﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


مناقشة هذا الدليل .

مناقشة هذا الدليل .
وقد رد المخالفون لهذا التعريف على هذا الاستدلال بثلاثة أوجه :
الوجه الأول : يتعلق بدعوى أن الإيمان في اللغة التصديق ، وقد سبق الكلام على هذا الوجه في أول البحث ، فلا حاجة إلى تكراره .
الوجه الثاني : منع الترادف بين الإيمان والتصديق لفروق ثلاثة بينهما :
الفرق الأول : فرق لغوي ، وهو أن التصديق يتعدى بنفسه ، فيقال : صدقه ، بخلاف الإيمان فإنه لا يتعدى بنفسه ، وإنما يتعدى باللام ، كما سبق في قوله تعالى : ( وما أنت بمؤمن لنا ( [يوسف: 17] وقوله : ( فآمن له لوط ( [العنكبوت: 26] وقوله :( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ( [يونس: 83] وقوله تعالى عن فرعون : ( آمنتم له( [طه : 71 ، الشعراء : 49] وقوله : ( أنؤمن لك ( [الشعراء 111] وقوله : ( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ( [التوبة 61] وقوله : ( أنؤمن لبشرين ( [المؤمنون: 47] وقوله : ( وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ( [الدخان: 21] .
ولا يرد على هذا جواز أن يقال : ما أنت بمصدق لنا ، لأن اللام تدخل على المعمول إذا ضعف العامل ، إما بتقديم المعمول عليه ، كما في قوله تعالى : ( هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون ( [الأعراف : 154] وإما لكونه اسم فاعل كما في المثال المذكور : (ما أنت بمصدق لنا (.
الفرق الثاني : أن التصديق صالح لكل مخبر ، سواء أخبر عن غيب ، أم عن مشاهدة ، فيصح أن يقال : للمخبر بوجود الملائكة – وهو من الغيب – صدقتك ، كما يصح أن يقال للمخبر بطلوع الشمس - وهو من المشاهدة - : صدقتك . بخلاف الإيمان فإنه لا يستعمل إلا في الخبر عن غيب ، ولم يرد في القرآن إلا بهذا المعنى .
الفرق الثالث : أن التصديق يقابله التكذيب ، فيقال : صَدَّق أو كذَّب،
أما الإيمان فيقابله الكفر ، والكفر لا يختص بالتكذيب ، بل يكون بالتكذيب وبغيره ، كموالاة أعداء الله ومناصرتهم على المؤمنين ومتابعتهم في محاربة دين الله بالقول والفعل .
وإذا كان الكفر لا يختص بالتكذيب ، فالإيمان لا يختص بالتصديق .
الوجه الثالث : لو سلمنا بأن الإيمان يرادف التصديق ، فليس في ذلك حجة على اختصاصه بتصديق القلب ، لأمرين :
الأمر الأول : أن العمل يسمى في الشرع تصديقا ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( العينان تزنيان وزناهما النظر ، والأذن تزني وزناها السمع ، واليد تزني وزناها البطش ، والرجل تزني وزناها المشي ، والقلب يتمنى ذلك ويشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ) [البخاري من حديث أبي هريرة ، رقم : 5889 . ومسلم ، برقم : 2657]
وهذا ما فهمه السلف الصالح ، وهم أقرب إلى فهم الشرع واللغة معا ، قال الحسن البصري : " ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل "
الأمر الثاني : أنه يراد – هنا – بالتصديق تصديق خاص ، فسرته النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ، مثاله : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والوضوء ، وغيرها من الألفاظ التي أطلقها الشارع على معان خاصة .
فكما أن الصلاة يراد بها معنى خاص يشتمل على تكبير وقراءة وركوع وسجود وقيام وقعود ، وذكر ودعاء ، وليس مجرد الدعاء الذي كانت تعنيه لغة العرب قبل الإسلام ، وكما أن الزكاة يراد بها معنى خاص ، وهو إخراج الغني جزءا من مال خاص يصرف في وجوه خاصة ، ولا يراد بها المعنى الذي كانت تعنيه لغة العرب قبل الإسلام ، وهو مجرد الطهارة أو النماء ، وكما أن الحج يراد به قصد خاص يشتمل على ألفاظ وأركان وأفعال وشروط وواجبات ومستحبات ، ولا يراد به مجرد القصد الذي كان يعنيه العرب قبل الإسلام ، وهكذا بقية الألفاظ الشرعية التي أطلقت على معان خاصة في الإسلام ، ولم تبق على أصلها اللغوي ، فكذلك لفظ الإيمان أطلق على تصديق خاص محدد بينته نصوص القرآن والسنة بيانا شافيا كافيا أكثر من بيان معان أخرى ، وهو جدير بالبيان ، لأنه أصل الجميع ، ولأنه يتوقف على فهمه وتطبيقه السعادة العظيمة في الدنيا والآخرة ، ويترتب على عدم تصور حقيقته المرادة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم الشقاء والخسارة في الدنيا والآخرة .
الوجه الرابع : دعوى أن إطلاق لفظ الإيمان على العمل من باب الإطلاق المجازي ، هي دعوى باطلة لأمور :
