الحلقة الأولى.
حوار مع المستشرق النرويجي المنصف د. آينربيرج – أوسلو (النرويج)
حلقاته طويلة بسبب المراسلات التي تمت بيني وبينه بعد رجوعي إلى المدينة، من الرحلة الأوربية هذه التي استغرقت ثلاثة شهور تقريبا.
[يغلب على ظني أنه إذا وجد شيء في كتابات هذا الرجل فيه مخالفة لبعض معاني القرآن والسنة، فهو ناشئ من سوء فهم، وليس عن سوء قصد].
الاثنين 30/12/1407هـ في جامعة أوسلو آخر أيام العام الهجري
سمعت المسلمين يثنون على الدكتور آينر بيرج (ainrberg)، وعلى كتاباته عن الإسلام، وعلى ترجمته لمعاني القرآن الكريم، فاشتقت للقائه أكثر من غيره من المستشرقين الآخرين. وضرب لي الأخ أبو يوسف موعداً مع الرجل للاجتماع به، في جامعة أوسلو في مقر عمله في الساعة الواحدة من ظهر هذا اليوم. وكنا عنده في الساعة الواحدة والربع.
رحب بنا ترحيباً حاراً، وهو يتحدث باللغة الإنجليزية، واللغة العربية باللهجة المصرية، وبعد أن تعارفنا وبدأ هو يثني على الإسلام طلبت منه أن نبدأ الحوار لأسجل المعلومات الممكن تسجيلها. فكانت كما يأتي: ولد الدكتور آينر بيرج سنة 1921م وقال: غداً سيكون عمري 66 سنة.
متى سع عن الإسلام، ومتى اهتم به، وما سبب اهتمامه
قلت له: متى كان أول سماعك عن الإسلام في حياتك؟. قال: في الحرب العالمية الثانية، كنت طياراً، وكان عندنا أسرى من المسلمين في شمال إفريقيا، وكانوا عمالاً في إنجلترا، وكنت هو تابعاً للجيش الإنجليزي، وكان أولئك العمال يُصلُّون، واهتم هو بذلك وسألهم عن دينهم ولم يكن قبل ذلك يعرف شيئاً عن الإسلام، ولا كان دارساً له.قلت: متى بدأ اهتمامك بالإسلام؟. قال: عندما جئت إلى النرويج في سنة 1960م. قلت: وما سبب اهتمامك به؟. قال: إنه كان مهتماً بالدين بصفة عامة، والتقى المسلمين في إنجلترا فزاد اهتمامه به، وذلك قبل 45 سنة من الآن وأغلبهم أسرى كانوا منفيين في إنجلترا، ودرس تاريخ الأديان وخاصة الإسلام سنة 1965م.
من مؤلفاته
من مؤلفاته كتاب لم يستطع الأخ أبو يوسف أن يترجم عنوانه إلا بمشقة وهو: "الإسلام بين الصدام والحوار"، وسألت عن مضمون هذا العنوان؟ فقال الدكتور: إن الإسلام حصل بينه وبين الكنيسة في الأندلس صدام، والآن هو مع الكنيسة في حوار، يقصد أنه يمكن أن يتفاهم المسلمون والنصارى بدلاً من أن يتحاربوا. [وبهذا فُهِم معنى عنوان الكتاب].
كتب ترجمها
وتَرجم كتابَ الأيام لطه حسين، وكذلك ترجم كتاب مبادىء الإسلام للمودودي، وقال عن كتاب المودودي هذا: إنه بَيَّنَ أصولَ الإسلام. وترجم معاني القرآن الكريم، وقال: إنه بدأ في ترجمته عندما كان يُدَرِّس الطلبة في الجامعة، وكان يترجم لهم بعض الآيات، فلما كثرت عنده الآيات المترجمة، أحب أن يكمل ذلك وكان بداية الترجمة سنة 1970م، وأول طبعة خرجت سنة 1980م.

