﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


وسطية أهل السنة بين الجهمية والمعتزلة والخوارج

وسطية أهل السنة بين الجهمية والمعتزلة والخوارج
فرطت الجهمية ( والمرجئة بصفة عامة ) في أمر الإيمان تفريطا يوحي لمن يتتبع مذهبهم بأنه لا ينقص الإيمان ولا يفت فيه إلا عدم التصديق أو عدم العلم والمعرفة بالله – أي التكذيب والجهل – وليس وراء ذلك ما ينقص الإيمان من ارتكاب الكبائر أو ترك الطاعات .
وقد سبق هذا المعنى واضحا في تعريف الإيمان عند جهم وأصحابه الذي تكون الجنة بمقتضاه قد أعدت للرسل وأتباعهم ولفرعون وأشباهه على السواء . وهذا المذهب يوافق ذوي الميول والشهوات الحيوانية ، الذين يريدون الانفلات المطلق من محراب عبادة الله الذي يأمر ليطاع أمره ، وينهى ليجتنب ما نهى عنه ، إلى سوق إبليس وأتباعه المليئة بعفن الشهوات والمعاصي ، ويسلون أنفسهم بمذهب غلاة المرجئة الذي مضى بيان زيفه.
وأفرطت طائفة الخوارج والمعتزلة في أمر الإيمان إفراطا لا يبقى معه إيمان عاص – مرتكب كبيرة – في عداد المؤمنين ، بل مأواه جهنم خالدا مخلدا فيها ، وليس له من رحمة الله من نصيب ، ولا في الجنة نزل ، ولو وجد في قلبه من الإيمان ما يزن جبال أحد وعير وثور ، ولو عمل من الطاعات ما لا يحصيه الخوارج والمعتزلة مجتمعين ، ما دام قد ارتكب كبيرة واحدة ومات قبل التوبة منها .
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن أصل نزاع هذه الفرق – الجهمية والمعتزلة والخوارج – هو جعلهم الإيمان شيئا واحدا إذا زال بعضه زال جميعه ، وإذا ثبت بعضه ثبت جميعه ، ثم افترقوا :
فقالت الخوارج والمعتزلة : الطاعات كلها من الإيمان – وهذا صحيح وهو الذي أيدته الأدلة – فإذا ذهب بعض الطاعات ذهب سائر الإيمان – وهذا غلط دلت النصوص على فساده ، ومنها قوله تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لما يشاء ( [النساء : 48] ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) [صحيح البخاري ، رقم 44 من حديث أنس رضي الله عنه . وصحيح مسلم ، رقم 193]
وقالت المرجئة : - وأخبث فرقها الجهمية – الإيمان شيء واحد ولا يتبعض ، وهو تصديق القلب فقط عند الجهمية ، أو تصديق القلب وقول اللسان عند بقية المرجئة ، فإذا ثبت بعضه ثبت كله ، والأعمال ليست داخلة في الإيمان ، لأنها لو كانت من الإيمان للزم ذهاب الإيمان بذهابها أو ذهاب بعضها.[ مجموع الفتاوى ( 7/510 ) ، ( 10/748-751 ) ، ( 14/498 )]
وقد سبق الكلام على كون الإيمان يتبعض فليرجع إليه .
أما النصوص التي استدل بها المرجئة فهي نصوص الوعد والرحمة والمغفرة التي فتحوا بها باب الأمل وقفلوا باب الخوف والخشية ، وفتحوا باب الجنة على مصراعيه لكل من حارب الله ورسوله بترك الطاعات وارتكاب المحرمات ، لا فرق بينهم وبين عباد الله المتقين الذين جاهدوا أنفسهم على طاعة ربهم والبعد عن معاصيه .
واستدل الخوارج والمعتزلة بنصوص الوعيد ، وفتحوا باب الخوف والقنوط وباب النار لكل من ارتكب كبيرة ولم يتب منها ، وأغلقوا باب الأمل والرجاء وأبواب الجنة عن مرتكبي الكبائر . فخالفت كل طائفة ما تشبثت به الأخرى .
وجمع أهل السنة بين نصوص الوعد والوعيد فعملوا بها كلها ، فقالوا للعصاة : خافوا النار واطمعوا في الجنة ، توبوا من المعاصي واعملوا الطاعات ، ففتحوا البابين باب الخوف والرجاء . وبهذا يظهر أن النص الذي ينفي الإيمان عن تارك الطاعة أو فاعل المعصية ، لا يراد به نفي الإيمان مطلقا في جميع المقامات ، بل الغالب أن يراد بذلك النفي نفي كمال الإيمان الواجب .
وقد يراد به نفي الإيمان من أساسه ، مثل قوله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ( [النساء : 65]
