الوصية بالنساء
(ألا واستَوصوا بالنساء خيرًا ، فإنَّهُنَّ عَوانٌ عندكم ، ليس تملكون شيئًا غير ذلك ، إلا أنْ يأتين بفاحشة مبيِّنة ، فإن فعلْنَ ذلك فاهجرُوهنَّ في المضاجع ، واضربوهن ضربًا غير مُبَرِّحٍ، فإن أطعنكُم فلا تَبغوا عليهن سبيلاً. ألا وإن لكم على نسائكم حقًا ، ولنسائكم عليكم حقًا، فأمَّا حقُّكُمْ على نسائكم ، فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم مَن تكرهون ، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حَقَّهُنَّ عليكم : أنْ تُحْسِنُوا إليهنَّ في كسوتهن وطعامهن».
في هذا المقطع من الحديث، حث الرسول صلى الله عليه وسلم، على قبول أمته وصيته بالنساء، وتنبيههم على ما الرأفة والشفقة عليهن، وتذكيرهم بما مكنهم من حبسهن على مصلحتهم في بيوتهم حيث فارقن أهلهن من الآباء والأمهات والأقارب، وآثرن البقاء عندهم ليقمن بمصالحهم، وبخاصة العناية بأولادهم وتربيتهم الجسمية والمعنوية: (فإنهن عوان عندكم) أي أسيرات، كما فسره العلماء.
وأن الأزواج لا يملكون منهن شيئا غير ذلك، فلا يجوز لهم الاعتداء عليهن بضرب ولا هجر ولا إيذاء، ما لم يأتين بفاحشة بينة يستحققن عليها التأديب والزجر، فإن أتين بشيء من ذلك فلهم أن يؤدبوهن بما يكون مناسبا لفعلهن مما يمكن أن يقوم عوجهن من نصح أو هجر، أو ضرب غير مجرح ولا شديد عليهن، إذ ليس المقصود به الإساءة عليهن بل المراد التأديب المفيد.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى، فقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34)} [النساء]
فإذا كانت المرأة صالحة مطيعة لربها في أمره ونهيه، ولزوجها في المعروف، فالواجب احترامها وعدم التعرض لها بأذى، ولا يتعاطى تأديبها إلا إذا أتت بفاحشة بينة كما ذكر الله، وقد ذكر العلماء أن من الفاحشة المبينة "النُّشُوزِ وَسُوءِ الْعِشْرَةِ وَعَدَمِ التَّعَفُّفِ"
وجَعْلُ الرسول صلى الله عليه وسلم الوصية بالنساء بندا من بنود وصية وداعه لأمته، دليل على شدة الاهتمام بهن، وقد ورد في حقهن من الوصايا والآداب والأحكام قي القرآن والسنة مع الآباء والأبناء وجميع الأقارب والأزواج والمجتمع كله، ما لم يوجد له مثيل في أي شريعة سماوية أو قانون أرضي، والذي يرغب في تفاصيل ذلك عليه أن يشمر لقراءتها فيهما، وفيما سطره علماء الإسلام وما استنبطوه في شأنها منهما، ولقد حصل عليهن ظلم ومخالفة لما شرعه الله في حقهن من ثلاثة أقسام من المنتسبين إلى الإسلام:
القسم الأول: الجاهلون لحقوقهن الشرعية، وهذا دواؤه في طلب الجاهل العلم على يد العلماء المخلصين الصادقين مع ربهم.
القسم الثاني: المتشددون في الدين الذين قد ينزلون عادات بلدانهم التي تعارفوا عليها - وقد تكون حسنة ولكنها ليست واجبة ولا محرمة شرعا - قد ينزلون تلك العادات منزلة النصوص الشرعية الدالة على الوجوب أو التحريم، ويكون في ذلك تضييق على المرأة أو حرج لم يلزمها الله به، ودواء هؤلاء أن يتدبروا القرآن الكريم والسنة المطهرة، ويأخذوا فقههما ممن آتاهم الله الفقه في الدين بقواعده وضوابطه التي تقي المتفقه عن الإفراط أو التفريط.
