إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(05)أثر عظمة الله في الخشوع له

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (05)أثر عظمة الله في الخشوع له


    نعيم القبر وعذابه:

    وقد نهى الله تعالى رسوله صَلى الله عليه وسلم عن الصلاة على المنافقين، وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول، كما قال تعالى؛ لأن المقصود من الصلاة على الموتى الدعاء لهم بالمغفرة والرحمة في قبورهم وبعد خروجهم منها، وجعل قبورهم رياضاً من رياض الجنة والمنافقون محرومون من ذلك، قال تعالى: {وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}[التوبة].

    وقال تعالى - وهو يذكر بعض مراحل خلق الإنسان -: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ(21)}[عبس]. وقال تعالى ـ مذكراً خلقه بعبورهم إلى البعث عن طريق المقابر ـ: { أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ(2)}[ التكاثر]. يذكرهم تعالى بأن ما أشغلوا أنفسهم به من زخارف الحياة الدنيا من الأموال والأولاد وغيرها، ألهاهم عن مقابرهم التي سيزورونها بعد موتهم، فيجدون أن ما ألهاهم عن التفكر فيها وتذكرها كان وبالاً عليهم؛ لأنهم لم يعدوا لها ما يسعدون به فيها من الأعمال الصالحة التي ترضي ربهم عنهم.

    ومن الآيات التي استدل بها العلماء على عذاب القبر، قوله تعالى في فرعون وقومه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}[غافر]. قال القرطبي رحمه الله عند تفسير للآية: "والجمهور على أن هذا العرض في البرزخ. واحتج بعض أهل العلم في تثبيت عذاب القبر بقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} ما دامت الدنيا. كذلك قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا، ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}.

    ومن الأحاديث الدالة على نعيم القبر وعذابه، ما رواه ابن عمر رضِي الله عنهما، أن رسول الله صَلى الله عليه وسلم، قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي. إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة. وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار. يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة)[ البخاري (1/463) دار إحياء التراث العربي، ومسلم (17/169) دار الكتب العلمية.].

    وفي حديث أنس رضِي الله عنه، عن النبي صَلى الله عليه وسلم، قال: (العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صَلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعداً من الجنة). قال النبي صَلى الله عليه وسلم: (فيراهما جميعاً).. (وأما الكافر أو المنافق فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس. فيقال: لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين) [البخاري (1/448).].

    ومن الأحاديث الدالة على عذاب القبر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : (أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إِذَا تَشَهَّدَ أَحدُكم فَليَستَعِذْ بالله من أَربعٍ، يقول : اللَّهمَّ إِني أعوذُ بِكَ من عذابِ جَهَنَّمَ ، ومن عذابِ القَبْرِ ، ومن فِتْنَةِ المحيَا والمماتِ ، ومن شَرِّ فِتنَةِ المسيحِ الدَّجَّالِ» .هذا لفظ مسلم ، ووافقه البخاري على الاستعاذة ، ولم يذكر التشهد). [جامع الأصول: 2176]

    ومعلوم أن المسلم لا يدري ما يختم له، كما في حديث عبد الله بن مسعود رضِي الله عنه، قال: "حدثنا رسول الله صَلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات، فيكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة.. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار). [البخاري (3/1212])..

    وهذا يدعو المؤمن إلى الخوف المستمر من سوء الخاتمة التي إذا مات عليها استحق عذاب القبروما بعده، فيبقى مقبلاً إلى ربه متذللاً خاشعاً يرجوه حسن الخاتمة، والنجاة من عذاب القبر، ولهذا كان الرسول صَلى الله عليه وسلم يكثر من الاستعاذة بالله من عذاب القبر، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما.


    القيامة والبعث:

    معروف معنى البرزخ وهو الحد الفاصل بين شيئين، ومعلوم مما سبق أن المقابر ليست هي المأوى الذي يخلد فيه الموتى، وإنما هي محل لزيارتهم أي مكوثهم فيها مدة معينة، يخرجون منها عندما يريد الله تعالى بعثهم منها. كما قال تعالى: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ (2)} [التكاثر]. وبعثهم من قبورهم يكون يوم القيامة التي لا يعلم وقتها إلا الله تعالى، وإن ظهر للناس بعض علاماتها صغراها ثم كبراها، التي بينتها الأحاديث الصحيحة في كتب الحديث والكتب التي خصصت لعلامات الساعة.

