إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وصية الوداع(1)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وصية الوداع(1)




    (لا أدري لَعَلَّي لا أَحُجُّ بعد حَجَّتي هذه)

    هكذا قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه في حجته الفريدة التي سميت بحجة الوداع، والتي ودع فيها أصحابه بما وصاهم به من قواعد الحلال والحرام وآداب الحياة السعيدة.

    ووصية قادة الأمم لأممهم سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، كما ذكر الله ذلك عن أبي الأنبياء وكبار ذريته، تحقيقا لوصية الله تعالى لعباده، كما قال تعالى:

    { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) [الأنعام]

    وقال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ (131)} [النساء]

    وغيرها من الآيات التي جمع الله فيها من أصول الحلال والحرام والآداب السامية ما يحقق للعباد سعادتهم في الدنيا والآخرة، وكلفها عباده، سواء ذكرها بلفظ الوصية أو غيره، مثل ـ(قضى) في سورة الإسراء، ووصيته تعالى لعباده هي وصية الحي الذي لا يموت.
    أما سائر خلقه، فـ{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ....(185)} [آل عمران]

    قال تعالى عن وصية إبراهيم لبنيه، وعن اقتداء كبار ذريته لبنيهم:

    {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} [البقرة]

    ولوصية المودع أثرها العظيم، لا سيما وصية المحبوب لمحبيه، كما في حديث الْعِرْباضِ بْنِ سَارِيَة رضي اللَّه عنه قال: وَعَظَنَا رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم مَوْعِظَةً بليغةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُون، فقُلْنَا: يا رَسولَ اللَّه كَأَنَهَا موْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قال: « أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّه... [أبو داود، والترمذِي وقال حديث حسن صحيح]

    ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بكتابة وصاياهم بما لهم وما عليهم، حتى إذا دنا أجلهم، يكونون قد أبرءوا نفوسهم من الإثم الذي يلحقهم بسبب تقصيرهم، كما في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - : أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « ما حَقُّ امرئ مسلم له شيء يوصِي به - وفي رواية: له شيء يريد أن يوصي به - أن يبيت ليلتين - وفي رواية : ثلاث ليال - إِلا ووصيته مكتوبة عنده ». قال نافع : سمعتُ عبد الله بن عمر يقول : « ما مَرّتْ عَلَيَّ لَيلة منذ سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول ذلك إِلا وعندي وصيّتي مكتوبة ». [متفق عليه].

    ولقد وعظ صلى الله عليه وسلم، ووصي أمته عندما شعر باقتراب أجله، ليقتدوا به وبمن سبقه من إخوانه، فوصاهم في أكبر جمع لهم و احتفال، وهو يوم عرفة، وأشعرهم بما شعر به من دنو أجله ليحرصوا على تلقي ما يوصيهم به.
    فقد قال لأمته في ذلك الجمع العظيم: (خُذُوا عَني مَناسِكَكُمْ ، لا أدري لَعَلَّي لا أَحُجُّ بعد حَجَّتي هذه) [مسلم]

    روى ابن جرير بسنده - عند تفسيره الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً (3)} [المائدة] عن هارون بن عنترة, عن أبـيه, قال: "لـمّا نزلت: الـيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وذلك يوم الـحجّ الأكبر, بكى عمر, فقال له النبـيّ صلى الله عليه وسلم: (ما يُبْكِيكَ)؟ قال أبكانـي أنا كنا فـي زيادة من ديننا, فأما إذ كمَل فإنه لـم يكمل شيء إلا نقص, فقال: (صَدَقْتَ).

    قال البغوي رحمه الله في تفسيره على هذه الآية: "وكانت هذه الآية نعي النبي صلى الله عليه وسلم وعاش بعدها إحدى وثمانين يوما".

    وقال البقاعي في تفسيره [نظم الدرر]: "وقد ظهر بهذا أن حاصلها الإيذان بكمال الدين ودنو الوفاة لخاتم النبيين ، والنصر على جميع الظالمين الطاغين الباغين ، وذلك من أعظم مقاصد المائدة"

    وقد بين الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، أن مصير خلقه كلهم الموت، وأنه لا يخلد أحد في هذه الحياة، بما فيهم رسولهم الكريم، فقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} [آل عمران]
    وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء]



    سورة النصر تنعى رسول الله

    وقد فهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سورة النصر: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)} أنها نعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى بين لرسوله في السورة أنه إذا تحقق له النصر على أعدائه وعلا دين الله في الأرض، وجاءته وفود الناس يدخلون في دينه، فوجا فوجا، فعليه أن يكثر من عبادة ربه ويسبحه ويستغفره استعدادا للقائه.

