إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكم عقد الهدنة مع العدو(13)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكم عقد الهدنة مع العدو(13)



    متى يشرع للمسلمين نبذ العهد إلى عدوهم؟

    الأصل عند المسلمين الوفاء بالعقود والعهود، امتثالا لأمر الله تعالى واقتداء بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)) [(1) المائدة]

    وقال تعالى: ((وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا)) [الإسراء (34)]

    ولا فرق في وجوب الوفاء بالعهد، بين أن يكون المعاهَد مسلما أو كافرا، ولهذا قال تعالى:

    ((إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [التوبة (4)]

    وَقَالَ: ((إلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)) [التوبة (7)]

    وسبق قريبا ذكر بعض الأحاديث الموجبة للوفاء بالعهد، حيث جعل الرسول صلى الله عليه وسلم، الغدر من صفات المنافقين: (أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، و من كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا حدث كذب، و إذا و عد أخلف، و إذا عاهد غدر، و إذا خاصم فجر). هذا هو الأصل عند المسلمين، وهو الوفاء بالعقود والعهود، وعدم نقضها بغير سبب شرعي.

    ولكن الله تعالى يعلم بأن غالب أعداء المسلمين، لا يفون لهم بعهودهم، كما يفي لهم بذلك المسلمون، بل يخونونهم ويغدرون بهم، ولهذا حذر الله تعالى المسلمين من خيانة أعدائهم وغدرهم بهم، وأمرهم بالتنبه لهم واليقظة لخداعهم، وأمرهم إذا ظهرت لهم أمارات الخيانة منهم، أن يطرحوا إليهم عهودهم بوضوح تام، حتى يكونوا على علم مساو لعلم المسلمين، بأنهم لم يعودوا في حالة سلم، بل أصبحوا في حالة حرب، كما كانوا قبل المهادنة، فقال تعالى:

    ((وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين)) [الأنفال (58)]

    وهذا من محاسن الإسلام وخلال المسلمين: أمانة لا خيانة، وصدق لا كذب، ووفاء لا غدرن بخلاف أعدائهم في ذلك كله.

    ومن هنا يجب فهم أمر الله للمسلمين، بالميل إلى السلم، إذا مال عليه عدوهم، كما سبق في قوله تعالى: ((وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم)) [الأنفال (61)] فلا يجوز أن يسالم المسلم من لا يسالمه، ولا يجوز أن يدعو عدوه إلى السلم وهو قوي قادر، أن يخضع لعدوه ويتخلى عن إخراج الناس من الظلمات إلى النور، برفع راية الجهاد في سبيل الله، الذي لا يرهب طغاةُ الأعداء سواه، ولا يَقِفُهم عن العدوان على المسلمين وغيرهم غيرُه.

    وهذا ما سطره الواقع في تاريخ الأمم قديما وحديثا، ونحن اليوم نشاهده في عدوان اليهود وأعوانهم من النصارى المعتدين، في كل البلدان الإسلامية، وبخاصة في أرض فلسطين المباركة، التي لا يخفى شأنها على أحد.

    ولا يجوز كذلك أن يخدع المسلمين أعداؤُهم، فيُخدعوا، فلا زال خداع أعدائهم وخيانتهم لهم مستمرة، من المشركين في الجزيرة العربية، ومن اليهود في المدينة النبوية، ومن جميع الوثنيين في بلاد فارس والهند وما وراء النهرين، ومن النصارى في كل البلدان والأزمان، من يوم شرقت شمس الإسلام، إلى يومنا هذا، وكيف يخدعهم عدوهم، وقد بان الصبح لذي عينين؟

    للمسلمين مع عدوهم المعاهد أربع حالات:

    الحالة الأولى: أن يغلب على ظنهم وفاؤهم بالعهد، فعلى المسلمين الوفاء بعهدهم، وعدم نقضه، كما مضى.

    الحالة الثانية: أن يتوهموا نقضهم العقد، بدون أمارة تدل عليه، وحكم هذه الحالة حكم الحالة الأولى، لأن مجرد الخوف بدون دليل لا يسوغ لهم نقض العهد، وإن كان يجب عليهم الحذر.

