إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(016)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له-الحلال بيِّن والحرام بيِّن:

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (016)أثر فقه عظمة الله في الخشوع له-الحلال بيِّن والحرام بيِّن:



    فيجب على كل مسلم، أن يجاهد نفسه بزيادة إيمانه وقوة يقينه، ليكون من {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)} [الأنفال] ويجب على أرباب كل أسرة أو ولاية أن يستجيبوا للأمر الإلهي: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً..}.

    رياض النحل، ومزابل الجعلان:

    نعم ليس لمسلم أن يحتج بأن غيره من المفسدين أضلوه عن صراط الله المستقيم؛ لأن الله تعالى قد أقام الحجة على الناس بثلاثة أمور:

    الأمر الأول: مَنْحُهم عقولاً، يقيسون بها المنافع والمصالح في حدود قدرتها ومجالاتها، وهم إذ لا يفعلون ذلك فيما تهواه أنفسهم وما يظنونه مصالح أو مفاسد لهم، ولا يفكرون بتلك العقول فيما شرعه الله تعالى لهم مما هو المصلحة ويميزون بين ذلك وبين ما تهواه أنفسهم مما يخالفه، قد ألغوا عقولهم وما خلقها الله من أجله، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ(32)}. {الأنعام}

    الأمر الثاني: الوحي والرسل، وآخرهم رسولنا صلّى الله عليه وسلم، وقد أكمل الله تعالى لهذه الأمة دينها الذي لا أكمل منه ولا أشمل لما ينفعهم في دينهم ودنياهم بمنهاجه العظيم الذي أودعه في كتابه الكريم وفصله في سنة رسوله وسيرته الشريفة، وحفظ بذلك دينه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ(53)}.{الشورى}

    فالوحي روح تحيا به القلوب، ونور يبصر به من أعماهم الشيطان عن السبيل القويم إذا هم أرادوا الإبصار، والرسول صلّى الله عليه وسلم، هاد إلى صراط الله المستقيم وقد أدى وظيفته فبيِّن للناس بقوله وفعله ما أمره الله ببيانه.

    فهل لمن تعمد نبذ تلك الروح التي تجلب له الخشوع، وأحل محلها الشهوات المحرمة والفواحش المهلكة التي تنبت القسوة في قلبه وتثبتها، وأصرَّ على الاستجابة لمن يخرجون الناس من النور إلى الظلمات، وإيثار الهرولة وراء وساوس الشيطان واتباع خطواته، وقد سمع حداء ذلك الهادي الداعي إلى سلوك الجادة المسلوك، فانحرف عنه وسلك مفاوز يغلب على نفسه فيها الهلاك، وشعاباً تنتظره فيها الوحوش الضارية المكشرة الأنياب، هل له من حجة أو برهان ليقول لربه يوم يلقاه: هؤلاء أضلوني ولست مسئولاً عن إضلالهم لي! اقرأ قول الله تعالى عن هؤلاء وهؤلاء: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38)} لا تقل هذه آيات نزلت في الكفار، فالمعاصي بريد الكفر، ومن يضمن لمن يغفل عن الله ولا يذكر عظمته ولا يكثر من تلاوة كتابه والمداومة على ذكره، ويتبع خطوات الشيطان أن ينجو من خطوة قد تؤدي به الكفر؟

    الأمر الثالث: التفكر في الكون الذي فطره وأتقنه وقدره سبحانه وتعالى، فإن التفكر فيه وتدبره، يهدي العقول السليمة إلى عظمة خالقه ومبدعه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}.{آل عمران.

    إن الإنسان -أي إنسان- ومن باب أولى المسلم عندما يعلم أنه يعيش على هذا الكوكب الأرضي، وأنه -أي الكوكب- يسبح في الكون ، ليس مستندا على شييء محسوس تراه الأبصار، ولا يمسكه إلا الذي خلقه، وكذلك كل ما علاه من الكواكب سابحة في الفضاء لا يمسكها إلا الله، ولا قدرة لأحد من خلق الله أن يرفع حصاة صغيرة في الفضاء الذي فوق رأسه مباشرة، لتبقى ثابتة، في مكانها ثانية واحدة، لأن الجاذبية التي خلقها الله ليربط بها الكون كله من السماوات والأرض، لا يملك الإنسان منها شيئا، ليُبقي نلك الحصاة التي رفعهاثابتة، ولو أراد الله تعالى أن يسقط جزءا من أحد الكواكب السماوية، لكان له آثار قد تدمر ما وقع عليه ذلك الجزء.

    قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41)} [فاطر]

    وإذا كانت وسائل الإضلال قد ملأت الأرض والسماء اليوم وأصابت القلوب بالقسوة والصلابة وأبعدتها عن الله، وأهلها هم أكثر من في الأرض، ويبذلون في سبيل نشرها وتأثيرها في الأجيال الأموال التي لا تحصى، ويؤهلون لنشرها وتزيينها والدعاية لها الملايين من البشر، ويشيدون لتدريبهم المدارس والمعاهد العليا والجامعات، فإن للإسلام رياضه الظليلة وحصونه المنيعة، معروضة على كل من يرغب أن يتفيأ في ظلالها ويطمئن قلبه بطيب هوائها، ويتحصن في قلاعها من أعداء الملة وأعدائها..

    أول تلك الرياض وأعظمها: كتاب الله الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم، يُبَصِّرُ الأعمى ويُنْطِقُ الأبكم، يوقظ النائمين، ويحيي الميتين، ويهدي الضالين، ويثبت القلوب على صراط الله المستقيم، ويرفع أعلام الطريق وراياته للمقيمين والمقوين، ويزيل حيرة الحائرين بالعلم واليقين، يظهر عظمة الله في جميع صفحاته، ويقرب إلى الله كل من داوم على تلاوة آياته، فليكثر من تلاوته من أراد النجاة من الشيطان ووساوسه واتباع خطواته، وليتدبره تدبر من يحرص على لقاء ربه وهو راضٍ عنه، فسيجد فيه ما يشوقه إلى محبة ربه والمداومة على ذكره وتعظيمه والرغبة إليه والرهبة منه والخشوع والاطمئنان إليه والحذر من مخالفته، قال تعالى: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (97)}. {مريم}

    وقال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)}.{القمر، وقد تكررت هذه الجملة في السورة أربع مرات ليلفت الله نظر القارئ إلى أهمية معرفته بذلك واعتنائه به، وهو يشمل حفظه وفهمه والعمل به، وكلمة "للذكر" تنبه المسلم أن الذكر هو المقصود من تلاوة القرآن، أي ذكر الله باللسان والقلب واستحضار عظمته تعالى.}

    قال القرطبي رحمه الله: "وقال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهراً إلا القرآن؛ وقال غيره: ولم يكن هذا لبني إسرائيل، ولم يكونوا يقرؤون التوراة إلا نظراً، غير موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير صلوات الله عليهم، ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة عن ظهر قلبه حين أحرقت؛ على ما تقدم بيانه في سورة "التوبة" فيسر الله تعالى على هذه الأمة حفظ كتابه ليذكروا ما فيه؛ أي يفتعلوا الذكر، والافتعال هو أن ينجع فيهم ذلك حتى يصير كالذات وكالتركيب فيهم...".{الجامع لأحكام القرآن (17/86).}
    نعم يسر الله كتابه الكريم للذكر الذي يشمل حفظه وفهمه لمن أراد، ونحن اليوم نرى ونسمع في الفضائيات وفي الإذاعات المسموعة والمرئية، وفي محاريب مساجد المسلمين الكبار والصغار آلاف الأشخاص صغاراً وشباباً وشيوخاً، يتلون كتاب الله حفظاً كاملاً في صفحاته التي تزيد على 600 صفحة من الحجم المتوسط مقيمين حروفه مجودين له، يندر أن تسمع خطأ لأولئك القراء الحفاظ، مع تشابه كثير من ألفاظه، مع تأثر القارىء والسامع بمعاني هذا الكتاب، حتى تدوي بعض المساجد ببكاء الإمام والمأمومين، فأي كتاب في الأرض اليوم له هذه الميزة العظيمة غير كتاب الله، أفلا نحرص على تلاوته وسماعه وتدبره والخشوع لمن أنزله؟
    خسارة من يحفظ كتاب الله ولا يفقه شيئاً من معانيه:
    ولكننا نأسف أسفاً شديداً على خسارة كثير من شباب الإسلام الذين يحفظون القرآن كله حفظاً متقناً، وهم لا يفقهون من أحكامه وآدابه شيئاً، وليست الخسارة خاصة بهم، بل إن أمتهم في بلدانهم تخسر مثلهم، لاشتراكهم مع أولئك الحفاظ بالجهل بكتاب الله، بل قد يكون بعض عامة الناس وأميييهم أفقه بدينهم من بعض حفاظه، ولذلك تجد من يحفظ القرآن ولا يعرف شيئاً من معاني آياته وكلماته يتغنى بالقرآن بصوت جميل مؤثر وقلبه عنه لاه!