القسم الثالث: قوم يعبدون شهواتهم، ويحبون التخلق بالأخلاق السيئة المخالفة للشريعة الإسلامية، ويغيظهم أن يروا من يتخلق بها، وهم المنافقون الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر به، وهم يرون في الواقع أن المرأة المسلمة الملتزمة بأحكام الشريعة، تكون قدوة حسنة لغيرها من الأبناء والبنات والجيران والزميلات، تهتم بتربية الأجيال سواء كانت في بيتها أو في مدرستها أو في مكان وظيفتها في مستشفى أو جامعة، أو في سوق أو في حفل زفاف أو غيرذلك.
هؤلاء المنافقون يعلمون أن ما تتخلق به المرأة المسلمة هو من شرع الله تعالى، وهو ما يحبه الخالق ويرضاه ويحبه رسوله صلى الله عليه وسلم ويرضاه، ويحبه المؤمنون ويرضوه، وفيه مصلحة للأمة، وفي ضده الفساد كل الفساد.
ولكن المنافقين يودون لو أن الناس كلهم مثلهم يرغبون في تحقيق شهواتهم، والخروج على كل ما يحول بينهم وبين تعاطيها، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)} [النساء]
وأذكر على سبيل المثال الحجاب الشرعي الذي فرضه الله على المرأة المسلمة، فقد أمر الله نبيه أن يبلغ المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عن النظر المتعمد إلى غير محارمهم من النساء، وأن يبلغ المؤمنات بأن يغضضن أبصارهن عن النظر المتعمد عن الرجال، وأن يسترن بثيابهن أجسامهن، وبخاصة مواضع الإثارة منها، وبين لهن ما يباح لهن إظهاره لمحارمهن، فقال تعالى: (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ....(31)} [إلى آخر الآية من سورة النور].
كما أمر الله رسوله أن يبلغ أزواجه وبناته وسائر نساء المؤمنين، أن يسترن أجسامهن بعباءاتهن ليظهرن بذلك عفتهن حتى لا يطمع فيهن الفساق بسبب تبرجهن كما كان الإماء يفعلن في الماضي، وكما يفعل إماء ما يسمى بالفن في زمننا اليوم، فيطمع فيهن الفسقة والمنافقونومرضى القلوب، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59)} (62)} [الأحزاب]
وكان للمرأة المسلمة الملتزمة بدين الله تعالى وشريعته وآداب الإسلام وحشمته والتمسك بفطرتها التي فطرها الله عليها من الحياء والعفة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وفي القرون المفضلة، شأن عظيم في ميادين العمل الإسلامي في بيتها وخارج بيتها، فقد شاركت في الخير أباها وابنها وأخاها وسائر أقاربها وكل إخوانها المسلمين من الرجال، في التربية والتزكية والخدمة والجهاد في سبيل الله والتجارة والزراعة والتمريض والرأي والمشورة، وهي محتشمة لا يرى منه إلا ما أباح الله لها إظهاره.
ولا زالت المرأة الصالحة المتصفة بهذه الصفات الحميدة موجودة إلى الآن في جميع البلدان الإسلامية، وإن كثرت في بعضها وقلت في بعض، بحسب قوة أسباب تلك الصفات وضعفها، بل إنها لموجودة في البلدان غير الإسلامية في أوربا، في شرقها وغربها ووسطها وفي أمريكا الشمالية والجنوبية وفي غالب بلدان آسيا من اليابان إلى ساحل العاج وفي أستراليا ونيوزيلندا، مع كثرة المحاربين لالتزامها بذلك، حتى سنوا القوانين لحرب التزامها، وهي صامدة لا تخضع لتلك الحرب الظالمة لقوة إيمانها بدينها، وهي تنافس الرجال في كافة الميادين العلمية ولإعلامية والاقتصادية وغيرها، وقد نالت أرقى الشهادات العليا في تخصصات متنوعة.
