﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


الإيمان يمنح صاحبه الرقابة الذاتية

الإيمان يمنح صاحبه الرقابة الذاتية
الأمر السابع : الإيمان يمنح صاحبه الرقابة الذاتية .[ واضح من هذا العنوان أن المقصود من الرقابة الذاتية : امتلاء قلب المؤمن رغبة فيما عند الله من الثواب على العمل الصالح ، ورهبة مما عنده من العقاب على عصيانه ، فيكون المؤمن رقيبا على نفسه فيما يأتي ويذر ، سواء كان ذلك في حق الله أو حق عباده ، فلا يعمل إلا ما يرضي الله ، ولا يرتكب ما يسخطه]
إن الإيمان يمنح صاحبه الرقابة الذاتية ، التي تغني عن رقابة السلطة والشرطة والاستخبارات والجاسوسية ، والحسبة والقضاء ، ولا تغني كل هذه المؤسسات عنها .
فالمؤمن له غاية كما مضى - وهي رضا الله تعالى – يسعى جاهدا لتحقيقها ، ويدور في تصرفاته كلها في فلكها ، وهو يتلقى منهج حياته الذي يوصله إلى تلك الغاية من ربه وحده ، ويسلك إليها طريقا واحدا مستقيما لا عوج فيه ، وهو صراط الله الذي نزل به وحيه عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم .
يجاهد المؤمن نفسه ليستقيم على ذلك الصراط الذي يوصله إلى غايته ، وهي رضا ربه ، ويكافح كل ما يعترض سبيله ليصده عن ذلك الصراط وتلك الغاية ، سواء كان ما يعترضه شهوات جاذبة ، أو شبهات محيرة ، أو طغاة صادين عن سبيل الله ، لا يغفل عن ذلك في سره وعلانيته ، ولا يخاف في الله لومة لائم ، يرضي ربه بطاعته ولو سخط عليه كل الناس .
تدفعه رغبته فيما عند الله وخوفه من عقابه ، إلى فعل ما علم وجوبه عليه شرعا ، ولو كرهت نفسه ذلك وكرهه كل الناس ، وإلى ترك ما علم تحريمه عليه شرعا ، ولو تاقت نفسه إلى فعله وتاقت إليه نفوس كل الناس ، لإيمانه بأن الله وحده هو الذي يثيبه على فعل الطاعة ، وهو وحده الذي يعاقبه على ترك المعصية ، وأن ما قد يناله من غير الله : ثوابا كان أو عقابا في هذه الدنيا ، لا يمكن أن يناله إلا بإذن الله ، وأنه لا مقارنة بين ما عند الله وما عند المخلوقين .
ومن كان هذا شأنه قدم رضا الله على رضا كل أحد ، واتقى سخط الله على سخط كل أحد ، وبذلك يكون قلبه رقيبا عليه في حضور المخلوقين وغيبتهم ، لأن الله معه في كل لحظة من لحظات حياته : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ( [النازعات : 41]
فعلم الله تعالى محيط بكل شيء ، لا تخفى عليه خافية ، كما دلت على ذلك نصوص كثيرة من الكتاب والسنة ، ودلت على ذلك كل مخلوقاته المتقنة التي لا يمكن أن يوجدها إلا من أحاط علما بكل جزئياتها .
قال تعالى : {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا}. [النساء: 58]
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا}. [النساء : 135]
وقال تعالى: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء}. [آل عمران : 5]
وقال تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون}.[ البقرة : 77]
وقوله تعالى: {إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}. [المجادلة : 5-7]
وقال تعالى: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شيء قدير يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤف بالعباد}. [آل عمران : 30]
وفي حديث جبريل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [صحيح البخاري ، من حديث أبي هريرة ، رقم : 50 . وصحيح مسلم ، من حديث عمر ، رقم 8]
فعله وتركه لله لا لسواه : ( إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ( [الإنسان : 5-12]
وفي الحديث الصحيح – المشهور بحديث جبريل - : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) [البخاري من حديث أبي هريرة ، رقم 50 ، ومسلم ، رقم : 4499]
