﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ ۝٥١ فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ ۝٥٢ وَیَقُولُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلَّذِینَ أَقۡسَمُوا۟ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ خَـٰسِرِینَ ۝٥٣﴾ [المائدة ٥١-٥٣]
(67) سافر معي في المشارق والمغارب :: 66- سافر معي في المشارق والمغارب :: (34) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (033) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف. :: (067) سافر معي في المشارق والمغارب :: (066) سافر معي في المشارق والمغارب :: (031) دور المسجد في تربية الأحداث ووقايتهم من الانحراف :: (065) سافر معي في المشارق والمغارب :: (030) دور المسجد في التربية وعلاج انحراف الأحداث :: :: :: :: :: :: :: :: :: ::
   
جملة البحث



السابق

الفهرس

التالي


المسألة السادسة:

المسألة السادسة:
يجب أن يعلموا الأحكام الشرعية، عندما يبلغون السن التي يحصل معها الفهم الكافي، من الكتاب والسنة من حلال وحرام وما يتصل بهما، مع الاستعانة بتفاسير القرآن الكريم وشروح السنة المعتمدة، وكتب الأئمة الفضلاء دون أن يؤمروا بالتعصب لأي مذهب معين.
وينبغي أن يبث فيهم روح الاجتهاد في طلب العلم والبحث عن الأحكام من مصادرها الأصلية، ويجب أن يعرفوا فضل أئمة الإسلام كالأئمة الأربعة رضي الله عنهم وغيرهم واحترامهم.
وأن يكون موقفهم من أولئك الأئمة موقف المنصف الذي ينزل كل شخص منزلته اللائقة به، دون غلو، كما يفعل المتعصبون لبعض الأئمة، حيث يصرح الكثير منهم أنهم لا يأخذون الأحكام من كتاب ولا سنة، بل يأخذون الأحكام من أقوال إمام معين، ولو خالفت صريح القرآن وصحيح السنة.. فإن في هذا غلواً يخشى على صاحبه الفتنة.
ودون تفريط في حق أولئك الأئمة رحمهم الله تعالى، كما يفعل بعض المتطرفين الذين يذمونهم، ويستدلون عليهم في اختلافهم، بالآيات التي تذم الخلاف والتفرق.
كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. [الأنعام:159]. وهذا الاستدلال غير صحيح بالنسبة للأئمة رحمهم الله، فإنهم لم يقصدوا الخلاف، وإنما اجتهدوا في فهم نصوص الكتاب والسنة، وكل منهم عمل بما بلغه اجتهاده وهو الواجب عليهم، فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر.
كما ثبت ذلك في السنة، من حديث عمرو بن العاص، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب، فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ، فله أجر)). [صحيح البخاري، برقم (6919) وصحيح مسلم، برقم (1716)].
والأئمة أنفسهم نصحوا أتباعهم بالأخذ بما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وترك ما خالفه من مذاهبهم.
فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا صح الحديث فهو مذهبي واتركوا قولي المخالف له"، [المجموع للنووي (6/393)]. وقال: "إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بمذهبي عرض الحائط". [عون المعبود (2/57)].
وصح هذا القول عن الأئمة كلهم. [حاشية ابن عابدين (1/385)].
والذي يجب على طالب العلم، أن يعرف حقهم، وأنهم خدموا الإسلام خدمة عظيمة وأن أغلب آرائهم صواب، وأن خطأهم قليل، وأن الواجب أن يأخذ طالب العلم الراجح الذي قام عليه الدليل في أي مذهب كان، إذا كان أهلاً لمعرفة الراجح بدليله, فإن الله تعالى لم يتعبدنا بالتسليم لقول أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يجب التسليم له؛ لأنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى..
وما عداه فهو محل أخذ ورد، وما اختلف فيه وجب رده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا حاكم غيرهما في أمور الدين.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. [النساء (59)].
وصح عنه صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي هريرة أنه قال: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)). [صحيح مسلم، برقم (1337)].
هذا هو الواجب على طالب العلم، مع احترام الأئمة والإطلاع على أقوالهم واستدلالاتهم؛ لأن لهم باعاً طويلاً في فهم الوحيين.
ولشيخ الإسلام ابن تيمية رسالة قيمة في هذا الموضوع لا ينبغي لطالب العلم أن يغفل عن مطالعتها تسمى: "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".
أما إذا لم يكن مؤهلاً لمعرفة الراجح بنفسه لفقده آلات البحث والفهم والترجيح كما هو حال كثير من طلاب العلم الصغار، فإن تقليده غيره في مسائل الاجتهاد من أهله أسلم له من الجرأة على ادعائه.