الأستاذ الدكتور آينربيرج في مكتبه بجامعة بلندر في أوسلو وقت الحوار الذي أجريته معه وفي يده كتاب أصول الإيمان للشيخ محمد بن عبد الوهاب 30/12/1407هـ - 24/8/1987م
سبب اتجاهه لدراسة الإسلام
سألته: عن سبب اتجاهه لدراسة الإسلام وتدريسه، أكثر من الديانات الأخرى كاليهودية والبوذية؟. فقال: كان يعرف الأديان الأخرى من قبل، ولكن الإسلام يفسر معنى الإله تفسيراً واضحاً، ويبين سبب وجودنا بطريقة يقبلها العقل والقلب. وقال: في سنة 1967م التقى في القاهرة بعض الأزهريين وبعض العلماء من دولة عربية أخرى. وقال: إنه قد دُعِي من قِبَل بعض المؤسسات المسيحية والمدارس لإلقاء محاضرات عن الإسلام.
متى خل الإسلام النرويج؟
قلت له: هل تعرف متى دخل الإسلام النرويج؟. قال: في سنة 1000م كانت توجد تجارة جيدة بين النرويج وروسيا، وكان من بين تجار روسيا مسلمون، ويرجع أصلهم إلى الخليفة البغدادي، ووصل هؤلاء المسلمون إلى النرويج بدليل وجود عملة عربية قديمة. كتب في سنة 1967م كتيباً صغيراً ضد اليهود، واحتجت سفارة اليهود في النرويج واتصلوا برئيس الجامعة يطلبون منه أن يفصله من الجامعة ولكنهم أخفقوا.
لا يشك أن القرآن من عند الله
وسألته عن القرآن ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ماذا يرى فيهما وقد ترجم معاني القرآن الكريم ودرس الإسلام وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؟. فقال: لا أشك في أن القرآن من الله، ولا أشك في ثبوت رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. [يوجد عند بعض المسيحيين اعتقاد أن القرآن وحي، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول إلى العرب خاصة، ولا يعتقدون أن الأديان الأخرى، وبخاصة النصرانية منسوخة بذلك].
ترجمته لمعاني القرآن الكريم وسببها
وقال: إني عندما ترجمت القرآن الكريم كنت أشعر أن الله ساعدني على ترجمته. وكانت ترجمته من العربية إلى النرويجية واستعان بالترجمة الفرنسية والإنجليزية والألمانية واللاتينية. درَس اللغة العربية في هذه الجامعة [جامعة أوسلو] ودَرَسَها في القاهرة لمدة سنة. وكان يوجد أستاذ في جامعة أوسلو يعرف كل اللغات السامية، ومنها العربية وتعلم الدكتور آينر بيرج قليلاً من العربية منه.
ويوجد أستاذ سوداني في الجامعة يسمى عبد المجيد العرقي، أثنى عليه الدكتور وقال: إنه مخلص وطيب وهو معجب به، لأنه يفيد النرويجيين ويحب الحضارة الإسلامية. [قال لي بعض المسلمين: إن هذا الأستاذ السوداني غير ملتزم بالإسلام كما ينبغي]. وقال الدكتور: إنني الآن أُدَرّس اللغة العربية على قواعدها.
من أعجبه من علماء المسلمين قديماً وحديثا.
قال: في هذه الأيام حسن البنا وسيد قطب، وقبلهما محمد عبده، وقبله ابن تيمية، وقال: إن السبب في إعجابه بهؤلاء أنهم يقولون أشياء منطقية صحيحة، يقبلها الإنسان العاقل، وكذلك ابن الجوزي. وقال: إننا في حاجة إلى مسند الإمام أحمد بن حنبل، عندنا نسخة واحدة منه فقط والطلاب يقبلون إليه كثيراً، ويسأل: هل طبع من جديد؟.
وكانت لديه نسخة من كتاب أصول الإيمان للشيخ محمد بن عبد الوهاب أخذ الكتاب بيده وأثنى عليه كثيراً. ولديه مكتبة جيدة من المراجع الإسلامية في الجامعة وهو في حاجة إلى المزيد. [وقد أرسلت له كتاب المسند مع كتب أخرى بعد عودتي من هذه الرحلة، وسيأتي ما دار بيني وبينه من مكاتبات]
أسلم على يديه ستة من طلابه
وسألته عن عدد المسلمين من أصل نرويجي؟. فقال: لا يدري، وعنده هو طلاب نرويجيون أسلموا وعددهم ستة: رجلان وأربع نساء.
