عائشة رضي الله عنها، أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: (بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة)، فلما جلس تَطَلَّق النبي صلى الله عليه وسلم، في وجهه وانبسط إليه..
وفي رواية: ألان له القول، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم،: (يا عائشة متى عهدتني فحاشاً؟ إن شر الناس منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره) [البخاري (7/81) ومسلم (4/2002).]
قال الحافظ في الفتح: "قال الخطابي: جمع هذا الحديث علما وأدبا. وليس في قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بالأمور التي يسميهم بها ويضيفها إليهم من المكروه غيبة، وإنما يكون ذلك من بعضهمم في بعض.
بل الواجب عليه أن يبين ذلك ويفصح به ويعرف الناس أمره، فإن ذلك من باب النصيحة والشفقة على الأمة. ولكنه لما جبل عليه من الكرم وأعطيه من حسن الخلق أظهر له البشاشة ولم يجبهه بالمكروه. لتقتدي به أمته في اتقاء شر من هذا سبيله وفي مداراته ليسلموا من شره وغائلته.
قلت وظاهر كلامه أن يكون هذا من جملة الخصائص وليس كذلك، بل كل من اطلع من حال شخص على شيء وخشى أن غيره يغتر بجميل ظاهره فيقع في محذور ما، فعليه أن يطلعه على ما يحذر من ذلك قاصدا نصيحته. وإنما الذي يمكن أن يختص به النبي صلى الله عليه وسلم أن يكشف له عن حال من يغتر بشخص، من غير أن يطلعه المغتر على حاله، فيذم الشخص بحضرته ليتجنبه المغتر ليكون نصيحة، بخلاف غير النبي صلى الله عليه وسلم فإن جواز ذمه للشخص يتوقف على تحقق الأمر بالقول أو الفعل ممن يريد نصحه.
وقال القرطبي: في الحديث جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش، ونحو ذلك من الجور في الحكم والدعاء إلى البدعة، مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم، ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة في دين الله تعالى، ثم قال تبعا لعياض والفرق بين المدارة والمداهنة، أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، وهي مباحة وربما استحبت.
والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته، ومع ذلك فلم يمدحه بقول فلم يناقض قوله فيه فعله، فإن قوله فيه قول حق وفعله معه حسن عشرة، فيزول مع هذا التقرير الاشكال بحمد الله تعالى.
وقال عياض: لم يكن عيينة [أي الذي ذمه الرسول] والله أعلم حينئذ أسلم، فلم يكن القول فيه غيبة، أو كان أسلم ولم يكن إسلامه ناصحا، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك لئلا يغتر به من لم يعرف باطنه، وقد كانت منه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده أمور تدل على ضعف إيمانه فيكون ما وصفه به النبي صلى الله عليه وسلم من جملة علامات النبوة.
وأما إلانة القول له بعد أن دخل، فعلى سبيل التألف له ثم ذكر نحو ما تقدم وهذا الحديث أصل في المداراة، وفي جواز غيبة أهل الكفر والفسق ونحوهم والله أعلم
[تعليق: يجب أن يكون من يبين الشر في الغائب، صادقا في نصيحته، ليس له في ذلك غرض شخصي، كأن يكون بينه وبين من اغتابه خصومة، أو تحاسد ونحو ذلك.][/color]