﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


2- تعريف الإيمان اصطلاحا

2- تعريف الإيمان اصطلاحا
أما تعريف الإيمان شرعا ، فقد اختلف فيه على أقوال ، ينبغي قبل ذكرها الوقوف على أمرين مهمين :
الأمر الأول : بيان قاعدة شرعية نافعة في هذا الباب وغيره .
وهي : وجوب رد ما اختلف فيه إلى الله ورسوله – أي إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم – والسبب في ذلك أن الله أعلم بمراده من غيره . ورسوله صلى الله عليه وسلم مبلغ عنه ، وهو أعلم بمراد الله الذي بلغ عنه .
وهذه القاعدة يجب اطرادها في كل موضوع يمكن فيه الرجوع إلى الكتاب والسنة ، فكيف إذا كان الخلاف في معنى لفظ صادر عن الله تعالى أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد فسر معناه تفسير ا واضحا في نصوص كثيرة وردت في القرآن والسنة ؟ أيجوز بعد ذلك الاختلاف في ذلك المعنى المفسَّر من قبل الله ورسوله ؟
قال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( [النساء : 59]
وقال تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ( [الأنعام : 153]
وقال تعالى :( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ( [آل عمران : 31]
وقال تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ([ الحشر : 7] وفي الصحيح عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش ، يقول : صبحكم ومساكم ، ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ، ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي) [صحيح مسلم (2/592 )]
وفي حديث العرباض بن سارية الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود و الترمذي : ( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عَضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ) [صحيح مسلم (2/592 )]
والمتتبع لأقوال أهل البدع يجدهم يعرضون نصوص الكتاب والسنة على بدعهم ، فما وافقها أخذوا به ، وما خالفها ردوه ، بالتأويل والفلسفات الدخيلة الفاسدة ، قدوتهم في ذلك المنافقون الذين قال الله تعالى فيهم : ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عند صدودا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا ( [صحيح مسلم (2/592 )]
وهذا بخلاف أهل السنة الذين لا يعدلون عن النص الصحيح والمعنى الشرعي الواضح ، ولا يعارضون ذلك بقول أحد كائنا من كان ، تطبيقا لقوله تعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( [الأحزاب : 36] وتسليما لله القائل : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ( [النساء : 65]
وقد جرت عادة الناس أن يعودوا في الأمور التي تشكل عليهم ويصعب عليهم حلها بأنفسهم إلى ذوي الاختصاص منهم :
فالمصاب بمرض يذهب إلى الطبيب ، ليشخص له الداء ويصف له الدواء ، بل كل طبيب يُرجَع إليه في تخصصه ، فيَرجِع من به مرض باطني إلى الطبيب المتخصص في علاج ذلك … ولا يرجع إلى غيره – مع إلمامه بعلاج كثير من الأمراض .
ولو ذهب المريض إلى نجار ليشخص له الداء ويصف له الدواء لرماه الناس بالجنون .
وصاحب الآلة إذا حصل في آلته خلل رجع إلى المهندس الخبير بإصلاح تلك الآلة ، ولو ذهب إلى خبير بإصلاح آلة أخرى مع جهله بإصلاح تلك الآلة لرماه الناس بأنه أبله …
وقد نبه العلماء على هذه القاعدة ، ومنهم ابن تيمية الذي قال : " ومما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث ، إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم ، ولهذا قال الفقهاء : الأسماء ثلاثة أنواع : نوع يعرف حده بالشرع ، كالصلاة والزكاة ، ونوع يعرف حده باللغة ، كالشمس والقمر ، ونوع يعرف حده بالعرف ، كلفظ القبض ولفظ المعروف ، قوله تعالى : ( وعاشروهن بالمعروف ( [النساء : 19] ونحو ذلك … فاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج ، ونحو ذلك ، قد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ما يراد بها في كلام الله ورسوله ، وكذا لفظ الخمر وغيرها ، ومن هناك يعرف معناها ، فلو أراد أحد أن يفسرها بغير ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه .
واسم الإيمان والإسلام والنفاق والكفر أعظم من هذا كله ، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك ، فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله ، فإنه شاف كاف .
بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة للخاصة والعامة . وأهل البدع إنما دخل عليهم الداخل ، لأنهم أعرضوا عن هذه الطريق ، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها ، إما في دلالة الألفاظ ، وإما في دلالة المعاني المعقولة ، ولا يتأملون بيان الله ورسوله .
وكل مقدمات تخالف بيان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإنها تكون ضلالا " [مجموع الفتاوى ( 7/286-288 )]
ولقد نعى سيد قطب رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه العظيم " في ظلال القرآن " – وهو يقرر أنه لا صلاح ولا طمأنينة ولا رفعة للبشرية إلا بالرجوع إلى الله – نعى على البشرية التائهة اهتمامها بالأجهزة والآلات بالرجوع إلى صانعيها لإصلاحها ، وابتعاد هذه البشرية عن سلوك الطريق نفسه في تطبيق هذه القاعدة في الإنسان بعدم رده إلى صانعه ليهديه السبيل الذي فيه صلاحه في دنياه وفي آخرته !
وخلاصة الكلام أنه يجب الرجوع في فهم مراد الله ومراد رسوله ، في أي معنى من المعاني الواردة في الكتاب والسنة ، إلى نفس الكتاب والسنة ، لأن الله أعلم بمراده ، ورسوله مبلغ عنه ، وقد أكمل الله دينه ببيانه في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وإذا بين الله تعالى مراده فليس لأحد أن يخالف ذلك البيان ، وإذا خالف ذلك لتأويل أو غيره ، فلا يجوز لأحد اتباعه : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ( [الأنعام : 53]
الأمر الثاني : ذكر بعض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في معنى الإيمان ، لاستخلاص التعريف الشرعي منها ، إذ لا يمكن فهم مراد الله ورسوله إلا مما ورد عن الله ورسوله . ولا عبرة بعد ذلك بأقوال المخالفين ، وذكر أقوالهم ، وإنما يراد من ذكرها بيان مخالفتها للحق الذي به يعرف الرجال وليس العكس .
أولا : بعض النصوص القرآنية :
قال تعالى : ( إِنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون . الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم ([الأنفال : 2-4]
فقد حصرت هاتان الآيتان المؤمنين في المتصفين بهذه الصفات التي هي من أجزاء الإيمان :
الصفة الأولى : وجل القلوب عند ذكر الله ، أي خوفها منه تعالى .
الصفة الثانية : ازديادهم إيمانا عندما تتلى عليهم آيات الله .
الصفة الثالثة : التوكل على الله ، أي الاعتماد عليه .
الصفة الرابعة : إقامة الصلاة .
الصفة الخامسة : الإنفاق مما رزقهم الله .
والصفات الثلاث الأولى من أعمال القلوب – إلا أن زيادة الإيمان شاملة لعمل القلب وغيره – وكذلك الرابعة والخامسة شاملتان لأعمال القلوب والجوارح .
ومما يدل على أن هذه الصفات أجزاء للإيمان أمران :
الأمر الأول : الحصر المذكور قبل هذه الصفات في قوله تعالى : ( إنما المؤمنون (
الأمر الثاني : التوكيد البالغ بعد ذكر تلك الصفات في قوله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ( ولا يقال : إن الحصر منصب على المؤمنين لا على الإيمان ، لأن المؤمنين إنما اتصفوا بتلك الصفات لكونها من الإيمان .
