﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


الإيمان يمنح صاحبه الشجاعة والكرم

الإيمان يمنح صاحبه الشجاعة والكرم
الأمر التاسع : أن الإيمان يورث صاحبه الكرم والشجاعة ، ويصونه من الشح والجبن .
وليس المراد بالكرم بذل المال في الخير فقط ، وإنما المراد به السماحة والبذل لكل غال ونفيس في طاعة الله تعالى .
كذلك لا يراد بالشجاعة قوة البدن و مجرد الإقدام والمواجهة للخصم كيفما كان ذلك الإقدام ، وإنما المراد بالشجاعة قوة القلب وثباته عن علم ومعرفة دون تهور ، وأن يكون إقدام الشجاع الثابت القلب في طاعة الله تعالى .
والكرم والشجاعة صفتان أطبقت على مدحهما الأمم في كل العصور ، كما أطبقت الأمم على ذم ضدهما ، وهما البخل والجبن ، كإطباقهم على مدح الصدق والعدل ، وذم الكذب والظلم ، وما اتفق عليه بنو آدم كلهم فهو حق .
ولهذا كان المؤمن كريما شجاعا ، يعطي نفسه وأهله وماله وكل ما يملك رَبَّه ، والمؤمن وحده هو الذي يستحق الفلاح والفوز ، لأن الله تعالى وقاه شر الشح الذي به هلاك الأمم ، كما قال تعالى : ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( [الحشر : 90] وقد حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم وقرنه في تحذيره بالظلم ، لأنه يؤدي إلى الظلم ، ففي حديث الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح ، فإنه أهلك من كان فبلكم ، حملهم على أن يسفكوا دماءهم ، ويستحلوا محارمهم ) [صحيح مسلم ، من حديث جابر بن عبد الله ، يرقم : .2578]
وإن الشجاعة والكرم لمن أهم أعمدة الجهاد في سبيل الله ، والأمة التي تفقدهما لا يمكن أن تكون أمة مجاهدة ، وبذلك لا تكون أهلا للبقاء العزيز الشريف ، كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير ( [التوبة : 38-39]
والآية تشمل الجبناء والبخلاء ، لأن سبب التثاقل إلى الأرض والقعود عن الجهاد ، لا يخلو من أمور ثلاثة :
الأول : الجبن والحرص على الحياة – ولو كانت ذليلة .
الثاني : البخل بالمال .
الثالث : اجتماعها في الشخص الواحد ، وقد يكون هذا هو الغالب .
وقال تعالى : ( هاأنتم تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ( [محمد : 38]
فقد نصت آية التوبة وآية محمد أن الأمة التي تتصف بهاتين الصفتين : - الجبن والبخل ، وهما ضد الشجاعة والكرم – لا تستحق البقاء ، بل مصيرها أن يستبد الله بها أمة أخرى كريمة شجاعة تنصر الحق وتجاهد الباطل .
وكل ما في القرآن من الأمر بالإيتاء والإعطاء ، وذم من ترك ذلك كله هو ذم للبخل ، وكل ما في القرآن من الحض على الجهاد في سبيل الله والترغيب فيه وذم الناكلين عنه والتاركين له ، هو ذم للجبن …[ من مجموع الفتاوى (28/ 155-158) لابن تيمية ، بتصرف]
وإذا كان الكرم والشجاعة من شعب الإيمان ، فإن البخل والجبن من شعب الكفر [ولا يلزم من ذلك كفر البخيل أو الجبان ، بل يكون المتصف بهما أو بأحدهما ناقص الإيمان كما هي القاعدة فيمن اتصف بمعصية من المعاصي . ومعلوم أن المعاصي من فروع الكفر والطاعات من فروع الإيمان] .
ولهذا كان الشح والجبن من شعب أهل الكفر والنفاق الذين اجتمعت فيهم