لهذا ينبغي أن يسبق حثَّ الطالب على الاجتهاد والبحث عن الأدلة وطرق الاستدلال، تزويدُه بثروة كافية من علوم اللغة العربية وعلوم الآلات الشرعية؛ كأصول الفقه والتفسير والحديث وغيرها، حتى يكون له استعداد للبحث وفهم مراد الله من النص ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما قليل الفهم والعلم الذي لا يتمكن من ذلك، فليس له ترجيح قول على قول لعدم أهليته، ولا ينبغي تشجيعه على ما لا يطيقه، وإنما عليه أن يسأل العلماء المجتهدين عن حكم الله تعالى، ويعمل بذلك..
وما يفعله كثير من الجهال الذين لا أهلية عندهم لفهم ولا علم، من إصدار الفتاوى والجرأة عليها، من تحليل وتحريم أمور اجتهادية تحتاج إلى استنباط، لا يجوز ويجب أن يؤخذ على أيديهم.
فالتحليل والتحريم في المسائل الاجتهادية الدقيقة ليس من وظيفتهم، وإنما هو من وظيفة العلماء الذين تفقهوا في دين الله، ولهم إطلاع واسع على نصوص الشريعة وعلومها، فلا يحلون إلا ما أحله الله، ولا يحرمون إلا ما حرمه الله.
وقد نهى الله الجهال عن الحكم على شيء بأنه حلال أو حرام بدون علم..
كما قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}. [النحل:116].
وقال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسئولاً}. [الإسراء:36].
ولقد تجرأ بعض من أدعياء العلم على الخوض في أبواب من الفقه الإسلامي، وهم ليسوا أهلاً للخوض فيها، وادعوا أنهم مجتهدون، وردوا أقوال كبار أئمة الإسلام، وخطَّأوهم بدعوى أن أقوالهم مخالفة للكتاب والسنة، وهي في حقيقة الأمر مستنبطة من الكتاب والسنة، وإن خالفت فهومهم القاصرة.
ومن عجب أن تجد أحد هؤلاء لا يفقه باباً من أبواب الطهارة، في متن من متون الفقه، وإذا قيل له: إن الإمام أبا حنيفة أو الإمام مالكاً أو الإمام الشافعي أو الإمام أحمد بن حنبل، قال: كذا وكذا، شمخ بأنفه ساخراً وقال: هم رجال ونحن رجال! وقد قلت لأحدهم في بعض المناسبات: نعم أنتم رجال مثلهم في الذكورة، أما في العلم فبعدكم عنهم كبعد الثريا عن الثرى.
ولقد سد الإمام الشافعي رحمه الله الباب أمام أدعياء العلم الذين يدعون الاجتهاد، والاجتهاد عنهم براء، فبين رحمه الله الشروط التي يجب أن تتوافر في المجتهدين الذين تطمئن الأمة إلى اجتهادهم، فقال: "ولا يقيس إلا من جمع الآلة التي له القياس بها، وهي العلم بأحكام كتاب الله: فرضه وأدبه، وناسخه ومنسوخه، وعامه وخاصة، وإرشاده، ويستدل على ما احتمل التأويل بسنن رسول الله، فإذا لم يجد سنة فبإجماع المسلمين، فإن لم يكن إجماع فبالقياس.
ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالماً بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف، وإجماع الناس، واختلافهم، ولسان العرب.
ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به دون التثبت.
ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه؛ لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة، ويزداد به تثبيتاً، فيما اعتقد من الصواب.
وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده، والإنصاف من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول، وترك ما يترك.
ولا يكون بما قال أعْنىَ منه بما خالفه، حتى يعرف فضل ما يصير إليه على ما يترك، إن شاء الله.
فأما من تم عقله، ولم يكن عالماً بما وصفنا، فلا يحل له أن يقيس؛ وذلك أنه لا يعرف ما يقيس عليه، كما لا يحل لفقيه عاقل أن يقول في ثمن درهم ولا خبرة له بسوقه.
ومن كان عالماً بما وصفنا بالحفظ لا بحقيقة المعرفة، فليس له أن يقول أيضا بقياس؛ لأنه قد يذهب عليه عقل المعاني.
وكذلك لو كان حافظاً مقصر العقل، أو مقصراً في علم لسان العرب، لم يكن له أن يقيس، من قبل نقص عقله عن الآلة التي يجوز بها القياس". [6].
وليعلم أن القياس الذي كرره الإمام الشافعي في النصوص السابقة وغيرها في رسالته، المراد به الاجتهاد، وهو شامل لطرق الاجتهاد كلها، بما فيها "القياس المعروف".
1 - صحيح البخاري، برقم (6919) وصحيح مسلم، برقم (1716)
2 - المجموع للنووي (6/393)
3 - عون المعبود (2/57)
4 - حاشية ابن عابدين (1/385)
5 - صحيح مسلم، برقم (1337)
6 - الرسالة بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، من فقرة: "1469-1478 ص: 5-9-511"



السابق

الفهرس

التالي


15388406

عداد الصفحات العام

3062

عداد الصفحات اليومي

جقوق الطبع محفوظة لموقع الروضة الإسلامي 1444هـ - 2023م