صفوة الأمة بعد الأنبياء -الفاروق والشهادة العلمية الغالية
28-05-2009, 02:39 pm
--------------------------------------------------------------------------------
عظيم أن يشهد عالم ثقة ثبت لأحد؛ لكن أعظم من ذلك أن تكون الشهادة صادرة عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم . وماذا يضير الفاروق أن لا يشهد له الثقلان افتراضا ، ثم ماذا لو ثلبه الجميع؛ أيضره ذلك ، وقد شهد له الحبيب الذي لا ينطق عن الهوى ؟! .
مسكين من يتطاول على العظماء ؛ فإنه يعرّض نفسه للسخرية والاحتقار! فأين الثرى من الثريا ... إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
نعوذ بالله من الجهد المهدور ، والتصرف المحظور.
نص الشهادة الغالية
قال الإمام البخاري : حدثني محمد بن الصلت أبو جعفر الكوفي حدثنا بن المبارك عن يونس عن الزهري قال أخبرني حمزة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر فقالوا يا رسول الله فما أولته قال العلم} 1.
سبقت الإشارة إلى معنى الحديث وتعبير الرؤيا عند ذكره في مناقب الصديق رضي الله عنه .
"وقوله شربت يعني اللبن ... ورؤية الري على سبيل الاستعارة كأنه لما جعل الري جسما أضاف إليه ما هو من خواص الجسم وهو كونه مرئيا . وأما قوله انظر فإنما أتي به بصيغة المضارعة والأصل انه ماض استحضارا لصورة الحال وقوله انظر يؤيد أن قوله أرى في الرواية التي في العلم من رؤية البصر لا من العلم والري بكسر الراء ويجوز فتحها. قوله يجري أي اللبن أو الري وهو حال ...ثم ناولت عمر في رواية عبدان ثم ناولت فضلي يعني عمر وفي رواية عقيل في العلم ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب . قوله قالوا فما أولته أي عبرته قال العلم بالنصب أي أولته العلم وبالرفع أي المؤول به هو العلم ...2"
ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع ، وكونهما سببا للصلاح؛ فاللبن للغذاء البدني ، والعلم للغذاء المعنوي.
وفي الحديث فضيلة عمر؛ وان الرؤيا من شأنها ألاتحمل على ظاهرها، وان كانت رؤيا الأنبياء من الوحي ؛ لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره 3.
والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله . واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فان مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ؛ ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد. ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له ؛ فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله رضي الله عنه وأرضاه ، واستخلف علي رضي الله عنه وأرضاه ؛ فما ازداد الأمر إلا اختلافا والفتن إلا انتشارا4.
لقد فُسر العلم هنا بأنه سياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله . وقد طال عهد الفاروق رضي الله عنه إضافة إلى حسن سياسته فكثرت الفتوحات ، بخلاف الصديق فإن عهده كان قصيرا ، وهذا تعليل جيد لمغزى تعبير الرؤيا على أن الأسس التي انطلقت منها الفتوحات وسواها من الإصلاحات ... قد أسسها النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده الصديق رضي الله عنه . وقد ساس أميرا الموؤمنين عثمان وعلي الأمر على حسب ما يريانه ، وحسب ما قدر لهما ، ولم تمتد خلافة أمير المؤمنين علي مدة يستطيع من خلالها أن يعيد الأمور إلى نصابها بعد أن استفحلت الفتنة وانتهت بقتل ذي النورين وماجت موجتها العاتية ؛ نعوذ بالله من الفتن رضي الله عن جميع الصحاية وأرضاهم . ولا يفوتنا أن ننبه هنا إلى خطورة الأعداء اليهود والمنافقين في صنع الدسائس والمؤامرات التي شبكت خيوطها الجهنمية حتى وصلت إلى ما صلت إليه ، ولا زالت تفعل بوحدة الأمة فعلها ، ولكن الله حافظ دينه ومعين عباده والعاقبة للمتقين . فهل يعي هذا من لا يزال يشارك في مشروع إبقاء الأمة مفرقة بعيدة عن منهجها السليم ، وهو من أبنائها ؟
--------------
1- صحيح البخاري 3/1346 رقم3478.