    وهذا قال ابن قدامة: "فصل وإن خاف الإمام نقض العهد منهم، جاز أن ينبذ إليهم عهدهم لقوله تعالى ((وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء)) الأنفال. يعني أعلمهم بنقض العهد، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم، ولا يكتفي بمجرد الخوف" [الكافي (4/345)

    وقال ابن العربي، رحمه الله: "الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إنْ قِيلَ : كَيْفَ يَجُوزُ نَقْضُ الْعَهْدِ مَعَ خَوْفِ الْخِيَانَةِ, وَالْخَوْفُ ظَنٌّ لاَ يَقِينَ مَعَهُ, فَكَيْفَ يَسْقُطُ يَقِينُ الْعَهْدِ بِظَنِّ الْخِيَانَةِ؟

    فَعَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَوْفَ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْيَقِينِ, كَمَا يَأْتِي الرَّجَاءُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ; كَقَوْلِه: ((لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)) .

    الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ آثَارُ الْخِيَانَةِ, وَثَبَتَتْ دَلاَئِلُهَا وَجَبَ نَبْذُ الْعَهْدِ, لِئَلاَّ يُوقِعَ التَّمَادِي عَلَيْهِ فِي الْهَلَكَةِ, وَجَازَ إسْقَاطُ الْيَقِينِ هَاهُنَا بِالظَّنِّ لِلضَّرُورَةِ, وَإِذَا كَانَ الْعَهْدُ قَدْ وَقَعَ فَهَذَا الشَّرْطُ عَادَةٌ, وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لَفْظًا; إذْ لاَ يُمْكِنُ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا" [أحكام القرآن في تفسير الآية، وراجع تفسير القرطبي.]

    الحالة الثالثة: أن تظهر لهم أمارات ودلائل على إرادتهم الخيانة ونقض العهد على غرة من المسلمين، وهذه الحالة هي التي يجب على المسلمين، أن ينبذوا إليهم عهدهم على سواء.

    والراجح في معنى قوله تعالى ((على سواء)) ما قاله الجصاص:"أَلْقِ إلَيْهِمْ فَسْخَ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ مِنْ الْعَهْدِ وَالْهُدْنَةِ، حَتَّى يَسْتَوِيَ الْجَمِيعُ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ. ... لِئَلاَّ يَتَوَهَّمُوا أَنَّك نَقَضْت الْعَهْدَ بِنَصْبِ الْحَرْبِ" [أحكام القرآن]

    الحالة الرابعة: أن يظهر المعَاهَدون خيانتهم، بحيث يعملون ما هو نقض صريح للعهد، وفي هذه الحالة يجب على المسلمين أن يغزوهم ويطبقوا عليهم أحكام الجهاد في سبيل الله، دون إنذار لهم ولا نبذ لعهدهم، لأنهم قد نقضوا العهد، فلم يعد له بقاء.

    كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:

    " وَإِذَا نَقَضَ الَّذِينَ عَقَدُوا الصُّلْحَ عَلَيْهِمْ, أَوْ نَقَضَتْ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَمْ يُخَالِفُوا النَّاقِضَ بِقَوْلٍ, أَوْ فِعْلٍ ظَاهِرٍ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا الإِمَام, أَوْ يَعْتَزِلُوا بِلاَدَهُمْ وَيُرْسِلُوا إلَى الإِمَامِ إنَّا عَلَى صُلْحِنَا, أَوْ يَكُونَ الَّذِينَ نَقَضُوا خَرَجُوا إلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ, أَوْ أَهْلِ ذِمَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُعِينُونَ الْمُقَاتِلِينَ, أَوْ يُعِينُونَ عَلَى مَنْ قَاتَلَهُمْ مِنْهُمْ فَلِِلإِِمَامِ أَنْ يَغْزُوَهُمْ, فَإِذَا فَعَلَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ إلَى الإِمَامِ خَارِجٌ مِمَّا فَعَلَهُ جَمَاعَتُهُمْ، فَلِلإِمَامِ قَتْلُ مُقَاتِلَتِهِمْ وَسَبْيُ ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِيمَةُ أَمْوَالِهِمْ، كَانُوا فِي وَسَطِ دَارِ الْإِسْلاَمِ, أَوْ فِي بِلاَدِ الْعَدُوِّ.

    وَهَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِبَنِي قُرَيْظَةَ عَقَدَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُهُمْ الصُّلْحَ بِالْمُهَادَنَةِ فَنَقَضَ, وَلَمْ يُفَارِقُوهُ، فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي عُقْرِ دَارِهِمْ وَهِيَ مَعَهُ بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيِّهِمْ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ" [الأم (4/186)]


يعمل...
X