إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مفتاح باب الريان(16)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مفتاح باب الريان(16)



    بذل العون للمستحقين

    بذل المال عبادة لله كإقامة الصلاة والصيام والحج والجهاد، وكلها تنقسم قسمين:

    القسم الأول: فرض يجب القيام به، ويأثم تاركه، ومن هذا القسم زكاة الأموال، كما هو معلوم، ومنه نذر المسلم المشروع، بشيء من ماله، وإغاثة من لم يجد ما يأكله من الطعام، أو يلبسه من الثياب، أو يسكنه من المنزل... لأن هذه الأمور من ضرورات حياة الإنسان أو حاجاته القريبة من الضرورة.

    وبذل المال لمستحقيه في شهر رمضان، فيه أجر عظيم؛ لأن الحسنات تضاعف في الأماكن والأوقات الفاضلة، كما هو الحال في المساجد الثلاثة، وشهر رمضان، والعشر من ذي الحجة.

    ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع كثرة جوده في كل الأوقات، أكثر جوداً في شهر رمضان، كما في حديث ابن عباس، عنهـما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة". [البخاري رقم (6]

    وقد اعتاد كثير من أغنياء المسلمين أن يخرجوا زكاة أموالهم في هذا الشهر المبارك، وهي عادة حسنة مباركة، وينبغي أن يعلم أن في المال حقاً غير الزكاة، خلافاً لمن قال: ليس فيه حق إلا الزكاة، مستدلين بحديثين:

    الحديث الأول: ما ورد في قصة إسلام ضمام بن ثعلبة، الذي ذكر فيه بعض أركان الإسلام، وقوله "والله لا أزيد عليها ولا أنقص" وقول الرسول : (أفلح إن صدق) وهو في الصحيحين.

    الحديث الثاني: ما روي عن فاطمة بنت قيس، أنها سمعته ـ تعني النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس في المال حق سوى الزكاة.) [ابن ماجه رقم (1788)

    ويجاب عن حديث ضمام بجوابين:

    الجواب الأول: أنه كان في أول الإسلام، قبل أن تفرض كثير من الفرائض، وتحرم كثير من المعاصي، وقد وجبت بعد ذلك أمور كثيرة، وحرمت أمور كذلك، فلو اقتصر المسلم على ما ذكر في حديث ضمام، لكان تاركاً لكثير من الواجبات، ومرتكباً لكثير من المحرمات.

    قال الشوكاني رحمه الله: "وفي جَعلِ هذا الحديث دليلاً على عدم وجوب ما ذكر نظر عندي؛ لأن ما وقع في مبادئ التعاليم، لا يصح التعلق به في صرف ما ورد بعده، وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة، وأنه خرق للإجماع وإبطال لجمهور الشريعة.

    فالحق أنه يؤخذ بالدليل المتأخر إذا ورد مورداً صحيحاً، ويعمل بما يقتضيه من وجوب أو ندب أو نحوهما، وفي المسألة خلاف وهذا أرجح القولين.

    والبحث مما ينبغي لطالب الحق أن يمعن النظر فيه، ويطيل التدبر، فإن معرفة الحق فيه من أهم المطالب العلمية، لما ينبني عليه من المسائل البالغة إلى حد يقصر عنها العد، وقد أعان الله وله الحمد، على جمع رسالة في خصوص هذا المبحث وقد أشرت إلى هذه القاعدة في عدة مباحث" [نيل الأوطار (1/364).]

    الجواب الثاني: ما ورد في بعض ألفاظ الحديث "... فأخبره رسول الله ‘ بشرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئاً ولا أنقص مما فرض الله علي شيئاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق)، أو(أدخل الجنة إن صدق( [البخاري رقم (6556]

    قال الحافظ: "فإن قيل كيف أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر، مع أنه لم يذكر المنهيات، أجاب ابن بطال باحتمال أن يكون ذلك وقع قبل ورود فرائض النهي، وهو عجيب منه؛ لأنه جزم بأن السائل ضمام، وأقدم ما قيل فيه أنه وفد سنة خمس، وقيل بعد ذلك، وقد كان أكثر المنهيات واقعاً قبل ذلك، والصواب أن ذلك داخل في عموم قوله فأخبره بشرائع الإسلام كما أشرنا إليه". [فتح الباري (1/108).]]