    فقد كان عمر يختار لمجلس شوراه، فقال بعضهم لعمر: لم تدخل هذا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من علمتم، فدعا عمر ابن عباس، ليري كبار الصحابة فضله وأهليته، وعقد له ولهم اختبارا في الفهم، فقال لهم: "ما تقولون في قول اللّه عز وجل { إذا جاء نَصْرُ اللّه والفتح }" فقال بعضُهم : أُمِرْنا بأنْ نَحْمَدَ اللّه ونَسْتَغْفِرَهُ ، إذا نُصِرْنا وفُتِحَ عَلَيْنا ، وسكتَ بعضُهم، فلم يقل شيئا، فقال لابن عباس: أكذَاك تقولُ يا ابن عباسٍ؟ فقال: لا ، قال : فما تقول ؟ قلتُ : هو أَجلُ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم أَعْلمهُ [ له ] ، فقال : {إذا جاء نَصْرُ اللّه والفتح}فذلك علامةُ أجَلِكَ { فَسبحْ بحمدِ رَبَّكَ واستغفره ، إنه كان توّابا } فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول. [والقصة في صحيح البخاري.]

    وتضمن موعظته لهم صلى الله عليه وسلم، موقفان في يومين متتابعين:
    أحدهما: يوم عرفة.
    وثانيهما: يوم النحر

    خطبة الرسول يوم عرفة

    روى أبو بكرة أبو بكرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيأته يومَ خلق اللهُ السموات والأرض ، السَّنةُ اثنا عشر شهرًا منها : أربعةٌ حُرُمٌ ، ثلاثَةٌ متواليات : ذو القعدة ، وذو الحِجَّة والمحرَّمُ ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادَى وشَعبانَ ، أيُّ شهر هذا ؟ » قُلنا : اللهُ ورسولُه أعلمُ ، فَسكَت حتى ظنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيه بغير اسمه ، فقال : « أليس ذا الحجة ؟ » قلنا : بلى ، قال : « أيُّ بلد هذا؟» قلنا : الله ورسُوله أعلم ، فَسكَتَ حتى ظننَّا أنَّه سَيُسمِّيه بغير اسمه ، قال : « أليس البلدَةَ الحرام ؟ » قلنا : بلى ، قال : « فأيُّ يومٍ هذا ؟ » قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : « أليس يومَ النَّحْر ؟ » قلنا : بلى ، قال : « فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرامٌ ، كحُرمَةِ يومكم هذا ، في بَلدِكم هذا ، في شهركم هذا ، وستلْقَون ربَّكم فيسألُكُم عن أعْمالِكم ألا فلا ترجعوا بعدي كُفّارًا ، يَضْرِبُ بعضُكُم رقابَ بعضٍ ، ألا ليُبَلِّغِ الشاهِدُ الغائبَ ، فَلعلَّ بعضَ منْ يَبْلُغُهُ أن يكون أوْعى من بعض من سَمِعَهُ » ثم قال: « ألا هلْ بَلَّغتُ؟ ألا هل بلغت؟» قلنا : نعم ! قال : « اللَّهُمَّ اشْهدُ ».

    ففي يوم عرفة هذا أفاد أصحابه بما يأتي:

    1-ذكرهم بالزمن الذي حدده الله وأنه لا يجوز تبديله: السَّنةُ اثنا عشر شهرًا منها أربعةٌ حُرُمٌ ، ثلاثَةٌ متواليات : ذو القعدة ، وذو الحِجَّة والمحرَّمُ ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادَى وشَعبانَ، وهو رد على العرب في النسيء الذي شرعوه في جاهليتهم، حيث جعلوا السنة ثلاثة عشر شهرا، لجعلهم المحرم صفرا، بدلا مما خلقه الله عليه وهو 12 شهرا، حتى لا تمنعهم عن القتال ثلاثة أشهر متوالية: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)} [التوبة]

    2-كما ذكرهم بحرمة الزمن (أيُّ شهر هذا؟) قلنا : الله ورسوله أعلم
    3-(فأيُّ يومٍ هذا) قلنا : الله ورسوله أعلم
    4- وذكرهم بحرمة المكان (أيُّ بلد هذا؟) قلنا : الله ورسوله أعلم
    5-وحرمة الأموالَ.
    6-وحرمة الأعراض.
    (عليكم حرامٌ ، كحُرمَةِ يومكم هذا ، في بلدِكم هذا، في شهركم هذا.)

