﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


صعوبة الإخلاص وسببها:

صعوبة الإخلاص وسببها:
ويجب أن يعلم المؤمن أن الإخلاص لله تعالى في العمل، فعلاً أو تركاً سهل على اللسان، ولكنه من أصعب الأمور على القلوب، وليس كما يقول بعض الناس: إن الإخلاص سهل، نعم هو سهل على من جاهد نفسه في إرادة وجه الله جهاداً مستمراً صادقاً لا ينقطع، في كل ما يريد التقرب به إلى الله تعالى، وأعانه الله على جهاده. وسبب صعوبته أن نفس الإنسان تتوق غالباً إلى الثناء عليها من الناس، كالقول عنه: إنه رجل كريم، أو رجل شجاع، أو تقي ورع، أو ذو أخلاق حسنة، أو يكثر من الصلاة ويحسن صلاته، أو عالم فاضل، وقد تتشوف نفس العبد من أعمال صاحبها إلى مصالح تعود عليه من الناس، من منصب يحصل عليه، أو مال يحوزه، أو رتبة علمية يحترمه الناس بسببها، أو غير ذلك مما يصعب حصره، فيقوم بالعمل الذي ظاهره لله تعالى وهو في حقيقة الأمر منصرف قلبه عن الله، ملتفت إلى سواه.
ما يعين المؤمن على صعوبة الإخلاص:
ويعين العبد على تجاوز هذه الصعوبة في الإخلاص الأمورُ الآتية:
الأمر الأول :تَذَكُّر أمَرِ الله تعالى له بالإخلاص في عمله وعدم الالتفات إلى غيره في كل أعماله، كما مضى قريباً، وأمر الله واجب التنفيذ، ومخالفة الأمر توجب الإثم والعقاب، وبخاصة الإخلاص الذي يعتبر أحد ركني العبادة، الأمر الثاني: منهما اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثالث: مما يعين المسلم على الإخلاص: أن يذكر الأستاذُ وتلاميذُه أن المخلوقين مهما عظمت منزلتهم فهم مخلوقون، لا يقدرون أن ينفعوهم بشيء ولا يضروهم.
الأمر الرابع: مما يعين المسلم على الإخلاص: أن يتذكروا عظمة الله الخالق الذي إذا أراد شيئاً فـ{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. [يس 82] فإنَّ تذكر الأمرين: ضعفِ المخلوق وعجزِه، وقوةِ الخالق وقدرتِه وعظمتِه، من أهم ما يعين على إخلاص الأعمال لله تعالى.
الأمر الخامس مما يعين المسلم على الإخلاص مجاهدة النفس على الإخلاص له تعالى، والله تعالى يقول في كتابه الكريم: {وَجَاهِدُوا
فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ (78)}
. [لحج]
قال القرطبي رحمه الله في تفسير الآية: "قوله تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده} قيل: عَنَى به جهاد الكفار. وقيل: هو إشارة إلى امتثال جميع ما أمر الله به، والانتهاء عن كل ما نهى الله عنه؛ أي جاهدوا أنفسكم في طاعة الله وردُّوها عن الهوى، وجاهدوا الشيطان في ردِّ وسوسته، والظَّلَمَةَ في رد ظلمهم، والكافرين في رد كفرهم". انتهى والذي يظهر أن المجاهدة هنا شاملة لجهاد المسلم نفسه وإلزامها بكل ما يرضي ربه من قول أو عمل أو اعتقاد، ومن ذلك جهاد الكفار المشروع، والمجاهدة القلبية في إخلاص العمل لله تعالى.
الأمر السادس: مما يعين المسلم على الإخلاص لله، خطر الرياء على حبوط الأعمال التي ظاهرها الصلاح، ونذكر لذلك مثالاً من السنة صريحاً غاية الصراحة في حبوط عمل مَن لم يخلص لله فيه، بل تثبت أن بعض المرائين يجدون أنفسهم يوم القيامة ممن يسحبون على وجوههم في نار جهنم، بعد أن يكذبهم الله في دعوى أنهم عملوا ما عملوه له تعالى، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار)
. [صحيح مسلم (3/1513) وأخرجه غيره من أهل السنن.

