الحلقة الثانية المكاتبات التي دارت بيني وبين الأستاذ آينر بيرج الأستاذ بجامعة أوسلو بالنرويج، بعد رجوعي إلى المدينة:
صورة من الخطاب الذي أرسلته حول استفساره عن ختان البنات في الإسلام. وعن وصول الكتب التي بعثتها له حسب طلبه
هذا وقد جرت بيني وبين الأستاذ المذكور مكاتبات بعد رجوعي إلى المدينة بفترة، حيث بدأ هو بالمكاتبة، مستفسرا عن بعض الأحكام الإسلامية، وبعض معاني الآيات القرآنية، وكنت أرد على كتبه التي يبعث بها إليَّ، وأرى أن من المناسب إثباتها هنا، وفي هذا حفظ لها، وبيان لموقف الرجل من الإسلام

المستشرق آينر برج في مكتبه بجامعة بلندر بكلية اللاهوت 30/12/1407ﻫ - 24/8/1987م
موضوع ختان البنت في الإسلام
أرسل لي رسالتين
الأولى: أخبرني فيها بوصول الكتب التي بعثتها له،.[ كنت بعثت له بمسند الإمام أحمد، وتفسير ابن كثير، وبعض مؤلفاتي، بناء على طلبه.]
والثانية سألني فيها عن حكم الإسلام في ختان البنت، فأرسلت له نص الرسالة الآتية، في هذا التاريخ 13/3/1409هـ ـ23/10/ 1988م فأجبته بالرسالة الآتية:
سعادة المكرم البروفيسور آينر ، وفقه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد وصل منكم رسالة فيها مسألتان:
الأولى فيها إخباري بوصول الكتب التي بعثا إليكم، وقد سرني ذلك والحمد لله.
والثانية: أنكم تستفسرون فيها عن حكم ختان المرأة في الإسلام، وهل يدخل في تغيير خلق الله الذي يوسوس به إبليس للناس، كما أشرتم إلى ذلك في آية سورة النساء

والذي أود أن أقوله لكم باختصار في هذا الأمر ما يأتي:
1-أن المراد بخلق الله-هنا- فطرته التي فطر الناس عليها، بحيث تنسجم مع دينه، إذا لم تجتلها الشياطين، فكل شخص خالف ما أمر الله به، وغير شيئا من خلق اللهن مخالفا لما في شرع الله، فقد ارتكب ما نهى الله عنه، فقد أطاع إبليس في تغيير خلق الله وفطرته المتفقه مع دينه.
ولا يدخل في ذلك فعل ما شرعه الله تعالى، حتى ولو كان فيه تغيير لخلقه، وأضرب لكم مثلا بخصال الفطرة، مثل ختان الرجال، ونتف شعر الإبط وقص الأظافر، وحلق العانة، فإنها سنن مشروعة، ولا يجوز أن يقال عنها: إنها من تغيير خلق الله الذي يوسوس به إبليس، لأن الله تعالى أذن في ذلك، بل شرعه.
[ولو قيل: إن حلق اللحية يدخل في تغيير خلق الله الذي يوسوس به إبليس، لكان القائل به على حق، لأن الله تعالى شرع إعفاءها، فحلقها من تغيير خلقه غير المأذون فيه].
ويدخل فيما شرعه الله ختان المرأة، فهو مستحب، وليس بواجب، وقد وردت به بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيها كلام لعلماء الحديث، من حيث تضعيفها، والذي يظهر لي أنها بمجموعها ترقى إلى درجة الحسن لغيره، وهو من أنواع الحديث المعمول به، والحديث الحسن لغيره هو الذي فيه ضعف، ولكنه يتقوى بمجموع طرقه، ولا يصل إلى درجة الحديث الصحيح.
وبناء على ذلك، فإن ختان المرأة لا ينبغي إدخاله فيما يوسوس به إبليس من تغيير خلق الله، كما أن ختان الرجل ليس مما يوسوس به إبليس من تغيير خلق الله، بل كلاهما مما شرع، وإن كانت أحاديث ختان الرجل أصح.
وقد ذكر العلماء من حكمة مشروعية ختان المرأة، أن ترك تلك القطعة كاملة من أسباب قوة الشهوة عندها، فيؤخذ منها شيء يسير لكسر الشهوة الزائدة، ولهذا يقال: إن النساء اللاتي لا تُختَنّ يكثر فيهن السحاق، وهو إتيان المرأة المرأة، وهو أمر شاذ مخالف للفطرة، فضلا عن كونه سببا لفعل الفاحشة مع الرجال، والله أعلم.
وإذا أردتم مراجعة هذه المسألة -حكم ختان المرأة- فإن من الكتب التي اهتمت بها كتاب المغني، لابن قدامة الحنبلي، في الجزء الأول، بعنوان: فصول في الفطرة [يلاحظ أنه أدخل ختان المرأة في خصال الفطرة، وذلك عكس الزعم بأنه مما يوسوس به الشيطان] واستدل على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى الختانان -أي فرج الرجل وفرج المرأة-.) وهو في صحيح البخاري، كما استدل بحديث في المسند (5/75) وبحديث في مجمع الزوائد (5/172) ويمكن مراجعة الجزء الأول من كتاب (نيل الأوطار) للشوكاني.
وأخيرا فإنني سأتصل بالدكتور عبد الله بن عمر نصيف في شأن المساعدة على طبع كتابكم ترجمة معاني القرآن الكريم، لعل الله ييسر الأمر. [كان طلب مني الاتصال بالدكتور نصيف، لأبلغه رغبته في طبع الكتاب]
وإذا بدا لكم أن تستفسروا عن أي شيء يتعلق بالإسلام، فأرجو أن لا تترددوا في الكتابة إلي، وأنا سأرد على أسئلتكم، وإذا أشكل علي شيء منها فسأسأل عنه أساتذتي وزملائي إن شاء الله. وأنا مسرور جدا بلقائكم في مكتبكم بجامعة أوسلو، ومسرور جدا بتلك الكلمة التي سمعتها منكم، وهي قولكم: (إن قلبي مؤمن بالله وبكتابه وبرسوله).
سألته هل أدخله في حواراتي مع مسلمين، أو حوارات مع غير مسلمين
وأود أن أسألكم: لقد قابلت عددا من الأوربيين، منهم المسلم، ومنهم غير المسلم، وقد أعددت كتابين-استخرجتهما من مذكراتي في الرحلة الأوربية الطويلة التي قابلتكم فيها-للنشر: الأول بعنوان: حوارات مع مسلمين أوربيين. الثاني بعنوان: حوارات مع أوربيين غير مسلمين.
وترددت في أمركم: هل أدرجكم في الكتاب الأول، أو في الثاني، لأنكم صارحتموني أنكم مسلمون تكتمون إسلامكم، أو أضعكم في الكتاب الثاني، بحسب ما يظهر للناس الذين لا يعرفون إسلامكم؟ أرجو إفادتي برأيكم في الموضوع. وإني أكرر لكم وصيتي بأن تحافظوا على أركان الإسلام، حتى إذا لقيتم الله وجدتموه راضيا عنكم بالأعمال الصالحة، كما أرجو أن تكثروا من الاتصال بالمسلمين وتساعدوهم باستمرار، وبخاصة الرابطة والمركز الإسلامي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم في الله د. عبد الله قادري الأهدل الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
وستأتي بقية الحلقات