    أما حديث فاطمة بنت قيس، فيجاب عنه بثلاثة أجوبة:

    الجواب الأول: أن الحديث رواه كثير من المحدثين، بعكس رواية ابن ماجه، ولفظه: عن فاطمة بنت قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) :إن في المال حقاً سوى الزكاة) وقد ترجم له الترمذي بقوله: "باب ما جاء أن في المال حقاً سوى الزكاة" [وهو برقم (659)، ورواه الدارمي، برقم 1637، وهو في سنن البيهقي الكبرى، برقم 7034، وفي سنن الدارقطني، برقم 11]

    الجواب الثاني: ما وقع في الحديث من الاضطراب، الموجب لضعفه.

    قال المناوي رحمه الله: "وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث مضطرب المتن، والاضطراب موجب للضعف، وذلك لأن فاطمة روته بلفظ: (إن في المال حقاً سوى الزكاة) فرواه عنها الترمذي هكذا، وروته بلفظ: (ليس في المال حق سوى الزكاة) فرواه عنها ابن ماجه كذلك...".[فيض القدير (5/375(]

    الجواب الثالث: حمل النفي على وجوب شيء في المال لذاته، كما هو الحال في الزكاة، فإنها واجبة في المال لذاته بشروطها، وحمل الإثبات على ما قد يعرض من الحاجة إلى إيجاب إخراج شيء من المال..

    كما قال المناوي أيضاً )" :ليس في المال حق سوى الزكاة (يعني ليس فيه حق سواها بطريق الأصالة، وقد يعرض ما يوجب فيه حقاً، كوجود مضطر، فلا تناقض بينه وبين الخبر".

    وقال في موضع آخر: (إن في المال لحقاً سوى الزكاة( كفكاك الأسير، وإطعام المضطر، وسقي الظمآن، وعدم منع الماء والملح والنار، وإنقاذ محترم أشرف على الهلاك" ونحو ذلك، قال عبد الحق: "فهذه حقوق قام الإجماع على وجوبها وإجبار الأغنياء عليها، فقول الضحاك: نسخت الزكاة كل حق مالي، ليس في محله، وما تقرر من حمل الحقوق الخارجة عن الزكاة على ما ذكر، هو اللائق الموافق لمذهب الجمهور". [فيض القدير (2/472(]

    والنصوص الواردة في وجوب شيء في المال غير الزكاة، كثيرة، نذكر منها الأحاديث الآتية:

    حديث ابن عمر رضي الله عنـما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دخلت امرأة النار في هرة، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض<. [البخاري رقم (3140) ومسلم رقم (2242(]

    فقد دل الحديث على أن هذه المرأة دخلت النار، لحبس الهرة، وعدم إطعامها وسقيها، ومعنى هذا أن إطعام الهرة ـ ومثلها بقية الحيوانات ـ واجب على من حبسها، والإطعام إنما يكون من مال الحابس، و الإنسان أولى بذلك من الحيوان، فثبت أن في المال حقاً غير الزكاة، وهو حق عارض، وليس بالأصالة.

    ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به) [رواه الطبراني والبزار وإسناد البزار حسن]

    ومنها حديث ابن عباس، أنه قال، وهو ينْحَل ابنَ الزبير: قال: قال رسول الله : (ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع) [ رواه الطبراني وأبو يعلى، ورجاله ثقات. مجمع الزوائد (8/167]

    ونفي الإيمان هنا لا يراد به الإيمان المندوب، وإنما يراد به الإيمان الواجب، الذي يأثم صاحبه، فدل الحديث على وجوب حق في المال غير الزكاة، عند الضرورة أو الحاجة.

    ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ‘: (من مات ولم يغزُ ولم يحدث نفسه، مات على شعبة من نفاق(. [مسلم برقم1910.]