    وكان يجب أن يُعَدّ منهج لحفظة كتاب الله وكتب مبنية على ذلك المنهج يسير مع سنوات حفظهم له، يفقههم بكتاب الله ويعدهم ليعلموا الأمة ويزكوهم به، تزكية تجعلهم من أهل الخوف والخشية و الخشوع لله تعالى.

    قال القرطبي رحمه الله: "وينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن. فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه، فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو؛ فما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم ما يتلو، فكيف يعمل بما لا يفهم معناه؟ وما أقبح أن يُسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه؛ فما مَثَل من هذه حالته إلاّ كَمَثل الحمار يحمل أسفاراً".{الجامع لأحكام القرآن (1/المقدمة).}
    ثانيها: دراسة سنة الرسول صلّى الله عليه وسلم، وسيرته، والحرص على الاقتداء به، في تعظيمه لربه وحرصه على كثرة تلاوة كتابه، والتأثر به وتطبيقه حتى تصبح تصرفاته في كل شئونه تحكي القرآن: (كان خلقه القرآن).{أحمد (7/132).}

    ثالثها: الحرص على مجالسة الصالحين من العلماء الذين يقوون صلتهم بالله، فلا يغفلون عنه، ويحبون أن يؤدبوا طلابهم ومن يرافقهم من أجل أن يقتدوا بهم ويكونوا من الصالحين، وأصل ذلك تعليم الرسل عليهم الصلاة والسلام لمن استجاب لهم في تعليمهم وتربيتهم، وعلى دربهم صار آخرهم رسول صلّى الله عليه وسلم، مع أصحابه الذين اقتدوا به فعلَّموا التابعين وزكوهم، ثم استمرت الأجيال الإسلامية على ذلك الدرب، فلا بد لمن يريد التقرب إلى الله تعالى ويعظمه ويخشاه ويخشع له أن يتتلمذ على عالم يتصف بذلك فيقتدي به ويتشرب منه ما اتصف به، ويصقل قلبه.{سبق حديث حنظلة في أثر صحبتهم للرسول.}

    رابعها: ملازمة بيوت الله ـ المساجد ـ التي تشع منها أنوار عبادة الله من الصلاة وتلاوة القرآن وحلقات الذكر التي سماها الرسول صلّى الله عليه وسلم: (رياض الجنة) كما روى ذلك جابر بن عبد الله ?ـما، قال: "خرج علينا النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: (يا أيها الناس إن لله سرايا من الملائكة، تحل وتقف على مجالس الذكر في الأرض، فارتعوا في رياض الجنة) قالوا: وأين رياض الجنة؟ قال: (مجالس الذكر فاغدوا وروحوا في ذكر الله، واذكروه أنفسكم من كان يحب أن يعلم منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله عنده فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه). {رواه الحاكم في المستدرك، (10/76) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ومجمع الزوائد (10/76) وقال: "رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط، وفيه: عمر بن عبد الله مولى عفرة، وقد وثقه غير واحد، وضعفه جماعة، وبقية رجالهم رجال الصحيح".}

    خامسها: المحافظة على الفرائض، والإكثار من النوافل الراتبة والمطلقة، روى أبو هريرة رضِي الله عنه أن الرسول صلّى الله عليه وسلم، قال قال الله في الحديث القدسي: (وما تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وما يَزالُ عبدي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ به، وبَصره الذي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ التي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ التي يمْشِي بها، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه). {رواه البخاري (رقم: 6137 وهو من أحاديث رياض الصالحين، رقم (95). أي إن الله تعالى يحفظه، فلا يفعل بجوارحه إلا الطاعات، ووالذي يحفظ الله جوارحه من المعاصي جدير بأن يكون يتحصن من اتباع المفسدين الذين يبعدونه عن خشية الله والخشوع له.}