والإحسان هو إتقان العمل والإتيان به على أتم الوجوه ، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى كتبه على كل شيء ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحَة ) [الترمذي من حديث شداد بن أوس ، برقم : 1409 وقال : هذا حديث حسن صحيح . والنسائي ، برقم : 4405]
هذه الرقابة الذاتية - أي مراقبة الإنسان لنفسه ، لقوة إيمانه بربه ، وشدة رغبته في رضوانه وجنته ، وعِظَم خوفه من سخطه وعقابه – هي التي جعلت سلفنا الصالح ، الصحابة فمن بعدهم ، يعلون كلمة الله في الأرض ، وينشرون العدل بين الناس ، ويطهرون الأرض من رجس الوثنية والظلم ، ويضعون حدا للطغاة والعصاة ، وهي التي جعلتهم يقولون : " انتهينا يا رب " ويهريقون الخمر من دنانها ، يكبونها من الكؤوس التي كانت بأيديهم ليشربوها ، بل يمجونها من أفواههم فور سماعهم قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ( [المائدة : 90-91]
إن المسلم يعلم أنه ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( [ق : 18] ويعلم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقول الخير أو السكوت ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) [صحيح مسلم ، رقم 47 . وغيره] ، فلا يتكلم المسلم إلا بخير ، في خلوته وجلوته ، فلا يغتاب أحدا ، ولا يتعاطى النميمة بين الناس ، ولا يكذب ، خشية من ربه الذي يراقبه في كل أحواله .
وإن المسلم ليعلم أن الله تعالى قد حمله الأمانة ، وقد حملها ، فلا يغش ولا يخدع ولا يَفْجُر خوفا ممن هو عليه رقيب ، ولو غاب عن كل عين تطرف ، أو أذن تسمع .
وإن المسلم ليُبتَلَى فتفتح له أبواب المعاصي ومستنقعات الشهوات ، ويجد كل وسيلة توصله إلى تلك المعاصي والشهوات ، دون رقيب من المخلوقات ، فلا يقربها – وهو قادر على ولوجها – خوفا من الله الذي لا تخفى عليه خافيه والذي يعلم السر وأخفى .
إن الكاتب ليعجز عن ضرب الأمثلة لمن فقد هذه الرقابة الربانية ، التي تصبح رقابة ذاتية ، لكثرتها وتكررها في كل أنحاء الأرض من الأفراد والجماعات والشركات والحكام والشعوب !
فكم اتفاقٍ يعقد بين طرفين ثم ينقضه من سنحت له فرصة النقض ؟
وكم جنديٍّ يظهر لقائده الطاعة ثم يقلب له ظهر المجن فيخرج عليه ويسفك دمه أو يرميه في غياهب السجون ، ويصبح هو الآمر ، ويصبح قائده هو المأمور ؟
وكم شركةٍ غشت شركاءها وعملاءها ، بعد أن ظهرت في ثوب الأب الحنون والناصح الأمين ؟
وكم قاض لوى قواعد الشريعة أو القانون فجار واعتسف ، وجعل صاحب الباطل محقا ، وصاحب الحق مبطلا ؟
كل ذلك سببه غياب الرقابة الذاتية التي تنطوي عليها قلوب تمكنت منها الرقابة الربانية !
هذا عدا ما لا يعلمه إلا علام الغيوب جلت قدرته ، من غش وخداع يحصلان بين الأقارب ، من آباء وأولاد وأزواج وأسر ، وحكام ومحكومين ، وأجراء ومستأجرين ، وأصدقاء …!
قال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي : [ إننا كثيرا ما نقرأ في الصحف وما نسمع من الناس ، كما نشاهد نحن بأعيننا ، ما تعانيه المؤسسات العامة ، من أجهزة تتوقف على جدتها ، وأدوات تخرب على متانتها ، ومصالح تعطل مع حاجة الجمهور إليها ، وأعمال يكفيها يوم تستغرق أياما .
ونتيجة ذلك أن مشروعات نافعة تفشل ، وجهودا مخلصة تبعثر ، وأموالا طائلة تضيع ، ، وأن الإنتاج العام بعد ذلك كله يتدهور أيما تدهور .
وما ذلك إلا لفقدان الأمانة والإخلاص ، وخراب الضمائر عند أولئك الذين لا يرجون لله وقارا ولا يحسبون للآخرة حسابا ] [الإيمان والحياة ، ص : 303 الطبعة الأولى]




السابق

الفهرس

التالي


11399710

عداد الصفحات العام

2242

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م