    ويوم القيامة يوم له أسماء وأوصاف مخيفة، وفيه أهوال عظيمة، تدعو العقلاء إلى شدة الخوف من أوصافه الرهيبة ومن أهواله العظيمة، ومن تلك الأسماء: القيامة والواقعة والحاقة والقارعة والغاشية والساعة والطامة الكبرى، ويوم الفصل ويوم الحسرة ويوم الوعيد، ويوم التغابن ويوم الجمع ويوم الخروج ويوم الحساب ويوم التناد، وأحيل القارئ إلى كتاب الله تعالى للاطلاع على تلك الأسماء والأوصاف وغيرها مما ذكره الله تعالى، وبخاصة كثرة تكرر أوصافها بإضافة كلمة يوم إليها، كما أحيله في معانيها إلى كتب التفسير ومفردات القرآن وكلماته، ففي معرفة تلك الأسماء والصفات وتدبر معانيها ما يجعل الإنسان، وبخاصة المسلم يفكر دائماً في ذلك اليوم، وما ينتظره فيه، وما سيكون عليه من سعادة أو شقاوة، وذلك جدير أن يحدث له الخشوع لربه كلما تذكره. [وللشيخ أحمد الصوفي موسوعة من عشرة مجلدات خاصة بعلامات الساعة وما يحدثه الله فيها من الوقوف لرب العالمي نفي يوم مقداره خمسون ألف سنة، ينتظرون فيه حساب الله وثوابه للمؤمنين وعقابه للكافرين...وذلك دال على عظمة الله تعالى في الدنيا والآخرة]

    وتأمل هاتين الآيتين القصيرتين التي يصف فيهما ربنا شيئاً من أهوال ذلك اليوم ـ سواء قُصد بما اشتملتا عليه ما يحصل في الكون العلوي والسفلي فيزلزل كل ما فيها وما في غيرها، أم قصد به ما يحصل يوم القيامة بعد انقضاء الدنيا، وصفاً تنخلع له القلوب وتقشعر له الأبدان وتذهل له العقول، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}[ الحج، وراجع ما ذكره شيخنا العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله عند تفسيره للآيتين].

    وأوصي كل مسلم يتلو كتاب الله تعالى، بتدبر كلمة "يوم" الواردة بكثرة توقظ النائم وتذكر الغافل، هذه الكلمة يضيفها الله تعالى إلى صفة من صفات يوم القيامة أو يصفها بها، وأذكر منها ثلاثاً من تلك الصفات، وصف منها باثنتين، وأضيف إلى واحدة: قال تعالى عن عباده المقرِّين بحدوث هذا اليوم: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (7)}. وقال: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (10)}. وقال تعالى عن الجاحدين الغافلين عن أهوال ذلك اليوم: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (27)} [الآيات الثلاث من سورة الإنسان].

    وأنقل ما قاله الإمام القرطبي رحمه الله في المعاني الثلاثة المذكورة في سورة الإنسان، قال رحمه الله: { كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} أي عالياً داهياً فاشياً، وهو في اللغة ممتداً؛ والعرب تقول: استطار الصدع في القارورة والزجاجة واستطال: إذا امتد... ويقال: استطار الحريق: إذا انتشر. واستطار الفجر إذا انتشر الضوء... وكان قتادة يقول: استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السموات والأرض. وقال مقاتل: كان شره فاشياً في السموات فانشقت، وتناثرت الكواكب، وفزعت الملائكة، وفي الأرض نسفت الجبال وغارت المياه [انتهى باختصار من تفسير القرطبي].

    إن تدبر هذه الآيات الثلاث المذكورة في سورة الإنسان، وما سبق كلاً منها وما تبعها من صفات فريقي عباد الله المؤمنين وثوابهم، وصفات أعدائه من حزب الشيطان وعقابهم، إن تدبر ذلك ليذكر القلب بعظمة الله ويدعو صاحبه إلى غاية الخضوع لهذا الرب العظيم والإخبات والخشوع له.




يعمل...
X