وقد لخصت الموسوعة الفقهية هذه المسألة في السطور الآتية:
مُدَّةُ الْهُدْنَةِ: 14 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ مُوَادَعَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ, كَمَا "وَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ مَكَّةَ".
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ دُونَ تَحْدِيدٍ, مَا دَامَتْ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ, لقوله تعالى: ((فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ)).
وَيَرَى الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ مُهَادَنَةُ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ, اسْتِنَادًا إلَى مَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ. فَإِنْ هُودِنَ الْمُشْرِكُونَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَالْهُدْنَةُ مُنْتَقَضَةٌ ; لِأَنَّ الأَصْلَ فَرْضُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ. وَالتَّفْصِيلاَتُ فِي مُصْطَلَحِ ( هُدْنَةٌ ). انتهى.
خلاصة الكلام: أن الهدنة مشروعة، لمصلحة الإسلام والمسلمين، فهي من المسائل التي يخضع حكمها للاجتهاد، وقد تدعو إليها الحاجة أو لضرورة، وإذا لم تكن فيها مصلحة، ولم تدع إليها الضرورة، فلا يجوز عقدها.
وأن مدتها تابعة لتلك المصلحة أو الضرورة، فتقدر بقدرها قلة وكثرة، وتوقيتا وإطلاقا...
وقد أفتى شيخنا العلام الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، أن الصلح مع اليهود لا تقتضي تمليكهم الأرض الفلسطينين، بل للمسلمين عندما يقوون على طردهم في الهدنة المطلقة، أن يطردوهم منها.
"الصلح مع اليهود لا يقتضي التمليك أبديا
http://www.binbaz.org.sa/Display.asp?f=slh00008
س2: هل تعني الهدنة المطلقة مع العدو إقراره على ما اقتطعه من أرض المسلمين في فلسطين، وأنها قد أصبحت حقا أبديا لليهود، بموجب معاهدات تصدق عليها الأمم المتحدة التي تمثل جميع أمم الأرض. وتخول الأمم المتحدة عقوبة أي دولة تطالب مرة أخرى باسترداد هذه الأرض أو قتال اليهود فيها ؟
ج2: الصلح بين ولي أمر المسلمين في فلسطين وبين اليهود، لا يقتضي تمليك اليهود لما تحت أيديهم تمليكا أبديا، وإنما يقتضي ذلك تمليكهم تمليكا مؤقتا حتى تنتهي الهدنة المؤقتة، أو يقوى المسلمون على إبعادهم عن ديار المسلمين بالقوة في الهدنة المطلقة.
وهكذا يجب قتالهم عند القدرة حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
وهكذا النصارى والمجوس ؛ لقول الله سبحانه في سورة التوبة: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29] ، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من المجوس
وبذلك صار لهم حكم أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط إذا لم يسلموا.
أما حل الطعام والنساء للمسلمين فمختص بأهل الكتاب ، كما نص عليه كتاب الله سبحانه في سورة المائدة . وقد صرح الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا الآية [الأنفال: 61] بمعنى ما ذكرنا في شأن الصلح". [انتهى كلام الشيخ.]