2- الفتح 7/46 بتصرف
3- ينظر: تقرير ذلك في كتاب التعبير في نفس المرجع
4- الفتح 7/46 بتصرف
28-05-2009, 02:39 pm
--------------------------------------------------------------------------------
عظيم أن يشهد عالم ثقة ثبت لأحد؛ لكن أعظم من ذلك أن تكون الشهادة صادرة عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم . وماذا يضير الفاروق أن لا يشهد له الثقلان افتراضا ، ثم ماذا لو ثلبه الجميع؛ أيضره ذلك ، وقد شهد له الحبيب الذي لا ينطق عن الهوى ؟! .
مسكين من يتطاول على العظماء ؛ فإنه يعرّض نفسه للسخرية والاحتقار! فأين الثرى من الثريا ... إذا لم يكن عون من الله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
نعوذ بالله من الجهد المهدور ، والتصرف المحظور.
نص الشهادة الغالية
قال الإمام البخاري : حدثني محمد بن الصلت أبو جعفر الكوفي حدثنا بن المبارك عن يونس عن الزهري قال أخبرني حمزة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر فقالوا يا رسول الله فما أولته قال العلم} 1.
سبقت الإشارة إلى معنى الحديث وتعبير الرؤيا عند ذكره في مناقب الصديق رضي الله عنه .
"وقوله شربت يعني اللبن ... ورؤية الري على سبيل الاستعارة كأنه لما جعل الري جسما أضاف إليه ما هو من خواص الجسم وهو كونه مرئيا . وأما قوله انظر فإنما أتي به بصيغة المضارعة والأصل انه ماض استحضارا لصورة الحال وقوله انظر يؤيد أن قوله أرى في الرواية التي في العلم من رؤية البصر لا من العلم والري بكسر الراء ويجوز فتحها. قوله يجري أي اللبن أو الري وهو حال ...ثم ناولت عمر في رواية عبدان ثم ناولت فضلي يعني عمر وفي رواية عقيل في العلم ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب . قوله قالوا فما أولته أي عبرته قال العلم بالنصب أي أولته العلم وبالرفع أي المؤول به هو العلم ...2"
ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع ، وكونهما سببا للصلاح؛ فاللبن للغذاء البدني ، والعلم للغذاء المعنوي.
وفي الحديث فضيلة عمر؛ وان الرؤيا من شأنها ألاتحمل على ظاهرها، وان كانت رؤيا الأنبياء من الوحي ؛ لكن منها ما يحتاج إلى تعبير ومنها ما يحمل على ظاهره 3.
والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله . واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان فان مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف ؛ ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد. ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له ؛ فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله رضي الله عنه وأرضاه ، واستخلف علي رضي الله عنه وأرضاه ؛ فما ازداد الأمر إلا اختلافا والفتن إلا انتشارا4.
لقد فُسر العلم هنا بأنه سياسة الناس بكتاب الله وسنة رسول الله . وقد طال عهد الفاروق رضي الله عنه إضافة إلى حسن سياسته فكثرت الفتوحات ، بخلاف الصديق فإن عهده كان قصيرا ، وهذا تعليل جيد لمغزى تعبير الرؤيا على أن الأسس التي انطلقت منها الفتوحات وسواها من الإصلاحات ... قد أسسها النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده الصديق رضي الله عنه . وقد ساس أميرا الموؤمنين عثمان وعلي الأمر على حسب ما يريانه ، وحسب ما قدر لهما ، ولم تمتد خلافة أمير المؤمنين علي مدة يستطيع من خلالها أن يعيد الأمور إلى نصابها بعد أن استفحلت الفتنة وانتهت بقتل ذي النورين وماجت موجتها العاتية ؛ نعوذ بالله من الفتن رضي الله عن جميع الصحاية وأرضاهم . ولا يفوتنا أن ننبه هنا إلى خطورة الأعداء اليهود والمنافقين في صنع الدسائس والمؤامرات التي شبكت خيوطها الجهنمية حتى وصلت إلى ما صلت إليه ، ولا زالت تفعل بوحدة الأمة فعلها ، ولكن الله حافظ دينه ومعين عباده والعاقبة للمتقين . فهل يعي هذا من لا يزال يشارك في مشروع إبقاء الأمة مفرقة بعيدة عن منهجها السليم ، وهو من أبنائها ؟
--------------
1- صحيح البخاري 3/1346 رقم3478.
2- الفتح 7/46 بتصرف
3- ينظر: تقرير ذلك في كتاب التعبير في نفس المرجع
4- الفتح 7/46 بتصرف