مستقبل الإسلام في أوربا والموضوعات المؤثرة في الأوروبيين
قلت له: ماذا ترى عن مستقبل الإسلام في أوروبا؟. قال: عدد المسلمين كثير جداً في أوروبا، ولكن المستقبل يتوقف على عدم استعمال العنف الذي يجري الآن بين بعض المسلمين، كما يحصل من الخميني، فإن ذلك يحد من انتشار الإسلام في أوروبا.
قلت له: ما الموضوعات التي ترى أنها يمكن أن تؤثر في الأوروبي؟. قال: أهم موضوع هو العقيدة الصافية، وإبراز الحضارة الإسلامية. وقال: لا أعتقد أن الاقتصاد المشاع حالياً -كالبنوك الإسلامية -مفيد لأنها لا تختلف عن البنوك الأخرى، فهي تأخذ فائدة بأسلوب آخر. [على المسؤولين عن البنوك الإسلامية أن يوضحوا للناس عدم صحة هذه التهمة التي سمعتها من كثير من الناس مسلمين وغير مسلمين].
ومن الموضوعات المهمة بيان النواحي الاجتماعية في الإسلام، كتربية الأطفال وكونهم لهم مكانتهم في الإسلام وعلاقة الوالدين بهم. وكذلك قضية المرأة في الإسلام، لأن الأوروبي يعتقد أن المرأة ليس لها مكانة في الإسلام.
قلت له: هل تظن أن هذا الاعتقاد خطأ من الناس أو لهم مستند في ذلك؟. قال: الرسول صلى الله عليه وسلم كان طيباً مع نسائه، ولكن التطورات التي حصلت بعد ذلك غيرت من المعاملة للمرأة قليلاً. مثال ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة رضي الله عنها، ولم يتزوج عليها امرأة أخرى خلال 25 سنة، ثم تزوج بعد ذلك عدداً من النساء لأسباب كثيرة.
لكن الآن، وإن كان القرآن يحل الزواج بأكثر من واحدة، فعلى الزوج أن يبقى 25 سنة مع زوجته قبل أن يتزوج عليها غيرها، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن العدل بين الزوجات صعب كما دل على ذلك القرآن، ولهذا ينبغي الاكتفاء بزوجة واحدة. أخبرته أن هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش طويل معه ولكن الوقت لم يكن متسعاً، ونحن في حاجة إلى المزيد من المعلومات، ولكن يبدو أن الرجل عنده استعداد طيب لقبول الحق إذا اتضح له.
صفات الداعية المسلم
وسألته عن صفات الداعية المسلم الذي يمكن أن يؤثر في الأوروبي بدعوة الإسلام؟. فاهتم بذكر ثلاثة أمور تعتبر موضوعات وليست صفات للداعية إلا من حيث قدرته على إتقانهما:
الأول: أن يخاطب الناس بالأمور التي يتفق فيها المسلمون والمسيحيون حتى يستميلهم، فإذا حصل ذلك تدرج معهم بالأمور الأخرى التي يخالفون فيها.
والثاني: دفع الشبهات المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم، مثل قولهم أنه كان نزاعاً إلى النساء ولذلك تزوج نساء كثيرات، وأنه كان يعتمد على العنف في دعوته إلى الإسلام.
الثالث: أن يكون الداعية إلى الإسلام متمكناً في مقارنة الأديان، بحيث يكون عنده علم بالدين الذي يدعو أهله إلى الإسلام، كالمسيحية مثلاً. لأنه بذلك يستطيع أن يبين لهم عدم صحة دينهم، ويبين لهم سمو الإسلام وضرب لذلك مثالين:
المثال الأول: أن القرآن اعتبر آدم وحواء مشتركين في الخطيئة عندما أكلا من الشجرة، والمسيحيون يعتبرون المرأة هي سبب الخطيئة، وأن حواء هي التي أغوت آدم، ويعتبرون أن الخطيئة ما زالت مستمرة في ابن آدم.