الأمر الأول : أن في القول بالمجاز خلافا ، وقد رده ابن تيمية وذكر أن القول بالمجاز لم يظهر إلا متأخرا ، و مع ثبوته لا يجوز جعله أصلا يرجع إليه ، وبخاصة في المصطلحات الشرعية المتعلقة بأصل من أصول الدين وهو : " الإيمان " الذي بينته نصوص الوحي من القرآن والسنة .
الأمر الثاني : أن المجاز إنما يصار إليه عندما يتعذر حمل اللفظ على معناه الحقيقي ، وتدل القرائن على إرادة المعنى المجازي ، ولا دليل هنا على ذلك ، بل الألفاظ الواردة في هذا الباب تدل دلالة واضحة على أن الأعمال الصالحة جزء من الإيمان والنصوص الشرعية هي المرجع في ذلك ، كما مضى .
الأمر الثالث : أن الحقيقة ليست مقصورة على الحقيقة اللغوية ، بل هناك حقيقة عقلية ، وحقيقة ، شرعية ، وحقيقة عرفية ، فلو فرض أن الأعمال الصالحة لا يدخل في الإيمان في الحقيقة اللغوية ، فقد دخل في الإيمان في الحقيقة الشرعية ، وهي المعتبرة هنا دون سواها مما يخالفها ، ولهذا يمتنع تأويل العمل الصالح عندما يطلق عليه لفظ الإيمان بأنه ثمرته ، لأن ذلك مخالف لما دلت عليه النصوص الشرعية . وبهذا يعرف أن هذا الاستدلال لا ساق له و لا قدم .
الدليل الثاني – من أدلة من نفى دخول الأعمال الصالحة في لفظ الإيمان – أن العمل الصالح قد عطف على الإيمان في نصوص كثيرة ، وهذا يدل على أن العمل ليس جزءا من الإيمان ، لأن العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، فالمعطوف ليس هو المعطوف عليه ، بل هو غيره . مثال ذلك: أن تقول : رضي الله عن الخليفتين أبي بكر وعمر ، فلا يصح أن يقال : إن عمر هو أبو بكر ، وكذلك العمل الصالح المعطوف على الإيمان هو غير الإيمان .
والجواب على ذلك التسليم بأن العطف يقتضي المغايرة – في الجملة – ولكن المغايرة لها مراتب :
المرتبة الأولى : يكون فيها المعطوف مباينا للمعطوف ومغايرا له ، بأن لا يكون أحدهما هو الآخر ولا جزءا منه ولا لازما له ، مثل : جبريل وميكال ، فميكال ليس هو جبريل ولا جزءا منه ولا لازما له . وهذه المرتبة هب التي يصح الاستدلال بها في هذا المقام ، لو كان العمل والإيمان متباينين هذا التباين ، وهو بعيد كل البعد كما تبين من النصوص السابقة وسنزيده وضوحا في الفقرات الآتية .
المرتبة الثانية : أن يكون أحدهما – المعطوف أو المعطوف عليه – مستلزما للآخر ، كقوله تعالى : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق .. ( [البقرة : 42]
فَلَبْسُ الحق بالباطل – أي خلطه به – يستلزم كتم الحق ، وكتم الحق يستلزم خلطهما .
وإذا استدل المستدل بهذا النوع من العطف وأقر أن الإيمان مستلزم للعمل الصالح ، والعمل الصالح مستلزم للإيمان – كما هو شان الإمام أبي حنيفة رحمه الله – فخلافه مع الجمهور خلاف لفظي من حيث النتيجة ، وإن كانت النصوص لا تؤيده ، لأنها صريحة في أن العمل الصالح جزء من الإيمان شرعا .
المرتبة الثالثة : أن يكون المعطوف جزءا من المعطوف عليه ، كقوله تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ([البقرة : 238] وعطف العمل على الإيمان هو من هذه المرتبة ، كما مضى ، وإنما أفرد المعطوف للاهتمام به ولئلا يظن عدم دخوله في المعطوف عليه .
المرتبة الرابعة : أن يعطف الشيء على نفسه لتنوع صفاته ، كقوله تعالى : ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ([ الأعلى: 2-3] فالمعطوف – الذي هو اسم الموصول الثاني – هو نفس المعطوف عليه _ اسم الموصول الأول – لأنهما عبارة عن الذات الإلهية ، ولكن الصفتين اللتين وصف بهما المعطوف عليه - وهما خلق فسوى – غير الصفتين اللتين وصف بهما المعطوف – وهما قدر فهدى – وليس في هذه المرتبة ما يستدل به على مذهب من يرى أن العمل ليس جزءا من الإيمان .
وبهذا يظهر أن هذا الاستدلال كسابقه لا ينهض لمعارضة أدلة الجمهور ولا يقف في وجهها .
الدليل الثالث – من أدلة من لا يرى دخول العمل في لفظ الإيمان – حديث جبريل الذي فرق فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في مقام البيان والتعريف ، بين الإيمان والإسلام الذي هو العمل الصالح ، والجواب عن سئوال. فعندما سئل عن الإيمان ؟ أجاب بقوله : ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره )
وعندما سئل عن الإسلام ؟ أجاب بقوله : ( أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، إن استطعت إليه سبيلا )
فقد خص صلى الله عليه وسلم الإيمان بالقلب ، وخص الإسلام بالجوارح، وهذا فرق واضح بين الإيمان والعمل الصالح صادر عن الشارع .






السابق

الفهرس

التالي


16477582

عداد الصفحات العام

1260

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م