كل شعب الكفر الذي هو أصلهما ، كما قال تعالى : ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ( [النساء : 36-37] وقال تعالى : ( إن الله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ( [التوبة : 56-57]
ولقد كان من كرم المؤمنين وشجاعتهم في سبيل الله ، أن يتقدموا للانخراط في صفوف الجيش المقاتل قبل بلوغهم سن الرشد ، فيردهم رسول الله ص الله عليه وسلم ، وقد يجيز أحدهم لصفة علم أنه تميز بها تؤهله لخوض المعركة ، فيثب قرينه منافسا له بصفة أخرى ، لينال شرف الجندي الذي ينتظر الشهادة في سبيل الله : [ وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج أخا بني حارثة ، وهما ابنا خمس عشرة سنة ، وكان قد ردهما . فقيل له : يار سول الله إن رافعا رام ، فأجازه . فلما أجاز رافعا ، قيل له : فإن سمرة يصرع رافعا ، فأجازه . ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت والبراء بن عازب وعمرو بن حزم وأسيد بن ظهير ، ثم أجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس عشرة سنة ] [السيرة النبوية لابن هشام ( 2/66 )]
وكان من شجاعتهم وكرمهم بأنفسهم وأموالهم في سبيل الله ، أن من عذره الله من الجهاد لعلة تمنعه من ذلك ، يصر على الخروج في سبيل الله ، حتى إذا منعه أولاده شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألح عليه في الإذن له لينال شرف الشهادة .
فقد أراد عمرو بن الجموح – وكان رجلا شديد العرج – أن يخرج مع المقاتلين يوم أحد ، وكان له بنون أربعة مثل الأُسْد ، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد ، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا له : إن الله عز وجل قد عذرك . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن بَنِيَّ يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه ، ، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما أنت فقد عذرك الله ، فلا جهاد عليك ) وقال لبنيه : ( ما عليكم ألا تمنعوه ، لعل الله أن يرزقه الشهادة ) فخرج معه فقتل يوم أحد . [السيرة النبوية لابن هشام ( 2/90 ) ، وراجع كتاب الإيمان والحياة للشيخ يوسف القرضاوي ( ص : 262-266 )]
ولقد كان المؤمن إذا وسوس له الشيطان بالبخل والجبن عندما يلقى عدوه ويشتد النزال في المعركة ، يؤنب نفسه التي تحدثه بالحرص على الحياة مستجيبة لوسوسة الشيطان ، ويخاطبها خطاب من باع نفسه لربه ، فيقول لها :
والله يا نفـسُ لَتَـنـزِلـنَّهْ لَتَنْزِلِنَّ أو لَتُـكرَهِــنَّهْ
إن أجلب الناس وشدوا الرَّنَّهْ ما لي أراك تكرهين الجنه
لطالما قد كنت مطمئنــهْ هل أنت إلا نطفة في شنه
هذه الروح الجهادية وهذه الشجاعة والكرم بالنفس في سبيل الله توجدان في شباب المسلمين في كل عصر ، ما قوي الإيمان في نفوسهم .
وقد سمعنا نماذج في عصرنا هذا من جهاد وكرم وشجاعة أبناء الأمة الإسلامية لا تقل عن نماذج شباب الصحابة رضي الله عنهم