    ومعلوم ما في قيام الليل من الفضل العظيم وما يترتب عليه من قوة الصلة بالله وما يحصل للمسلم فيه من الخشية والرهبة والخشوع، وبخاصة في آخر الليل بعد القيام من النوم؛ لما في ذلك من هدوء يتيح للمصلي من التدبر لما يتلوه من القرآن وفقه معانيه، والتفكر في ملكوت السماوات والأرض، وتجلي عظمة الخالق في نفس المصلي والخشوع له، ما لا يتاح له في النهار الذي ألف الناس فيه الكدح لجلب المعاش والقيام بالوظائف التي لا غنى عنها سواء كانت عامة أم خاصة، وما فيه من أصوات وصخب تشغل البال. قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً(7)}. {المزمل}

    قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره: "ثم ذكر الحكمة في أمره بقيام الليل، فقال: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} أي: الصلاة فيه بعد النوم {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً} أي: أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن، يتواطأ على القرآن القلب واللسان، وتقل الشواغل، ويفهم ما يقول، ويستقيم له أمره، وهذا بخلاف النهار، فإنه لا يحصل به هذا المقصود ، ولهذا قال: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً} أي: تردداً على حوائجك ومعاشك، يوجب اشتغال القلب وعدم تفرغه التفرغ التام".

    سادسها: ما وجد في هذه الأعوام من وسائل إعلام خصصت لمناهج إسلامية تحمل مواد مفيدة كثيرة، منها ما تخصص في تلاوة كتاب الله وتعليمه على الهواء مباشرة، وتشجع الشباب من الذكور والإناث على تلاوته وحفظه وتجويده، وتصحيح التلاوة لكل من يرغب في ذلك من كافة الأعمار، ومنها ما تخصصت في بث السنة والسيرة وما فيها من أحكام وآداب، مع استضافتها لعلماء يقدمون موضوعات إسلامية متنوعة، في العبادات والمعاملات والأخلاق، ويجيبون على أسئلة المشاهدين واستفتاءاتهم.

    وبعض الفضائيات تقدم مناهج شاملة للمواد الإسلامية وغيرها من الأدب نثره وشعره، والتاريخ والأخبار العالمية في السياسة والاقتصاد والعلوم وغيرها، كما تتعرض للشبهات التي يحاول أعداء الإسلام إلصاقها به ودحضها، وكذلك وجدت مواقع إسلامية في الشبكة العالمية "الإنترنت" باللغة العربية وغيرها من اللغات، وتحتوي على مراجع وكتب ورسائل ومجلات إسلامية كثيرة في أغلب الموضوعات التي يحتاجها المتصفح، وفيها منتديات للحوارات التي غالباً تكون ذات فائدة لكل من يشارك فيها، ومن الصعب حصر ما تحتويه هذه الشبكة من الموضوعات النافعة.

    فأيهما أولى بالمسلم ارتياده: تلك الرياض المزهرة التي تعطر بشذاها الدنيا والآخرة، وعسلها المصفى الذي فيه شفاء القلوب والأبدان؟ أم تلك المزابل التي لا ترتادها إلا الجعلان لتدهده منها أوسخ ما فيها مما يزكم الأنوف ووتتقزز منه النفوس؟

    أي السبيلين أولى بالمسلم أن يسلكه؟ هذه الوسائل الجادة النافعة التي تساعد من تعاطاها على القرب من الله تعالى ويستفيد منها استفادة شاملة لمصالح الدنيا والآخرة، وتحرك العقل إلى تدبر القرآن والتفكر في الكون فيتصور بذلك عظمة الله، وتحرك القلب لذكره، فيحبه ويخافه ويخشاه ويخشع له ويحوز رضاه تعالى، مع ما فيها من ترويح للنفس عفيف مباح يحقق لصاحبه "ساعتي حنظلة"..

    أي السبيلين أولى بالمسلم هذه أم تلك الوسائل التي تطل منها رؤوس الشياطين إلى العالم داعية إلى عفن الفسق والفجور والفواحش والعصيان وإلى ضياع مصالح الدنيا والآخرة معاً؟

    فليجاهد كل مسلم نفسه، ليبقى قوي الصلة بالله خائفاً وجلاً منه، راغباً راهباً إليه: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ ...(78)}.{الحج}

    وبدون هذه المجاهدة يخشى عليه من قسوة قلبه وقلة طاعته لربه ونسيان ذكره كما سبق: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(16)}.{الحديد} وهو إذ يجاهد نفسه إنما يجاهدها لمصلحتها، والله تعالى غني عنه: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (6)}. {العنكبوت}


يعمل...
X