    وحذرهم من جزاء الله لهم وعقابه عند لقائه يوم الدين إذا انتهكوا حرماته: (وستلْقَون ربَّكم فيسألُكُم عن أعْمالِكم، ومن ذلك عدوان بعضهم على بعض بدون حق)
    7-(ألا فلا ترجعوا بعدي كُفّارًا ، يَضْرِبُ بعضُكُم رقابَ بعضٍ.)

    8-وقاس لهم على حرمة الزمان والمكان: حرمة الدِماءَ والأموال والأعراض، والذي يظهر أنه إنما قاس هذه الحرم، على حرمة الزمان والمكان، مع أن حرمة قتل النفس بغير حق أعظم من حرمة الزمان والمكان، لأنهم يعظمونهما، ويستهينون بحرمة الدماء والأموال والأعراض.

    9-وأمرهم بنقل وصاياه له إلى من غاب عنها ويسمعها الذي قد يكون أكثر فقها لها ممن سمعها، وهو تكليف بالقيام بالبلاغ المبين: (ألا ليُبَلِّغِ الشاهِدُ الغائبَ، فَلعلَّ بعضَ منْ يَبْلُغُهُ أن يكون أوْعى من بعض من سَمِعَهُ) ويؤخذ من هذا أن الحافظ قد لا يجتمع له مع حفظه فقه ما حفظه، وأن غير الحافظ قد يكون أفقه منه، كما نص على ذلك العلماء، ومنهم الإمام الشافعي في الرسالة.

    10-ثم أقام عليهم الحجة بأنه قد أدى إليهم ما أمره الله بتبليغه: (ألا هلْ بَلَّغتُ؟ ألا هل بلغت؟)
    11- ثم أشهد عليهم الله تعالى بأنه قد بلغ: (اللَّهُمَّ اشْهدُ)


    خطبة الرسول يوم النحر

    عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم النحر فقال يا أيُّها الناس ، أيُّ يومٍ هذا ؟ ) قالوا :يومٌ حرامٌ ، قال : (وأيُّ بلدٍ هذا ؟ ) قالوا : بلد حرام ، قال : (فأيُّ شهر هذا؟ ) قالوا : شهر حرام ، قال : ( فإنَّ دماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)- فأعادها مرارًا - ثم رفع رأسه فقال : (اللهمَّ هل بلغْتُ ؟ اللهم هل بلغت) قال ابن عباس : "فوالذي نفسي بيده إنَّها لوصيَّتُه إلى أمَّتِه ، (فليُبَلِّغْ الشاهدُ الغائبَ ، لا تَرجِعوا بعدي كفَّارًا يَضرب بعضكم رقابَ بعض) [البخاري]

    و عن سليمان بن عمرو بن الأحوص - رحمه الله - قال : حدَّثني أبي : أنه شهدَ حجَّةً الوداع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذَكَّرَ ووعظ ، ثم قال : « أيُّ يوم أحرَمُ ؟ أي يوم أحرَمُ ؟ أي يوم أحرمُ ؟ » قال : فقال الناسُ : يومُ الحج الأكبر يا رسول الله ، قال : « فإنَّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا ، ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه ، ولا يجني والد على ولده ، ولا يَجني ولَدٌ على والده ألا إن المسلم أخو المسلم ، فليس يحلُّ لمسلمٍ من أخيه شيء إلا ما أحلَّ من نفسهِ. ألا وإنَّ كلَّ ربًا في الجاهلية موضوعٌ ، لكْم رُؤوسُ أموالكِم لا تَظلِمُون ولا تُظْلَمون ، غير رِبا العبَّاس ، فإنَّه موضوعٌ كله ، ألا وإن كلَّ دَمٍ كان في الجاهلية موضوعٌ ، وأوَّلُ دمٍ أضعُ من دم الجاهلية : دمُ الحارث بن عبد المطلب ، وكان مُسْتَرضْعًا في بني ليثٍ ، فقتلتْه هُذَيلٌ ، ألا واستَوصوا بالنساء خيرًا ، فإنَّهُنَّ عَوانٌ عندكم ، ليس تملكون شيئًا غيرذلك ، إلا أنْ يأتين بفاحشة مبيِّنة ، فإن فعلْنَ ذلك فاهجرُوهنَّ في المضاجع ، واضربوهن ضربًا غير مُبَرِّحٍ ، فإن أطعنكُم فلا تَبغوا عليهن سبيلاً ، ألا وإن لكم على نسائكم حقًا ، ولنسائكم عليكم حقًا ، فأمَّا حقُّكُمْ على نسائكم ، فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم مَن تكرهون ، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وإن حَقَّهُنَّ عليكم : أنْ تُحْسِنُوا إليهنَّ في كسوتهن وطعامهن».