[راجع كتاب : " الإخوان المسلمون وحرب فلسطين " وكتاب " المقاومة السرية في قناة السويس " للأستاذ كامل الشريف ، لتجد نماذج في هذا العصر شبيهة بنماذج الشباب في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم . ولا يخفى على أحد ما قام به شباب هذه الأمة من كل أنحاء العالم في الجهاد الأفغاني الذي جعل الاتحاد السوفييتي – وهو دولة عظمى عددا وعدة - يخرج من أفغانستان يجر أذيال الهزيمة ، وتتمزق دوله التي كان يتكون منها ، ويمنى بأعظم الخسائر الاقتصادية والسياسية ، وهكذا نجد نماذج في كل مكان سنحت فيه الفرصة لجهاد عدوهم ، كأطفال الحجارة في فلسطين ، وشباب المسلمين في الفليبين ، وفي البوسنة والهرسك ، وفي كوسوفو ، وأخيرا في جنوب لبنان الذي هرب منه اليهود صاغرين ، تاركين أسلحتهم وعتادهم بعد أكثر من عشرين سنة من الاحتلال الظالم .
ولو فتح لشباب الأمة الإسلامية الباب لجهاد العدو اليهودي ، لما استقر له قرار في الأرض المقدسة التي دنس فيها بيوت الله – وعلى رأسها المسجد الأقصى ، وانتهك فيها الحرمات ، وصادر أراضي المسلمين ، وهدم بيوتهم وأخرجهم منها]
وما سمعناه ورأيناه من أطفال الحركة الجهادية في فلسطين ، الذين يواجهون دبابات العدو اليهودي ورشاشاته وطائراته ، ويستقبلون كل ذلك برءوسهم وصدورهم وقلوبهم وأعينهم ، دفاعا عن دينهم ومقدساتهم وأرضهم وعرضهم ، وليس في أيديهم من سلاح إلا الحجر والمقلاع ، يدل على أن الإيمان الحق يورث صاحبه كبيرا كان أو صغيرا ، في عصر النبوة أو أي عصر من العصور شجاعة النفس ، وكرمها بالمال ، إيثارا لما عند الله على ما في الدنيا ، ولو كانت هي الحياة .
وإن عدم تعليم أجيال المسلمين دينهم من كتاب ربهم وسنة نبيهم وسيرته العطرة ، وعدم تزكية تلك الأجيال وتربيتها الجهادية بذلك ، لجريمة يعاقب الله عليها كل قادر عليها معرض عنها ، أو محارب لها ، أو ساكت عنها .
وإن من أهم عقاب الله تعالى للأمة المفرطة في ذلك ، أن يسلبها العزة التي لا تنال إلا منه ، ويبدلها بها الذلَّ لأذلِّ أعدائه ، كما هو حالنا اليوم مع اليهود الذين احتلوا أرضنا المباركة ، ودنسوا أقصانا الشريف ، وانتهكوا أعراضنا ، وقتلوا إخواننا المسلمين ، وأخرجوهم من ديارهم ، وخربوا بيوتهم ، مع قلة العدو وكثرتنا ، تحقيقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه عنه ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت ) [ الحديث في سنن أبي داود برقم : 4297 1 - كتبت هذه الأسطر بتاريخ 27/8/1421هـ ـ 23/11/2000م في الوقت الذي كانت الفضائيات الإخبارية تنقل الاعتداء اليهودي نقلا مباشرا على المسلمين في فلسطين ، فتقتل الأطفال والشيوخ والنساء ، وهم في منازلهم ، والنساء يستغثن ويدعون لنجدتهن ، فلا يلبي استغاثتهن ، ولا يستجيب لدعائهن أحد ، وقادة المسلمين وجيوشهم يتفرجون ، وكأنهم لا يعنيهم من الأمر شيء ، ولا يزيدون على تقديم الشكوى إلى النصارى الذين ظاهروا اليهود ولا يزالون يظاهرونهم على المسلمين ، وما سبب ذلك إلا فقد الإيمان أو ضعفه ، لأن الإيمان يجعل المؤمن يتوكل على ربه ، فيكون شجاعا كريما ، يقدم كل ما يملك في سبيل الله ، والله تعالى يثبته وينصره – وإن كان قليل العدد -على عدوه – وإن كان كثير العدد – وأما ضعيف الإيمان أو فاقده ، فيخاف غير الله ويطلب العزة من غير الله ، ويرضى بالذل وينام على الضيم ، فقد العبودية لله فاستعبده عبيد الله]





السابق

الفهرس

التالي


16485336

عداد الصفحات العام

725

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م