وقال تعالى : ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ( [السجدة : 15-16]
فقد حصرت الآيتان الكريمتان الإيمان في المتصفين بهذه الصفات المذكورة فيهما ، وهي : السجود لله عند التذكير بآياته ، والتسبيح بحمده ، والخضوع له بعبادته وعدم الاستكبار عنها ، ومفارقتهم للمضاجع في الأوقات التي تشتد حاجتهم إلى الالتصاق بها ، من أجل إقبالهم إلى الله تعالى ، ودعاء الله تعالى ، وخوف عقابه ، والطمع في مثوبته وأجره ، والإنفاق من رزقه في طاعته .
فالسجود والتسبيح والدعاء والإنفاق ومفارقة المضاجع ، من أعمال الجوارح . والخضوع لله الذي تضمنه ترك الاستكبار ، والخوف من عقاب الله والطمع في ثوابه من أعمال القلوب .
وهذا يدل على أن تلك الصفات كلها من أجزاء الإيمان .
وقال تعالى : ( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ( [المائدة : 81]
فالآية تدل على أن موالاة أعداء الله وميل القلب إليهم ونصرهم ينافي الإيمان الواجب .
وقال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ( [الحجرات : 15]
وهذه الآية تدل على أن استمرار اليقين في القلب الذي هو ضد الشك والريب ، وكذلك الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس من الإيمان ، وانتفاء ذلك يدل على انتفاء الإيمان الواجب .
والتصديق الذي لا يخالطه شك من الإيمان ، وهو من أعمال القلب ، والجهاد من الإيمان وهو من أعمال الجوارح .
وقال تعالى : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ( [البقرة : 143]
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية ما يدل على أن المراد بالإيمان هنا الصلاة ، لأنها نزلت في قوم ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس – قبل الأمر بالتوجه إلى الكعبة – فتساءل ناس عنهم ، أي عن حكم صلاتهم التي لم يتوجهوا بها إلى بيت الله الحرام ؟ فنزلت الآية تطمئن المتسائلين على أنهم مثابون على صلواتهم كما يثاب غيرهم ممن أدرك القبلة الجديدة .
وهذا يدل على أن الصلاة - بكل ما فيها من قراءة وذكر وقيام وقعود وخشوع – من الإيمان .
ومن الآيات السابقة – وغيرها كثير – يظهر أن الشارع يطلق لفظ الإيمان على التصديق الجازم بالقلب كما في قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ( وعلى أعمال القلب غير التصديق كما في قوله تعالى : ( إنما المؤمنون الذي إذا ذكر الله وجلت قلوبهم … وعلى ربهم يتوكلون ( ويطلق على أعمال الجوارح ، كقوله تعالى : ( إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم … تتجافى جنوبهم عن المضاجع …ومما رزقناهم ينفقون (
ثانيا : نصوص من السنة :
دلت نصوص السنة الصحية – كما دلت نصوص القرآن – أن لفظ الإيمان يطلق على تصديق القلب وعمله ، وعلى قول اللسان وعمل الجوارح .
فقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث جبريل بالاعتقاد القلبي ، فقال : ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ) [البخاري (4/1793 ) ومسلم ( 1/37 ) واللفظ له]
والأمر هكذا عندما يقترن الإيمان بغيره ،مثل لفظ الإسلام ، أو العمل الصالح . أما عند إطلاقه بدون أن يقترن بغيره ، فإنه يشمل ذلك كله . بل إن الإيمان قد أطلق شرعا على الأعمال الظاهرة ، كما في حديث وفد عبد القيس المتفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( أمرهم بالإيمان بالله وحده ) قال : ( أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان ، وأن تعطوا من المغنم الخمس . ) [البخاري ( 1/ 29 )]