المثال الثاني: أن الإسلام يعتبر الطفل مولوداً على الفطرة والمسيحيون، بسبب الإيمان عندهم باستمرار الخطيئة في ابن آدم، يحكمون على الطفل أنه يولد متحملاً الخطيئة. وقبل مائة سنة كانوا يغطسون الأطفال عندما يولدون في الماء حتى يطهروهم من الخطيئة في زعمهم. فإذا ماتوا قبل الغسل لم يدفنوهم، وإنما يلقونهم في الزبالة لأنهم متسخون بالخطيئة!
قلت: لقد أشار هذا الرجل إلى أمرين مهمين الأمر الأول: دفع الشبهات عن الإسلام. والأمر الثاني: مقارنة الأديان و ذكر أمثلة تبين ما في المسيحية من أخطاء. وسبق أن قال: إن أهم موضوع إسلامي هو تقديم العقيدة الصافية للناس!.
هل قام المسلمون بواجبهم في الدعوة إلى الإسلام
وسألته: هل قام المسلمون بواجبهم في نشر الإسلام وإقامة الحجة على الناس؟. قال: أغلب المسلمين هنا جهال، ولكن في استطاعة المتعلمين منهم أن يعقدوا اجتماعات، ويلقوا محاضرات لتفهيم الناس الإسلام. قال: كان يُعرَض برنامج في التلفزيون منذ سنوات، وكان له أثر جيد، وليته يعاد هذا البرنامج مرة أخرى.ووجود المسلمين في النرويج يلفت انتباه الناس للإسلام، ولا أرى أن الحجة قد قامت على الناس بالدعوة إلى الإسلام، لعدم من يبلغ الإسلام إليهم. والأخطر من ذلك أن الكتب الموجودة في المدارس تتضمن موضوعات ضد الإسلام. قلت له: أيهما أكثر تأثيراً في النرويجي من المسلمين الطلاب أم الجالية؟. قال: كلهم سيؤثرون، لأن وجودهم ينبه الناس إلى الإسلام، والنرويجي إذا أراد أن يسأل عن الإسلام توجه إليهم.
رأيه في الاستفادة من الإعجاز العلمي
قلت له: ما رأيك في اتخاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وسيلة لدعوة الأوروبي؟. فقال: لا أعتقد أن أحداً يرى أن القرآن يتناقض مع العلم، وعلى الرغم من أن الكنيسة هاجمت العلماء، ولكنها الآن تحترم العلماء، فلا أرى داعياً لطرح ذلك. [كنت أريد أن أوضح له عن معنى الإعجاز العلمي في القرآن ولكن الوقت كان ضيقاً فلم نستطع مناقشة كثير من المسائل].
هذا وقد بقينا معه ساعتين كاملتين، وكان الحوار معه ممتعا جداً، وكان هو في غاية السرور. وقد ودعنا بحرارة أرجو الله أن يوفقه ويزيده بصيرة، وقد سألني بعض الأسئلة في معنى بعض الآيات القرآنية من ذلك. قوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10)} [الفجر]. ما معنى الأوتاد؟ فأخبرته في حينه بما حضرني وهو أن لفرعون الطاغية أوتاداً كان يوثق أرجل الناس وأيديهم إليها إذا غضب عليهم. فقال هو: إن المعنى الذي تبادر إلى ذهنه أنها الأهرامات لأنها كالجبال، والجبال سميت أوتاداً في القرآن. فقلت له: الأفضل أن تعود إلى تفسير السلف أولاً، كتفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير، فوعد بذلك.
هذا، وقد كنا عازمين على زيارة جزيرة ترومو في شمال النرويج، التي توجد بها أسرتان مسلمتان، ولكن ضاق الوقت علي فألغيت الحجز بعد أن حجزنا هذا اليوم لنسافر إليها غداً. ولا زال يراسلني، ويسأل عن بعض الأمور التي تشكل عليه هو وتلاميذه وبعضهم مسلمون. وستأتي مراسلاته وأجوبتي عليها في الحلقات القادمة، وفيها حوار في بعض أصول الإسلام وفروعه.