح الجامع الصغير
5
- المنار (4/199)
6
- الأم (7/95)
7
- الحديث الترمذي (4/213ـ214)
8
- مجموع الفتاوى (28/386ـ387) والآيات سبقت في أول هذا المبحث
9
- الإسلام وأوضاعنا السياسية ص155ـ156
10
- فتح الباري (13/342ـ343)
الفهرس
15996856
عداد الصفحات العام
2049
عداد الصفحات اليومي
جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م