    هذا الحديث بظاهره لا دليل فيه على أن في المال حقاً غير الزكاة؛ لأنه لم يذكر فيه المال، ولكن حديثاً آخر، رواه أبو أمامة، الرسول صلى الله عليه وسلم، قال)من لم يغزُ، ولم يجهز غازياً، أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة ( [سنن الدارمي برقم (2418) وأبو داود برقم (2503).]]

    وهو يدل على أن من جهز غازياً، سلم من النفاق الذي ذكر في حديث أبي هريرة، ومعنى ذلك أنه تجهيز الغازي بالمال، أحد الواجبات على المسلم، وهي: أن يغزو، أو يحدث نفسه بالغزو، أو يخلف أهل الغازي بخير، أو يجهز غازياً، ليسلم من النفاق.

    لا يخلو بلد من محتاجين:

    ينبغي أن نذكر أنفسنا، بأنه لا يوجد مسلم في الأرض، بدون أن يكون له جيران محتاجون وكثير منهم يبيتون جياعاً، والجار قد يكون قريباً من دار جاره، وقد يكون بعيداً، والقرب والبعد أمر نسبي، وذكر بعض العلماء أن حَدَّ الجيرة أربعون داراً من كل ناحية، ونقل عن آخرين أن من سمع النداء فهو جار [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/185).]

    وكلما كانت دار الجار أقرب إلى دار جاره، كان أهلها أكثر استحقاقاً لإحسانه من غيرهم، وبتصور هذا الحد يظهر أن الجيرة تشمل مدناً بأسرها؛ لأن الذي لا يكون جاراً للمرء، يكون جاراً لجاره، وهكذا.

    فإذا لم ينل المرء إحسان رجل لكونه ليس جاراً له، ربما ناله إحسانه على يد جار المحسن، مادياً كان كالهدايا والهبات، أو معنوياً كالتعليم والقدوة الحسنة والأخلاق الحميدة، فإن الجار يؤثر في جاره، وهذا يؤثر في جيرانه وهكذا.

    تصور لو أن كل مسلم وأسرته اجتهدوا في إيصال إحسانهم إلى أربعين داراً من جيرانهم من جميع الجهات المحيطة بدارهم، وهذا الإحسان كما تقدم يشمل الإحسان المادي والإحسان المعنوي.. كيف سيكون حال المجتمع الإسلامي في تعاونه وتحابه وأمنه..؟

    ومعلوم أن كثيراً من المحتاجين أعزاء نفوس، يصعب عليهم إظهار حاجتهم للناس، فضلاً عن طلب الإحسان إليهم.

    وأمثال هؤلاء ينبغي لمن أغناهم الله من فضله، أن يطرقوا أبوابهم على غفلة من الناس، ويعطوهم من مال الله الذي آتاهم، بطريقة لا تشعرهم بالدون.

    {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ(273)} [البقرة]

    قال القرطبي: "واختلف العلماء في معنى قوله {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}.. على قولين:

    فقال قوم منهم الطبري والزجاج: إن المعنى لا يسألون البتة، وهذا على أنهم متعففون عن المسألة عفة تامة، وعلى هذا جمهور المفسرين، ويكون التعفف صفة ثابتة لهم، أي لا يسألون الناس إلحاحاً ولا غير إلحاح.

    وقال قوم: إن المراد نفي الإلحاف، أي إنهم يسألون غير إلحاف، وهذا هو السابق للفهم أي يسألون غير ملحفين". [الجامع لأحكام القرآن (3/342(]

    وقد خص البخاري رحمه الله، هذه الآية بباب مستقل، فقال: "باب قول الله تعالى: {لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً}.... لقول الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ..} إلى قوله: {..فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}..

    ثم ساق حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى، ويستحيي أو لا يسأل الناس إلحافا. ) [صحيح البخاري برقم (1406) والحديث في صحيح مسلم (2/719) بلفظ: (ليس المسكين بالذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين المتعفف اقرؤا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا)]

    وليس المقصود عدم إعطاء السائل ولو ألحف، بل المقصود الاهتمام أكثر بغير السائلين، أو الذين يسألون على استحياء لشدة حاجتهم و تعففهم.


يعمل...
X