إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ندرة العاملين المخلصين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ندرة العاملين المخلصين



    عن زيد بن أسلم عن أبيه "أن عمر خرج إلى المسجد يوما، فوجد معاذ بن جبل عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال : ما يبكيك يا معاذ، قال: يبكيني حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة، إن الله يحب الأبرار (1) الأتقياء الأغنياء الأخفياء (3) الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة.) (4) [المستدرك للحاكم، وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرج في الصحيحين وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب].وغالب ما ذكر في هذا الحديث، قد جاءت بمعناه نصوص من الكتاب والسنة الصحيحة، والمراد بالغنى في الحديث :غنى النفس، وهو أصح مما فسره بعضهم بغنى المال، إلا إذاحمل على الأغنياء الذين ينفقون في سبيل اللهكما جاء في الحديث الصحيح: : (لا حَسَدَ إِلاَّ في اثنتينِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالاً، فَسَلَّطَه عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ...) [البخاري ومسلم]

    عمر رضي الله عنه سأل معاذا عندما رآه يبكي عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك يا معاذ" فأجابه بهذا الحديث، الذي أخذت منه محل الشاهد الذ قصدته، وهي الأشياء المذكورة فيه هنا، ولم يسأله عمر ما الذي تخشاه من هذه الأشياء التي ذكرت في الحديث، لأن كليهما – بل وغيرهما من خوانهم من الصحابة – يخشونها كذلك، ويخشون أيضا من فقد الصفات الحميدة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث.

    ولعل معاذا رضي الله عنه – وهو من كبار علماء الصحابة، وهو داعية اليمن والشام وأحد كبار مفتيهم وله شهرته وصيته وفضله عندهم، فقد يكون فكر في هذه الشهرة، خاف من الرياء الذي هو يسير الشرك، وتأملَ تلك الفضائل التي أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابها، وخشي أن يفقد شيئا منها – الأبرار، الأتقياء، الأغنياء، الأخفياء الذين يضيئون للناس صراطه المستقيم (مصابيح هدى لا تنزل بهم مصيبة أو بلية إلا وقاهم الله شرها، وجعل لهم منها مخرجا) – وهم مغمورون بين الناس، ولهم عند الله تعالى من الفضل وقدم الصدق ما لا يناله العظماء المكرمين في الحياة الدنيا، وقد يكون أيضا ساءه ما يتخذه المنافقون في المدينة من عداوة لأولياء الله من الصحابة من مكر وخداع وعداوة، بعد أن اتخذو ذلك مع الرسول صلى الله عليه وسلم: (ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة).

    وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم الرياء بالشرك الخفي، الذي يوسوس به الشيطان، للمسلم ليحبط عمله وهو لا يشعر، بسبب خفائه.

    وللدكتور القرضاوي متعه الله بالصحة، تعليق على حديث معاذ هذا، اهتم فيه بأهمية الإخلاص فيه، هذا رابطه:

    http://www.qaradawi.net/component/co...e/18/1160.html

    وفي حديث سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي".) [صحيح مسلم]

    عن أبي سعيد الخدري؛ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل؟ فقال: (رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه) قال: ثم من؟ قال (مؤمن في شعب من الشعاب، يعبد الله ربه، ويدع الناس من شره).) (مسلم)

    قال النووي: "فِيهِ دَلِيل لِمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْعُزْلَة عَلَى الِاخْتِلَاط , وَفِي ذَلِكَ خِلَاف مَشْهُور ,
    فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الِاخْتِلَاط أَفْضَل بِشَرْطِ رَجَاء السَّلَامَة مِنْ الْفِتَن , وَمَذْهَب طَوَائِف: أَنَّ الِاعْتِزَال أَفْضَل , وَأَجَابَ الْجُمْهُور عَنْ هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الِاعْتِزَال فِي زَمَن الْفِتَن وَالْحُرُوب , أَوْ هُوَ فِيمَنْ لَا يَسْلَم النَّاس مِنْهُ , وَلَا يَصْبِر عَلَيْهِمْ , أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ الْخُصُوص.... وَقَدْ كَانَتْ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ وَجَمَاهِير الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاء وَالزُّهَّاد مُخْتَلِطِينَ , فَيُحَصِّلُونَ مَنَافِع الِاخْتِلَاط كَشُهُودِ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَالْجَنَائِز وَعِيَادَة الْمَرْضَى وَحِلَق الذِّكْر وَغَيْر ذَلِكَ."

    وقال في موضع آخر في قصة موسى مع الخضر، وترق فيه لمسألة الخلطة والعزلة: "وَأَمَّا الْحُرُوب الَّتِي جَرَتْ [يعني بين الصحابة] فَكَانَتْ لِكُلِّ طَائِقَة شُبْهَة اِعْتَقَدَتْ تَصْوِيب أَنْفُسهَا بِسَبَبِهَا , وَكُلّهمْ عُدُول رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ , وَمُتَأَوِّلُونَ فِي حُرُوبهمْ وَغَيْرهَا , وَلَمْ يُخْرِجْ شَيْء مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَنْ الْعَدَالَة ; لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ اِخْتَلَفُوا فِي مَسَائِل مِنْ مَحَلّ الِاجْتِهَاد كَمَا يَخْتَلِف الْمُجْتَهِدُونَ بَعْدهمْ فِي مَسَائِل مِنْ الدِّمَاء وَغَيْرهَا، وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ نَقْص أَحَد مِنْهُمْ، وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَب تِلْكَ الْحُرُوب [يعني التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم] أَنَّ الْقَضَايَا كَانَتْ مُشْتَبِهَة , فَلِشِدَّةِ اِشْتِبَاههَا اِخْتَلَفَ اِجْتِهَادهمْ , وَصَارُوا ثَلَاثَة أَقْسَام:

