إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محور المحاور(3)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محور المحاور(3)


    فالمحور الأساسي هو الاستسلام الكامل لله

    هذه إشارات إلى بعض ما اعترض المسلمين، من وقت البعثة المحمدية الإسلامية من الفتن والمصائب، وكل واحدة منها محورا في وقتها، وتتفاوت في قوتها وضعفها، انتصروا في التصدي لبعضها ونجحوا في تصديهم، لأنهم تصدوا لها بالتمسك الشديد بدين الله تعالى، إيمانا بالله وملائكته، وبرسوله وكتابه وباليوم الآخر، والتوكل عليه وحده، وطاعته في أمره ونهيه، وتطبيق شريعته في الأرض.

    وفشلوا في التصدي لبعضها الآخر، لأنهم ابتعدوا عن ربهم و اتبعوا خطوات الشيطان بدل اتباع طاعة ربهم، وحكموا أهواءهم وعقولهم وشهواتهم، بدلا من تحكيم شريعته.

    واليوم نحن نواجه محورا فرعيا من المحاور التي تكون لها الأولوية من المحاور الأخرى في حياتنا وكفاحنا ونضالنا، (غير المحور الأساسي) وهو الاحتلال الغربي بأكمله للأرض المباركة، وليس الاحتلال اليهودي فقط، لأن اليهود لولم يدعمهم الغرب بالمال والاقتصاد والسياسة والدبلوماسية والإعلام والسلاح، ما قدروا على البقاء في فلسطين، والغرب إنما وضع اليهود في المنطقة، بمنزلة الجوارح المُكَلَّبة، للحراسة والاصطياد، فهي حارس لمصالحه، وكلما احتاج إلى تأديب دولة عربية، سمَّى على كلبته الشيطان وأرسلها لاصطيادها.

    ولكنا فقدنا في تصدينا لهذا المحور الفرعي الخطير، المحور الأساسي الذي هو الأولى بكل نشاطنا واجتهادنا، قبل أي محور آخر، ومنه محور فلسطين والقدس والمسجد الأقصى، لأن المحور الأساسي، وهو إقامة دين الله وطاعته وطاعة رسوله، وتطبيق شريعته، هو وحده – بما فيه من أوامر ونواهي وسمو شريعة وأخلاق - الذي يسعفنا و ينجدنا، في التغلب على كل ما يعترضنا من مصائب الدنيا وعذاباتها.


    كيف ذلك، ألسنا مسلمين؟!

    بلى نحن مؤمنون ونحن مسلمون، نحن مؤمنون، لأننا نؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ولكن غالبنا يفقد "الإحسان" الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك.)

    إن هذا الركن من أركان الإيمان، هو لب الإيمان، وهو الدافع إلى إتقان تطبيق الإسلام في الأرض، وقد أخبرنا الله تعالى في كتابه، أنه خلق الكون كله ليبتلينا ويختبرنا أينا الأحسن في عمله والأتقن له: ?وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)? [هود]

    والعمل الذي يجب إحسانه وإتقانه، يشمل كل ما أمر الله به فعلا، وكل ما نهى عنه تركا.

    أليست بلداننا محتلة، ومنها فلسطين، ولم نحررها أليس أعراضنا تنتهك، ولم نحمها، أليست مقدساتنا تدنس، ومنها "الأقصى" فلم نطهرها، وقد قال تعالى فيها: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)} [البقرة] أليس الأعداء مسيطرين علينا ولا نستطيع أن ندفع عن أنفسنا؟

    فلنستعرض بعض الأمثلة الأساسية التي أمرنا الله بها، والتي اشتهرت في لغة هذا العصر بـ(لإستراتيجية):

    المثال الأول: الإيمان الصادق، وقد قيد الله تعالى هذا الإيمان الصادق بقيود، فقال: ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15)? [الحجرات]

    فهذه الآية من سورة الحجرات، تميز المؤمن الصادق الذي يقيم الحجة على صحة دعواه، بطاعة الله أمرا ونهيا، وتطبيق شريعته في الأرض، لأن أصل الإيمان مخفي في ضمير الفرد والمجتمع، ولا يمكن معرفة وجوده حقيقة إلا بالعمل، فإذا ادّعى الإيمان ولم يظهر أثره على جوارحه، قولا وفعلا، فدعواه باطلة، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم في علامة المنافق: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر).