    و في رواية ألا وإن الشيطان قد أيس أن يُعْبَدَ في بلدكم هذا أبدًا ، ولكن سيكونُ له طاعةٌ فيما تحتقرون مِنْ أعمالكم ، فسيَرْضى به ». [الترمذي.]

    أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: يومٌ حرامٌ، وفي رواية: أي يوم أحرم؟ ثلاثا؟ قالوا يوم الحج الأكبر.
    وأيُّ بلدٍ هذا ؟ قالوا : بلد حرام.
    1-فإنَّ دماءَكم
    2-وأموالَكم
    3-وأعراضَكم عليكم حرامٌ كحرمةِ يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا.

    في خطبته صلى الله عليه وسلم في يوم النحر زيادات على ما في خطبته يوم عرفة، وهذه خلاصتها:

    أولا: أن الصحابة هابوا أن يجيبوه على أسئلته عن اليوم والشهر والبلد في عرفة، لأنهم لا يدرون ما كان يريد أن يقول، ولكنهم يوم النحر أجابوه، لأنهم قد عرفوا ذلك منه في خطبته يوم عرفة، فقالوا: يومٌ حرامٌ، و بلد حرام. ويوم الحج الأكبر.

    ثانيا: نهيه صلى الله عليه وسلم عن العدوان والجنايات، وأن من جني فإنما يجني على نفسه: (ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه) ونهى الوالد أن يجني على ولده، وقد كانوا في الجاهلية يقتلون أولادهم: (ولا يجني والد على ولده) كما نهى الولد أن يجني على والده: (ولا يَجني ولَدٌ على والده) وهذا يحدث كثيرا، وبخاصة في التنافس على الرئاسات والملك.

    ثالثا: تأكده صلى الله عليه وسلم على الرابطة الأخوية الإسلامية، قال: (ألا إن المسلم أخو المسلم.) ورتب على ذلك معاملة المسلم لأخيه المسلم ما يحب هو أن يعامله غيره به: (فليس يحلُّ لمسلمٍ من أخيه شيء إلا ما أحلَّ من نفسهِ.)

    رابعا: تحذيره من تعامل المسلمين فيما بينهم في أموالهم بما فيه ضرر يعود عليهم فيها وفي اقتصادهم، وخص من ذلك ما هو أخطر في ذلك التعامل، وهو الربا، وبدأ بربا أقرب الناس إليه وهو عمه العباس فوضعه كله: (ألا وإنَّ كلَّ ربًا في الجاهلية موضوعٌ ، لكْم رُؤوسُ أموالكِم لا تَظلِمُون ولا تُظْلَمون ، غير رِبا العبَّاس ، فإنَّه موضوعٌ كله.) وقد ظهر ضرر الربا على الاقتصاد وفساد معاملاته وضررها على الأمم، وبخاصة في هذا الزمان.

    خامسا: إبطاله صلى الله عليه وسلم، الدماء التي أهريقت في أيام الجاهلية، حسما لمادة التعصب و العدوان الجاهلي الذي يفرق بين الأمم ويكثر بينهم التنازع ويديمه: (ألا وإن كلَّ دَمٍ كان في الجاهلية موضوعٌ ، وأوَّلُ دمٍ أضعُ من دم الجاهلية : دمُ الحارث بن عبد المطلب، وكان مُسْتَرضْعًا في بني ليثٍ ، فقتلتْه هُذَيلٌ.)

    سادسا: وصيته بالنساء: (ألا واستَوصوا بالنساء خيرًا ، فإنَّهُنَّ عَوانٌ عندكم ، ليس تملكون شيئًا غير ذلك ، إلا أنْ يأتين بفاحشة مبيِّنة ، فإن فعلْنَ ذلك فاهجرُوهنَّ في المضاجع ، واضربوهن ضربًا غير مُبَرِّحٍ، فإن أطعنكُم فلا تَبغوا عليهن سبيلاً. ألا وإن لكم على نسائكم حقًا ، ولنسائكم عليكم حقًا، فأمَّا حقُّكُمْ على نسائكم ، فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم مَن تكرهون ، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حَقَّهُنَّ عليكم : أنْ تُحْسِنُوا إليهنَّ في كسوتهن وطعامهن».

    سابعا: نهيه عن الجنايات والعدوان بها على القريب والبعيد، وأن جناية المرء على غيره تعود على نفسه في الإثم والعقاب، وتذكيرهم بالأخوة الإسلامية المقتضية للمعاملة فيما بينهم بما بينه الله تعالى لهم في دينهم الإسلامي من الأحكام والآداب فيما بينهم:
    (ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا يَجني ولَدٌ على والده، ألا إن المسلم أخو المسلم.)

    يتبع


يعمل...
X