    قِسْم ظَهَرَ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقّ فِي هَذَا الطَّرَف , وَأَنَّ مُخَالِفه بَاغٍ , فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ نُصْرَته , وَقِتَال الْبَاغِي عَلَيْهِ فِيمَا اِعْتَقَدُوهُ , فَفَعَلُوا ذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ التَّأَخُّرُ عَنْ مُسَاعَدَة إِمَام الْعَدْل فِي قِتَال الْبُغَاة فِي اِعْتِقَادٍ.

    وَقِسْم عَكْس هَؤُلَاءِ , ظَهَرَ لَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقّ فِي الطَّرَف الْآخَر , فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مُسَاعَدَته , وَقِتَال الْبَاغِي عَلَيْهِ.

    وَقِسْم ثَالِث اِشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمْ الْقَضِيَّة , وَتَحَيَّرُوا فِيهَا , وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ تَرْجِيح أَحَد الطَّرَفَيْنِ , فَاعْتَزَلُوا الْفَرِيقَيْنِ , وَكَانَ هَذَا الِاعْتِزَال هُوَ الْوَاجِب فِي حَقِّهِمْ , لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِقْدَام عَلَى قِتَال مُسْلِم حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ , وَلَوْ ظَهَرَ لِهَؤُلَاءِ رُجْحَان أَحَد الطَّرَفَيْنِ , وَأَنَّ الْحَقّ مَعَهُ، لَمَا جَازَ لَهُمْ التَّأَخُّر عَنْ نُصْرَته فِي قِتَال الْبُغَاة عَلَيْهِ. فَكُلّهمْ مَعْذُورُونَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ".

    وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، أن الأصل عدم مشروعية الاعتزال، وأن الواجب على المسلم القيام بما كلفه الله تعالى القيام به، ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر الأسباب التي يشرع فيها الاعتزال، كما في حديث أبي ثعلة الخشني قال عندما سأله أبو أمامة الشعباني : قال: سألتُ أبا ثعلبةَ الخُشَنيَّ -رضي الله عنه- قال :قلت : "يا أَبا ثعلبةَ، كيف تقول في هذه الآية : {عَلَيكُم أَنْفُسَكُم} ؟ [المائدة : 105] قال : أَمَا والله لقد سألتَ عنها خبيرا، سألتُ عنها رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-" فقال: (ائتَمِروا بالمعروف، وانْتَهُوا عن المُنْكَرِ، حتى إِذا رأَيتم شُحا مُطَاعا، وهوى مُتَّبَعا، ودُنيا مُؤثَرة، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيِه، فعليكَ بنفسِكَ، .... ) [أخرجه الترمذي وأبو داود، ... صححه الطحاوي في شرح مشكل الآثار، وأحمد شاكر في مقدمة عمدة التفسير، والحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح، وضعفه الألباني، ضعيف أبي داود وضعيف الترمذي وضعيف ابن ماجه.]

    فيظهر من كل ما ذكر سابقا، أن الاعتزال قد يكون مشروعا في وقت فتنة القتال، كما ذكر النووي، لمن اجتهد فاشتبه عليه الأمر ولم يتبين له المحق من المبطل، فإن الاعتزال هو المشروع في حقه، فليس له نصرة أحد الطرفين، وأما من ترجح له أن أحد الفريقين على حق والآخر على باطل، فالواجب عليه نصر فريق الحق على فريق الباطل. فالاختلاط بالناس هو الأصل، والعزلة بخلافه، ولا يلجأ إليها إلا في حالات خاصة تدعو إليها أسباب مشروعة.

    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، ،،،،،،

    (1) الأبرار جمع البَر أو البار، وهو الذي يبر الله تعالى، قال في لسان العرب: "وقال شمر: واختلف العلماء في تفسير قوله: صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر، اختلف العلماء، فقال بعضهم: البر الصلاح، وقال بعضهم: البر الخير، ولا أعلم تفسيرا أجمع منه يحيط بجميع ما قالوا...

    (2) الأتقياء جمع التقي، من التقوى، وأصله في اللغة: جعل الإنسان بينه وبين ما يضره وقاية وحاجزا، ومعناه هنا جعل المؤمن بينه وبين عقاب الله حاجزا فيتقي الله تعالى في العمل بطاعته، وترك معاصيه، فينال من ربه الخير العظيم في دنياه وأخراه {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ .....(3)} [الطلاق]، ويدخل فيه قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (يخرجون من كل غبراء مظلمة.)

    (3) الأخفياء: جمع الخفي، فسره بعضهم بالذي يعتزل الناس، فلا يعلمون مكانه، قال النووي رحمه الله في معناه: وَأَمَّا (الْخَفِيّ) فَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة فَمَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ الْخَامِل الْمُنْقَطِع إِلَى الْعِبَادَة وَالِاشْتِغَال بِأُمُورِ نَفْسه، وسيأتي كلام النووي عن الأوقات التي قد تسوغ الاعتزال.

    (4) غبراء ، يعني مصيبة وداهية.


يعمل...
X