الأمر السابع: مما يعين المسلم على الإخلاص لربه، عدم الاغترار بالعمل الذي يقوم به؛ لأن عباد الله الصالحين يقومون بالأعمال الصالحة وهم في خوف شديد من عدم قبولها، لأي سبب من الأسباب التي عملوها لأمر يعلمه الله وهم لا يعلمونه، فهذا الخوف الذي يرافق أعمالهم يدل على عدم الاغترار بها، ويدفعهم إلى المزيد من الأعمال الصالحة والمسارعة فيها، وإخلاصها لربهم، كما قال تعالى عنهم: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}. [المؤمنون]
الأمر الثامن: مما يعين المسلم على الإخلاص، لجوؤه إلى ربه تعالى في كل أحواله، وبخاصة عندما يريد أن يؤدي عملاً يتقرب به إلى الله، يلجأ إليه ويدعوه أن يوفقه ويعينه على الإخلاص له في عمله فيقول: اللهم أعني على إخلاص عملي لوجهك الكريم، لا تشوبه شائبةُ رياءٍ لأحد، فإذا دعاه صادقاً راجياً منه ذلك أعانه وأذهب عنه الالتفات إلى سواه، ووقاه وساوس الشيطان وهوى النفس الأمارة بالسوء؛ وقد لجأ إبراهيم عليه السلام إلى ربه في أن يعينه على عبادته، وذلك شامل لأدائها، والإخلاص فيها: كما قال تعالى عنه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)} [إبراهيم] ولأنه تعالى قد وعد عباده الاستجابة لدعائهم إذا صدقوا فيه، كما قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. [لبقرة 186] وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}. [غافر 60]
ولا سيما دعاء المؤمن ربه في أوقات الإجابة، مثل دعائه في جوف الليل الذي يدفعه إيمانه بربه وخوفه منه، إلى هجر ما هو شديد الحب له، والركون إليه؛ من نوم عميق، وراحة مرغوبة، على فراش وثير، وخل أثير، يهجر ذلك طمعاً في رضا الله وثوابه، والفوز بما خفي عنه من قرة أعين، وخوفاً من سخط الله وعقابه، فهو خائف طامع عامل منافس، كما قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. [16-17]
الأمر التاسع: مما يعين المسلم على الإخلاص، شدَّة الرغبة في محبة مرافقة سادة المخلصين وقادتهم ـ ذلك الركب العظيم ـ والسير في دربهم، وهم الذين قال الله تعالى عنهم: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}. [لنساء 69]
والمرء مع من أحب: كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: (وما أعددت للساعة؟) قال: حب الله ورسوله، قال: (فإنك مع من أحببت). قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنك مع من أحببت) قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم". [لبخاري (5/2283) ومسلم (4/2032) واللفظ له.]
تحين أوقات الإجابة: يتحين المؤمن الأوقات التي هي مظنة للفوز بالمطلوب في أوقات الإجابة، كما يتحين الصائد الماهر اللحظة التي يتمكن فيها من إصابة فريسته، ومن الأوقات التي حض على اغتنامها الرسول صلى الله عليه وسلم، ما روى أبو سعيد وأبو هريرة رضي الله عنهـما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا، فيقول هل من مستغفر هل من تائب هل من سائل هل من داع حتى ينفجر الفجر). [صحيح مسلم (1/523).] وفي رواية عنهما: (إذا مضى شطر الليل أو ثلث الليل، أمر منادياً فنادى هل من داع فيستجاب له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فيتاب عليه؟).
ومثل ذلك ساعة الإجابة يوم الجمعة التي ينبغي أن يحرص المسلم في اللجوء إلى الله ودعائه، على كل وقت في هذا اليوم، لعدم وجود نص صريح بتعيين زمن الساعة فيه، كليلة القدر. روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: "قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (في يوم الجمعة ساعة، لا يوافقها مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله خيراً إلا أعطاه). وقال بيده، قلنا: يقللها، يزهدها". [خرجه البخاري، في باب الساعة التي في يوم الجمعة]