ولما عظم على المنتسبين للإسلام من المنافقين أن يروا هذه المرأة المسلمة تجمع بين التزامها بدينها وبين التفوق المنافس لهم في كل الميادين، مع ما تُخَرِّج من الأجيال الصالحين في منزلها الذي تطيع فيه زوجها وتعبد ربها وتزكي أولادها، وفي أماكن عملها في المدرسة والجامعة والمستشفى، لما رأوا ذلك منها، وهم يكرهون بقاء الإسلام صافيا يتخرج في معاقله شباب الصحوة الذين ينتشرون في الأرض، انتشار النحل الذي يخرج من بطونه العسل المصفى، من معاني القرآن والسنة والأخلاق المنبثقة عنهما، وكثرة من يشرب من تلك الأنهار التي تقوي في قلوبهم الإيمان العميق، شق عليهم أن يروا هذه المرأة تُعينُ أخاها الرجل المسلم على إخراج هذا الشباب الذي صحا بعد غفوة، تعمد غير المسلمين والمنافقون من تلامذتهم، أن يجعلوه يغط فيها، وصعب عليهم أن يكون للمرأة هذا الشأن، فوصفوها بأشنع الأوصاف ليثنوها عن السير على صراط الله المستقيم، واتخذوا كل وسيلة يظنون أنهم سيصرفون بها المرأة المسلمة عن السير في ذلك الصراط المستقيم.
واتخذوا وسائل الإعلام المتنوعة سُلَّما لتحقيق مآربهم، فأخرجوها من بيتها ومن أماكن عملها التي تقوم فيها بوظائفها مع الاحتشام والتقوى، إلى ساحات الفسق والفجور والعري بل والدعارة، فأصبحت سلعة للإعلانات التجارية، ومادة يتسلون بها في الأسواق والشوارع وشواطئ البحار والأنهار، وملاعب الرياضة ودور السينما حتى أقرت أعينهم بنشر صورها عارية عريا كاملا، إما بمفردها وإما في جمعيات من بنات جنسها، ولقد أصبح كثير من الفضائيات والصحف ومواقع في الإنترنت شبيهة بِقَوَّادات، وفيما تحمله ناقلات الصور والأصوات [الفيديوهات] كفيديو كليب وغيره ما يدل على محاربة الأخلاق ومصادرها من الأديان والفطر والعادات الحميدة، وهم يدلون الشبان والشابات وكل المجتمعات إلى مواقع تلك الصور، من أحل نشر الفواحش باسم حرية الإعلام، وحرية الناس:
http://www.alarabiya.net/articles/20...15/177270.html
قارنوا بين ما تنشره الحيوانات الجُعَلِيَّة، من فساد ومنكر وفواحش، وبين ما تقوم به المرأة المسلمة في بعض البلدان الإسلامية، وعلى سبيل المثال المرأة في اليمن، التي مكثت مع أخيها الرجل عشرة شهور إلى الآن، في ميادين التغيير والحرية، ثائرة على الظلم والاستبداد، تتلقى - وهي محجبة في داخل ثيابها - ما يتلقاه الرجل من الرصاص والصواريخ، تجرح كما يجرح الرجل، وتستشهد كما يستشهد الرجل، وتصرع في ميدان الحرية مع ابنها الطفل أو ابنتها الطفلة، كما يصرع الرجل وطفله.

ويستشهد أحد أقربائها، فلا تصرخ باكية، بل تغمس يدها في دمه المهراق وتكتب به (ارحل يا سفاح) وتتبع ذلك بصوتها العالي مزغردة لأنه نال الشهادة في الموقع اللائق به، وتتجلد أمام عدوها الذي قتل قريبها، حتى لا تريه من نفسها ضعف موقفها:

وفاء الشيباني شقيقة الشهيد هاني
http://www.marebpress.net/news_detai...856&lng=arabic

وهي تتطوع بالبقاء في ميادين التغيير والحرية، لمداواة الجرحى، وتجهيز جثامين الشهداء
http://www.dw-world.de/dw/article/0,,15171838,00.html
وإن في صمود المرأة اليمنية وثورتها ضد الظلم والطغيان هذه الفترة الطويلة العصيبة لمادة تستحق الدراسة في جامعات العالم ومراكز بحثه ومؤسساته الاجتماعية، ليعرف العالم كله هذه المرأة المسلمة التي تصر على حجابها في وقت الرخاء والشدة، ليبدو محاربو الحجاب في الغرب والشرق أنهم تافهون لا يستحقون أن يلتفت إلى كتاباتهم ولا إلى أصواتهم المبحوحة الظالمة، وتعرف المرأة الغربية والمستغربة من النساء المسلمات أن هذا الخلق الذي أظهرته المرأة اليمنية - وغيرها في بلدان مشابهة - المحجبة هو الخلق الذي يجب الاقتداء به.