فالآية ظاهرة في أن من لم يُحَكِّم القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل حاد الله ورسوله ، وأعرض عن شرع الله مفضلا قوانين البشر عليه أو مساويا لتلك القوانين بشرع الله ، ليس بمؤمن .
ولا يرد على هذا ما ورد من أن سبب نزول الآية في تخاصم الزبير رضي الله عنه والأنصاري في ساقية ماء لأرضهما ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للزبير : ( اسق أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك ) فقال الخصم : أراك – يعني الرسول صلى الله عليه وسلم - : تحابي ابن عمتك ، فتلون وجه الرسول صلى الله عليه وسلم … الحديث ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم الأنصاري بما قال حسب ما قد يظهر من الآية ، لأن إعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنه وعدم تكفيره إياه يدل على علمه صلى الله عليه وسلم بصحة إيمانه وثبات يقينه ، وأن ما حصل منه كان في حالة غضب ولم يكن يشك في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم . وليس ذلك لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم [القصة في صحيح البخاري ، من حديث عبد الله بن الزبير ، رقم : 2231 ، وصحيح مسلم ، برقم : 2357 . وراجع الجامع لأحكام القرآن - تفسير الإمام القرطبي رحمه الله – ( 5 / 266-267 )].
وقصة الأنصاري شبيهة بقصة الصحابي الجليل " حاطب بن أبي بلتعة " رضي الله عنه ، عندما كتب إلى قريش يخبرهم بغزوة الفتح التي عزم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم ، قاصدا بذلك اتخاذ يد عندهم ، حفاظا على أسرته وأمواله في مكة ، فقال عمر بن الخطاب : دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله ! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أليس قد شهد بدرا ؟ لعل الله اطلع على أهل بدر ، فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) وهذه القصة مبسوطة في كتب التفسير في أول سورة الممتحنة [قصة حاطب في صحيح البخاري ، رقم : 2845 . وصحيح مسلم ، رقم : 2845].
ومثل هذه الآية قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( [المائدة : 44]
نصت الآية على كفر من لم يحكم بما أنزل الله ، ومع ذلك فسرها بعض العلماء ، ومنهم ابن عباس رضي الله عنهما بكفر دون كفر ، أي أنه كفر أصغر لا يخرج صاحبه من الملة ، كغيره من الكبائر غير الشرك بالله ، وهذا تفسير صحيح إذا قيد بمن يحكم بغير ما أنزل الله في بعض الجزئيات لأمرٍ مَّا ، وهو يعتقد أنه عاص بما فعل ، أما إذا استحل ذلك ، فإنه كافر كفرا أكبر مخرجا من الملة بإجماع العلماء ، وقد بين ذلك علماء التفسير ومنهم القرطبي في تفسيره وغيره ، وكذلك مؤلفو كتب العقيدة ، ومنها شرح العقيدة الطحاوية …
ومما يدل على أنه قد ينفى الإيمان ويراد نفي كماله الواجب ، وليس نفيه مطلقا ، قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله ثم مات على ذلك دخل الجنة ) فقال له أبو ذر : وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ! قال ( وإن زنى وإن سرق – ثلاثا – ثم قال : على رغم أنف أبي ذر ) [صحيح البخاري ، رقم 5489 . وصحيح مسلم ، رقم 94]
ويدخل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( والله لا يؤمن – ثلاثا – ) قيل : من يا رسول الله ! قال : ( الذي لا يأمن جاره بوائقه ) فالإيمان المنفي هنا هو كمال الإيمان الواجب وليس الإيمان الذي يخرج صاحبه من الملة [صحيح البخاري من حديث أبي شريح ، رقم 5670 . ورواه مسلم من حديث أبي هريرة ، ورقمه 46].
وأساس ذلك كله الآية الكريمة : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( [النساء : 48] وقد سبق ذكر نصوص أخرى في هذا الموضوع .










السابق

الفهرس

التالي


11399882

عداد الصفحات العام

2414

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م