وقد أشار الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه للحديث في الباب المذكور: "أن أصح الأحاديث الواردة في تعيين هذه الساعة وهما حديثان، أحدهما أنها من جلوس الخطيب على المنبر إلى انصرافه من الصلاة، والثاني أنها من بعد العصر إلى غروب الشمس". وقال في باب آخر ذكره البخاري بعنوان: "باب الدعاء في الساعة التي في يوم الجمعة": "وقد ذكرت شرحه هناك ـ أي في باب الساعة التي في يوم الجمعة ـ واستوعبت الخلاف الوارد في الساعة المذكور فزاد على الأربعين قولاً". ثم قال: واتفق لي نظير ذلك في ليلة القدر، وقد ظفرت بحديث يظهر منه وجه المناسبة بينهما في العدد المذكور وهو ما أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة من طريق سعيد بن الحارث عن أبي سلمة قال: قلت يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة، فقال سألت عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال (إني كنت أُعلِمتُها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر) وفي هذا الحديث إشارة إلى أن كل رواية جاء فيها تعيين وقت الساعة المذكورة مرفوعاً وهم. والله اعلم". انتهى.
الأمر العاشر: مما يعين على الإخلاص: البعد عن صحبة الذين يحبون الثناء بما يفعلون وما لا يفعلون ومجاهدة النفس عن الانبساط لذلك وحبه، فإن مصاحبة العبد لمن يأنسون لذلك عامل من عوامل تعلق القلب بمراءآة المخلوقين، كما قال تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. [ل عمران 188]
على عكس ما سبق من صفات عباد الله الصالحين الذين يؤدون الأعمال لله تعالى ولا يغترون بما عملوا، بل إنهم يخافون من رجوعهم إلى الله ولقائه، خوفاً يدفعهم إلى المزيد من الأعمال الصالحة: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)}. [لمؤمنون]
فهؤلاء ينبغي أن يحرص المؤمن على صحبتهم والاقتداء بهم، ومعلوم ما يفوز به من رافق جلساء الصلاح الفضلاء، وما يحصده من صاحب أهل السوء الأشقياء، وفي أمثال القرآن والسنة هداية وعبر:
اقرأ قصة ذينك الرجلين الذين أراد أحدهما إضلال الآخر في الدنيا، كيف صبر المؤمن على مبدئه، وعصى قرينه الذي حاول إضلاله، ففاز بنعيم الله، فذكر قرينه بسوء عمله، وفاز بنعيم الله وشكره على تثبيته على الإيمان، الذي جعله يدعو رفاقه في الجنة إلى الاطلاع على ما لاقاه قرين السوء من إهانة وعذاب، كما قال تعالى: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ(61)}.[لصافات]
واقرأ قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتىَ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29)}. [لفرقان]
واقرأ قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)}. [لزخرف]
وقارن بين من رافق أهل الصلاح ومن صاحب أهل الفساد، وكيف يتمنى هذا الأخير يوم القيامة أن يكون صَاحَبَ الصالحين وابتعد عن الفاسدين بعد أن عاين عقاب الله وقد فات الأوان؟!
وقد لا يكون القرين المضل عن الصراط المستقيم مضلاً عن الدين كله كما هو شأن الشيطان واتباعه من الكفار، بل قد يكون مضلاً عن بعض طاعات الله ومغرياً ببعض معاصيه، كبعض المسلمين الذين لا يستطيع الشيطان أن يغويهم عن دين الإسلام فيخرجهم منه إلى الكفر، بل يغويهم بارتكاب بعض المنكرات وترك بعض الطاعات، فيغوون هم غيرهم من المسلمين بنفس ذلك الإغواء.
وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة). [صحيح البخاري (5/2104) وصحيح مسلم (4/2026).]
فإذا أتاح الله سبحانه وتعالى، للمؤمن قدوة حسنة من عباده الصالحين الذين فقههم الله في دينه من كتابه وسنة رسوله  فاجتهدوا في تزكية أنفسهم بطاعته وأكثروا من ذكره، فامتلأت قلوبهم بمحبته وعظمته ودأبوا على خشيته والإخلاص له لا يلتفتون في أعمالهم إلى سواه، فليحرص على مجالستهم وصحبتهم؛ لأنهم سيصقلون بما آتاهم الله من علم وعمل وتقوى وورع، مَن جالسهم وصحبهم بإذن الله.
{وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً}.[لنساء 69]
وكم من أستاذ كان ظاهِرُه الصلاحِ، يراه الناس مربياً لغيره تربية إسلامية، فصار ضحيةً لبعده عن الصالحين واقترابه من الفاسدين، وكم من تلميذ صالح يعتاد المساجد، ويؤمن بالله ورسوله والإسلام، ويحب ما يحبه الله ورسوله، هوى في حمأة الرذيلة والإلحاد بسبب جليس سوء.
فعلى الأستاذ والطالب معاً الحفاظ على مرافقة عباد الله الصالحين، والبعد عن صحبة أتباع الهوى والشيطان.
وبذلك يمكن البُعد عن المحرمات، وفعل الطاعات، وعدم إضاعة الوقت فيما يضر، أو فيما لا ينفع، فقد خلق الله الليل والنهار، خِلفةً لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكوراً.




السابق

الفهرس

التالي


16306888

عداد الصفحات العام

3391

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م