20-05-2014, 07:57 am
[المقدمة]
اعلم أنه لما كانت البداوة سبباً في الشجاعة كما قلناه في المقدمة الثالثة، لا جرم كان هذا الجيل الوحشي أشد شجاعة من الجيل الآخر، فهم أقدر على التغلب و انتزاع ما في أيدي سواهم من الأمم، بل الجيل الواحد تختلف أحواله في ذلك باختلاف الأعصار.
فكلما نزلوا الأرياف و تفنقوا النعيم و ألفوا عوائد الخصب في المعاش و النعيم، نقص من شجاعتهم بمقدار ما نقص من توحشهم و بداوتهم، و اعتبر ذلك في الحيوانات العجم بدواجن الظباء و البقر الوحشية و الحفر، إذا زال توحشها بمخالطة الآدميين و أخصب عيشها، كيف يختلف حالها في الانتهاض و الشدة حتى في مشيتها و حسن أديمها.
و كذلك الآدمي المتوحش إذا أنس و ألف، و سببه أن تكون السجايا و الطباع إنما هو عن المألوفات و العوائد، و إذا كان الغلب للأمم إنما يكون بالإقدام و البسالة، فمن كان من هذه الأجيال أعرق في البداوة و أكثر توحشاً،كان أقرب إلى التغلب على سواه، إذا تقاربا في العدد و تكافآ في القوة العصبية.
و انظر في ذلك شأن مضر مع من قبلهم من حمير و كهلان السابقين إلى الملك و النعيم، و مع ربيعة المتوطنين أرياف العراق و نعيمه، لما بقي مضر في بداوتهم و تقدمهم الآخرون إلى خصب العيش و غضارة النعيم، كيف أرهفت البداوة حدهم في التغلب فغلبوهم على ما في أيديهم و انتزعوه منهم.
و هذا حال بني طيء و بني عامر بن صعصعة و بني سليم بن منصور و من بعدهم، لما تأخروا في باديتهم عن سائر قبائل مضر و اليمن و لم يتلبسوا بشيء من دنياهم، كيف أمسكت حال البداوة عليهم قوة عصبيتهم، و لم تخلفها مذاهب الترف حتى صاروا أغلب على الأمر منهم.
و كذا كل حي من العرب يلي نعيماً و عيشاً خصباً دون الحي الآخر فإن الحي المتبدي، يكون أغلب له و أقدر عليه إذا تكافآ في القوة و العدد سنة الله في خلقه.
[المقدمة]
اعلم أنه لما كانت البداوة سبباً في الشجاعة كما قلناه في المقدمة الثالثة، لا جرم كان هذا الجيل الوحشي أشد شجاعة من الجيل الآخر، فهم أقدر على التغلب و انتزاع ما في أيدي سواهم من الأمم، بل الجيل الواحد تختلف أحواله في ذلك باختلاف الأعصار.
فكلما نزلوا الأرياف و تفنقوا النعيم و ألفوا عوائد الخصب في المعاش و النعيم، نقص من شجاعتهم بمقدار ما نقص من توحشهم و بداوتهم، و اعتبر ذلك في الحيوانات العجم بدواجن الظباء و البقر الوحشية و الحفر، إذا زال توحشها بمخالطة الآدميين و أخصب عيشها، كيف يختلف حالها في الانتهاض و الشدة حتى في مشيتها و حسن أديمها.
و كذلك الآدمي المتوحش إذا أنس و ألف، و سببه أن تكون السجايا و الطباع إنما هو عن المألوفات و العوائد، و إذا كان الغلب للأمم إنما يكون بالإقدام و البسالة، فمن كان من هذه الأجيال أعرق في البداوة و أكثر توحشاً،كان أقرب إلى التغلب على سواه، إذا تقاربا في العدد و تكافآ في القوة العصبية.
و انظر في ذلك شأن مضر مع من قبلهم من حمير و كهلان السابقين إلى الملك و النعيم، و مع ربيعة المتوطنين أرياف العراق و نعيمه، لما بقي مضر في بداوتهم و تقدمهم الآخرون إلى خصب العيش و غضارة النعيم، كيف أرهفت البداوة حدهم في التغلب فغلبوهم على ما في أيديهم و انتزعوه منهم.
و هذا حال بني طيء و بني عامر بن صعصعة و بني سليم بن منصور و من بعدهم، لما تأخروا في باديتهم عن سائر قبائل مضر و اليمن و لم يتلبسوا بشيء من دنياهم، كيف أمسكت حال البداوة عليهم قوة عصبيتهم، و لم تخلفها مذاهب الترف حتى صاروا أغلب على الأمر منهم.
و كذا كل حي من العرب يلي نعيماً و عيشاً خصباً دون الحي الآخر فإن الحي المتبدي، يكون أغلب له و أقدر عليه إذا تكافآ في القوة و العدد سنة الله في خلقه.