    والاتصاف بهذه الصفات النفاقية في الأفراد أقل ضررا من اتصاف المجتمع بها، لأن الأفراد يمكن الحذر منهم، أما المجتمع إذا تأصلت فيه، فمن يحذر مِمَّن؟

    قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية من سورة الحجرات: "?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ? أي: على الحقيقة ?الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهُم في سبيل الله? أي: من جمعوا بين الإيمان والجهاد في سبيله، فإن من جاهد الكفار، دل ذلك، على الإيمان التام في القلب، لأن من جاهد غيره على الإسلام، والقيام بشرائعه، فجهاده لنفسه على ذلك، من باب أولى وأحرى؛ ولأن من لم يقو على الجهاد، فإن ذلك، دليل على ضعف إيمانه، وشرط تعالى في الإيمان عدم الريب، وهو الشك، لأن الإيمان النافع هو الجزم اليقيني، بما أمر الله بالإيمان به، الذي لا يعتريه شك، بوجه من الوجوه.

    وقوله: ?أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ? أي: الذين صدّقوا إيمانهم بأعمالهم الجميلة، فإن الصدق دعوى كبيرة في كل شيء يدعى يحتاج صاحبه إلى حجة وبرهان، وأعظم ذلك دعوى الإيمان، الذي هو مدار السعادة، والفوز الأبدي، والفلاح السرمدي، فمن ادعاه، وقام بواجباته، ولوازمه، فهو الصادق المؤمن حقًا، ومن لم يكن كذلك، علم أنه ليس بصادق في دعواه، وليس لدعواه فائدة، فإن الإيمان في القلب لا يطلع عليه إلا الله تعالى." انتهى.
    وأنبه هنا أن الجهاد ليس مشاعا ينفذه الأفراد أو الثُّلل تنفيذا فوضويا، كما هو حاصل الآن من بعض الشباب الذي نشروا الفوضى، وأضروا بالأمة الإسلامية في كل أصقاعها، وإنما هو جهاد له ضوابط وقيادات شرعية، ولهذا لما فقد الجهاد الشرعي بضوابطه، عمت بلداننا الفوضى، وتسببت فيما تعانيه من العدوان.

    ولسنا نفقد جهاد المعتدين على أرض الرسالات فقط، بل من المعلوم أن غالب الشعوب الإسلامية لا يطبق فيها من الشريعة إلا بعض أحكام الأسرة، وليس كلها، فكيف يكون المحور الأساسي عندنا قضية فلسطين التي زادت على الستين عاما، ولا زال العدوان عليها وظلم اليهود لأهلها في ازدياد، هل يمكن لمن فرط في المحور الذي لا نصر بدون تطبيقه، أن يَصدق في أن المحور الرئيس عنده هو تحرير القدس؟!

    المثال الثاني: اجتماع كلمة المسلمين على الحق:

    إن اجتماع المسلمين على الحق، هو فرض فرضه الله عليهم، أمرهم به أمرا جازما، و تفرقهم محرم عليهم نهاهم عنه نهيا جازما، وامتن سبحانه على الرعيل الأول من هذه الأمة، بتأليفه بين قلوبهم بهذه الرسالة، وهذا الكتاب، وهذا الرسول الذي قادهم إلى الأخوة والعزة، بعد أن كانوا أهل عداوة وبغضاء و اقتتال، كما بين لهم، أن ذلك الاعتصام الذي أنعم الله عليهم به، مؤد إلى الاهتداء بهداه.

    فقال تعالى: ?وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)? [آل عمران]

    وأخبر تعالى في موضع آخر من كتابه، بعد أن أمرهم بالثبات في ساح جهادِهم أعداءَهم، وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله ولزوم ذكره، أن التفرق والتنازع بينهم سبب في فشلهم وجبنهم، وذهاب قوتهم التي ينتصرون بها على العدو، و يرهبونه، فقال تعالى:

    ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تنََازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (6)? [الأنفال]


    فهل يكون أي محور من المحاور التي تواجه المسلمين ويصعب عليهم المخرج من ورطته، له الأولوية على المحور الرئيس، وهو الإسلام الذي يفرطون فيه، ولا يجعلون له الأولوية المطلقة في حياتهم؟
    !

    يتبع

يعمل...
X