المبحثان الأول، والثاني: حفظ الدين، وحفظ النسل
ويدل على ضرورة حفظ الدين وجوب العمل به، بعد الدخول فيه والإيمان به، وأن من لم يدخل فيه ولم يعمل به، فهو خاسر في الدنيا والآخرة، ومن دخل فيه ومن آمن به فهو فائز في الدنيا والآخرة، والحد الأدنى للعمل بهذا الدين هو التزام فرائضه واجتناب نواهيه. قال تعالى: {والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [سورة العصر].
فإذا ما اشتغل المسلم بحفظ هذا الدين بالعمل بالحد الأدنى منه فقط -فضلا عن عمله بما فوق ذلك- كان عضواً صالحاً في المجتمع، وكان بعيداً عن تناول ما حرم الله ورسوله عبادةً لربه، وليس خوفاً من الناس فقط، وسلم من الخسران، ومثل هذا لا يخشى منه أن يتعاطى المسكرات والمخدرات.
ومن حفظ هذا الدين: الدعوة إليه، كما قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا من اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} [يوسف: 108]. وكان الرسول صلّى الله عليه وسلم يبعث أصحابه لإبلاغ الناس هذا الدين بالرسائل أو بالبقاء بينهم لتعليمهم ودعوتهم وهكذا أصحابه من بعده [راجع البخاري (2/125) ومسلم (1/5)].
ومَن يُوَجَّه لدعوة الناس من الشباب ويُشغَل بها، فسيكون قدوة حسنة للعمل بالإسلام والاستقامة والخلق، ومثله سيكون مجتنباً لكل المحرمات، وبخاصة تلك التي لا يتعاطاها إلا أرذال الناس، كالمسكرات والمخدرات.
ومن وسائل حفظ هذا الدين: الجهاد في سبيل الله الذي يكون فرض عين على كل مسلم، عندما لا توجد طائفة قائمة به قياما كافيا.
والشباب الذي يُهتم به فيُوجَّه إلى التدريب على وسائل الجهاد في سبيل الله، والاستعداد لمقارعة الأعداء، ليس مثل الشباب الفارغ الذي تكون أهدافه هابطة، ينظر إليها تحت أقدامه، فالأول يذكر الهّ في كل أحيانه، ويعلم أن سبيل الله معناه دينه الذي يجب أن يُنصَر وتُرفع رايته، والآخر لا يفكر في غير الأكل والشرب والتمتع بالحياة، وإذا هم بشيء من التدريب، فإنما يهتم بتقوية عضلاته تقوية ليس وراءها إلا تعاطي المنكرات في الغالب.
وقد أمر الله تعالى بحفظ هذا الدين، بإعداد المستطاع للقوة التي ترهب أعداء هذا الدين، كما قال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} [الأنفال: 60]. وهل يفكر الشاب المشتغل بالجهاد في سبيل الله، في أن تهبط نفسه إلى ما يقتل روح الجهاد في نفسه، وبخاصة المسكرات والمخدرات؟
المبحث الثاني: حفظ النفس.
أوجب الله تعالى حفظ النفس بأساليب شتى في النصوص والتشريع.
فقد ثبت الوعيد الشديد لمن اعتدى على النفس في الكتاب والسنة، بل إن بعض العلماء من السلف، ذهبوا إلى عدم توبة من قتل نفساً محرمة بغير حق [راجع الإسلام وضرورات الحياة للكاتب ص:49-53].
ولم يبح الشارع القصاص ممن ادُّعِيَ عليه، أنه اعتدى على النفس إلا بإقامة البينة، وأوجب الله تأخير تنفيذ الحد أو القصاص إذا كان في ذلك ضرر على غير الجاني حتى يزول الضرر، وربط الشارع إقامة الحدود والقصاص بالإمام ونائبه، حتى لا تُزهَق النفوس البريئة [نفس المرجع ص:54-57 وراجع رسالة الحدود والسلطان للمؤلف].
ولم يُجِز الشارع قتل غير المكَلَّف، ولو أتى ما يباح به قتلُ المكلف [الإسلام وضرورات الحياة ص:59] وأباح للمضطر – بل قد يوجب عليه – أن يتناول ما هو محرم عليه في الأصل، لإنقاذ حياته [نفس المرجع ص:61]. وفرض سد الذرائع الموصلة إلى قتل النفس [نفس المرجع ص:64].
والشباب الذي يربى على هذه المعاني التي تمنع الاعتداء على النفس، وتوجب حفظها يَبعُد أن يتعاطى المسكرات والمخدرات التي هي من أهم وسائل الاعتداء على النفوس.
المبحث الثالث: حفظ النسل.
ولو لم يحفظ الجنس لانقرض كل جنس من أجناس الحيوان على الأرض، وهذا أمر لا يختلف فيه البشر، وقد جبل الله عليه المخلوقات فحافظت عليه بالتزاوج، ويمتاز الإسلام عن غيره، بأنه يوجب للمحافظة على النسل أن يكون عن طريق النكاح المشروع، ولا بجيزه عن طريق غير مشروع.
ولهذا جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة، تبين محبة الله ورسوله لحفظ النسل وتكثيره، والترغيب في النكاح والتحذير من التبتل، وبيان المصالح العائدة على الآباء في الدنيا والآخرة من النسل، ورتبت الشريعة على حفظ النسب الذي لا وجود له إلا بحفظ النسل، أحكاماً كثيرة [راجع كتاب المؤلف: الإسلام وضرورات الحياة ص67-104].
والذي يربى على حفظ النسل بالطريقة المشروعة، لا يرتكب الزنا، وإنما يحافظ على النسل من طريق النكاح المشروع، يكون بعيداً عن الأسباب التي تدفعه إلى إتيان الفاحشة التي يترتب عليه انتهاك الأعراض واختلاط الأنساب، والإنجاب بطرق غير مشروعة، ومن أهم الوسائل المؤدية إلى هذا الانتهاك، تعاطي المسكرات والمخدرات، فإن متعاطيها لا يسلم من الأمور الآتية:
1 ) إتيان الفاحشة التي يترتب عليها ما ذكر.
2) عدم الغيرة على عرض نفسه، مما قد يتسبب عنه وجود منكرات في أسرته واختلاط الأنساب فيها.
3 ) بعض الأمراض التي تقتل نسله في حال الحمل، أو أولاده وأفراد أسرته، بسبب الآثار التي تحدث له من تناول المسكرات والمخدرات. فالشباب الذي يقتنع بوجوب حفظ النسل، بل بضرورته ويعلم أنه يترتب على تعاطيه المسكرات والمخدرات، ما يخل بحفظ النسل سيبتعد عن تعاطي ذلك.