فقد أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان في هذا الحديث على ما أطلق عليه لفظ الإسلام في حديث جبريل – عدا الحج لم يذكره هنا لأنه لم يكن فرض آنذاك ، وزاد هنا أداء خمس المغنم –كما أُطلِق لفظ الإيمان على ما يشمل اعتقاد القلب وتصديقه ، وعلى قول اللسان وعمل بقية الجوارح ، ففي في صحيح مسلم : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة – أو بضع وستون شعبة – فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان . ) [البخاري ( 2 / 871 ) ومسلم ( 1/ 63 )]
وقد يطلق الإيمان على عمل القلب فقط كما ، في حديث أنس رضي الله عنه المتفق عليه الذي قال فيه صلى الله عله وسلم : ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ) [البخاري ( 1/ 16 ) ومسلم ( 1/ 66 )]
قد يقال : إن ما توجد به حلاوة الإيمان لا يلزم أن يكون جزءا من الإيمان. والجواب أن هذا ادعاء غير صحيح ، بدليل حديث العباس رضي الله عنه الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا )[ مسلم (1/62 )]. ومما لا شك فيه أن من لم يرض بهذه الأمور الثلاثة لا يكون مؤمنا ولا فرق بين قوله ( ذاق الإيمان ) وقوله ( وجد حلاوة الإيمان )
و في حديث أنس بن مالك المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) [البخاري ( 1/ 14 ) ومسلم ( 1/ 67 )] ومثل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) [البخاري ( 1/ 14 ) ومسلم ( 1/ 67 )]
والخصلة المفروضة التي ينفِى الشارعُ الإيمانَ الكاملَ الواجبَ لانتفائها هي جزء من الإيمان ، وإلا لما صح نفيه بانتفائها .
وقد دلت نصوص أخرى على نفي الإيمان الكامل الواجب عمن تلبس ببعض المعاصي ، كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ) [البخاري ( 2/ 875 ) ومسلم ( 1/ 76 )]
وهذا يدل على أن ارتكاب المعاصي ينافي الإيمان الكامل الواجب .
وورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم إدخال بعض أركان الإيمان في مسمى الإسلام ، كما في سنن ابن ماجه [السنن (1/34) قال المحشي : " في الزوائد هذا إسناد ضعيف . " ويراجع جامع العلوم والحكم ( ص : 24-27 ) ] من حديث عدي بن حاتم ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عدي أسلم تسلم ) قلت : وما الإسلام ؟ قال أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وتشهد أني رسول الله ، وتؤمن بالأقدار خيرها وشرها حلوها ومرها )
فقد جعل الإيمان بالقدر ، وهو من أركان الإيمان جزءا من الإسلام .
وأجاب صلى الله عليه وسلم من سأله : أي الإسلام أفضل ؟ بقوله :
(الإيمان ) السنن (1/34) قال المحشي : " في الزوائد هذا إسناد ضعيف . " ويراجع جامع العلوم والحكم ( ص : 24-27 )
وهذه كلها من أعمال القلب كما ترى .
كما أُطلِق " الإيمان " على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، والإنفاق في سبيل الله ، والسجود لله عند التذكير بآياته ، و التجافي عن المضاجع للإقبال على عبادة الله ، وقول لا إله إلا الله ، وإماطة الأذى عن الطريق ، وإعطاء خمس المغنم ، وترك إيذاء الجار ، وإكرام الضيف ، وقول الخير ، والكف عن قول الشر .
وهذه كلها من أفعال الجوارح – وإن كانت النية فيها وفي غيرها من طاعة الله – من أعمال القلب ، لأنه لا يقبل عمل بدون نية .
وإذ قد تقرر أنه يجب الرجوع إلى الله وإلى رسوله في فهم مراد الله ورسوله مما ورد في القرآن أو السنة ، وقد أطلق الله ورسوله على هذه الأمور وغيرها ما يدل على أنها من الإيمان ، وجب التسليم بذلك وعدم الجدال فيه أو تأويله تأويلا ينافي ما قام الدليل على أنه المراد .
وعلى ضوء ما مضى نستطيع أن نعرف الإيمان بما عرفه به المحققون من علماء الأمة ، مما يتطابق مع تلك ، يخالف النصوص ، ونذكر شيئا مما يخالف ذلك .






السابق

الفهرس

التالي


16477573

عداد الصفحات العام

1251

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م