ولقد أجبرت المرأة اليمنية بخلقها وحجابها ومطالبتها بالحق الشرعي لشعبها بالأسلوب السلمي، أن تعترف بها مؤسسة عالمية ليست إسلامية، وتمنحها جائزة لم تكن بحسبان هذه المرأة ولا بحسبان العالم الإسلامي أن تنالها، ليس لأنها لا تستحقها، بل لأن مؤسسة الجائزة لم تكن تلتفت لها ولا لخلقها وعقيدتها، التفاتتها إلى المرأة المخالفة لها. فهذه الناشطة الحقوقية والصحفية اليمنية توكل كرمان حصلت على جائزة نوبل للسلام لهذه السنة: 2011:

وهذه المرأة اليمنية التي منحت الجائزة، مع كونها أكبر من الجائزة، إلا أنها ملتزمة بالتواضع الذي أدبها به إيمانها، وليست ممن ترفع رؤوسهم المادة ويخفضها عدمها، كما أنها - بإذن الله - مراقبة في قلبها لربها الذي أمرها بالإخلاص له وحده في أعمالها التي تريد بها إصلاح بلادها،
ومع ذلك فإن رئيس بلدها الذي وقفت ضده لتعنته على شعبه وظلمه له، قد أمر كلابه البوليسية باختطافها، واعتقالها في دهاليز جبروته المسماة بـ(الأمن) ولم تخرج منها إلا بضغط من القبائل اليمنية التي لا تنام على إهانة امرأة في شعبها، خرجت من تلك الدهاليز، وهي تتمثل بقول قدوتها البطل الثائر على الظلم، أبي الأحرار وزعيم سادة الثوار الأستاذ محمد محمود الزبيري الذي اغتالته يد الظلمة الطغاة الذين يزعجهم رجال العزة العالية والتحرر من الاستعباد، رحمه الله:
خرجنا من السجن شم الأنوف،،،،،،،،،،كما تخرج الأسد من غابها
نمر على شفرات السيوف،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،ونأتي المنية من بابها
ألا ترون أيها المنادون بحقوق المرأة أن نساء اليمن الثائرات هن أهل لأستاذية نساء العالم، ألا تستحون وتخجلون من الحقوق التي تزعمون أن المرأة محرومة منها، ولا تعرفون منها إلا السفور والخروج عن تعاليم الإسلام وعن العادات الاجتماعية الحسنة، التي تعارفت عليها المجتمعات، فأثمرت فيها الخير والمعروف، وحجزت بين أبنائها وبين الشر والمنكر.
إن المرأة المسلمة في كثير من البلدان، حملت أعلى الشهادات، وتقلدت كثيرا من المناصب القيادية اللائقة بها، في التعليم والطب والإعلام والتجارة والصناعة والزراعة والهندسة، والمحاماة، وحتى القضاء في بعض البلدان، بعض تلك الوظائف لم يصل إليها أخوها الرجل، وهي راضية في كل تلك الميادين بحجابها وحشمتها، وأنتم مصرون على خروجها عليه وعلى سفورها، لماذا؟
ألستم تريدون لها التهتك والانحلال وأن تكون لقمة سائغة للذئاب البشرية التي لا يرضيها صيانة عرض المرأة وبعدها عن استباحته من قبل تلك الذئاب.
حرضوا النساء المسلمات على الاقتداء بالمرأة المسلمة الصادقة في إسلامها اليمنية - وزميلاتها المماثلات في جميع البلدان - فيما قامت به هذه المدة الطويلة من الثورة على الظلم والاستبداد، وهي بهذا الوضع المحتشم العظيم، ولا تدعوهن إلى التأسي بالعاريات الفاتنات اللاتي يتخذن غير المسلمات من اليهوديات والنصرانيات والمشركات والمنافقات أسوتهن في الفواحش والمنكرات: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)} [النساء]
وأنتم - أيضا - يا من تزعمون أنكم تشفقون على المرأة وتدعون إلى منحها حقوقها، تعلموا من شباب اليمن الحضارة والتمدن والنظام الإداري والفقه السياسي، وقوة التحمل والصبر، والإيثار والثقافة العالية والإبداع الفني والأناشيد الراقية، وقرض الشعر العربي الفصيح ذي الأغراض المتنوعة، والخطابة المؤثرة، وعدم النوم على الضيم.
إن ميادين هذا الشباب أظهرت ما يتصف به من العقيدة الثابتة والخلق العظيم وتحديد الأهداف السامية والسعي الحثيث من أجل تحقيقها، وذلك كله يستحق أن يدرس في دور العلم من الروضة إلى الدراسات العليا، لتعرف المجتمعات الإسلامية وغيرها عظمة هذا الشباب من الرجال والنساء، وينبغي أن يلهم غيره أسباب الحياة العزيزة والترفع عن دنايا الأمور وسفاسفها.
إن العالم قد سئم من الدعوات المقيتة إلى هبوط الأخلاق وسفول أهداف الحياة، وتعلق القلوب بالملهيات والشهوات الحيوانية، وأخذ يتلفت يمنة ويسرة يريد أن يرى في أفقه أهدافا سامية يسعى لتحقيقها ويسير في جادة توصله إلى مبتغى راق جدير بالسعي إليه، في دنياه وآخرته، متمثلا فيما أرده له ربه، ولم يرده له عدوه: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)} [محمد]
لقد فصل القرآن الكريم والسنة المطهرة، حقوق المرأة المعنوية والمادية، حقوقها على أبويها، وحقوقها على أولادها، وحقوقها على جميع أقاربها، وحقوقها على زوجها، وحقوقها على مجتمعها، حقوقها التربوية، وحقوقها في النفقات والسكن والملبس، وحقها في الزواج بمن ترضاه زوجا لها، وما يجب لها من مهر وعدل وبر، وغير ذلك مما خصصت في جمعه مؤلفات كثيرة
ومع ذلك فإنه يجب أن نعترف، بأنها قد ظلمت في كثير من حقوقها الشرعية، من بعض أقاربها ومن زجها وحكوماتها، مع تفاوت البلدان التي تظلم فيها، ولكن يجب أيضا أن نعلم أن الظلم لم يقتصر على المرأة، بل شمل معها الرجل، ولاسيما من ولاة أمور المسلمين، وبخاصة تلك التي لا تحكم شرع الله.
ولكن دعاة حقوق المرأة الذين أرادوا إخراجها عن حصانتها وعفتها، ضخموا الأمور في ذلك حتى أوجدوا بين المرأة والرجل خصومة وفجوة، واغتنموا ما عندها من عاطفة فألهبوها ضد الرجل، مع أن المرأة المسلمة الصالحة تعرف ذلك وتقف من تلك الدعوة موقف العدل منكرة على أولئك الدعاة ذلك التحريش بينها وبين الرجل، لمعرفتها سوء نياتهم نحوها، لما رأت من آثار تلك الدعوة في بنات جنسها، وما شاع في البلدان الإسلامية من وباء المنكرات في شوارعها وأماكن لهوها.
وبخاصة مع ما توفر من وسائل الإعلام التي قفزت في هذه الفترة قفزات لا مثيل لها، مباشرة عن طريق التلفاز والصحافة الإلكترونية، ومواقع الإنترنت الإباحية، وعن طريق الأجهزة التي تجعل الاتصال بين الرجل والمرأة ميسرا بالصوت والصورة، بالهاتف الجوال بأنواعه الكثيرة، بدون رقيب عليها من الأهل والأقارب، بعد أن فقدوا رقابة الله في قلوبهم، ومسجلة عن طريق الفيديو، الذي يحفظ لطالبي المنكر ما يثيرون به شهواتهم في أي وقت يريدون.