حكم من نقض العهد من أهل الذمة.
هذا وليعلم أن حكم أهل الذمة، إذا نقضوا العهد، هو حكم المحاربين المعاهدين الذين نقضوا العهد، يحاربون ويقتلون، إلا أن ذرية أهل الذمة الذين ولدوا قبل العهد،ولم يبلغوا سن الرشد، عند نقض آبائه، لا يسبون ولا يسترقون، أما من ولد منهم بعد النقض، فيسبون ويسترقون.
قال ابن قدامة: ( 7588 ) "مسْأَلَةٌ ; قَالَ: وَمَنْ كَانَ لَهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ, فَنَقَضُوهُ حُورِبُوا, وَقُتِلَ رِجَالُهُمْ, وَلَمْ تُسْبَ ذَرَارِيُّهُمْ, وَلَمْ يُسْتَرَقُّوا, إلاَّ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ نَقْضِهِ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ.....فَإِنَّهُ يُقْتَلُ رِجَالُهُمْ, وَلا تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ الْمَوْجُودُونَ قَبْلَ النَّقْضِ, لأَنَّ الْعَهْدَ شَمِلَهُمْ جَمِيعًا, وَدَخَلَتْ فِيهِمْ الذُّرِّيَّةُ, وَالنَّقْضُ إنَّمَا وُجِدَ مِنْ رِجَالِهِمْ, فَتَخْتَصُّ إبَاحَةُ الدِّمَاءِ بِهِمْ..." [المغني (9/237)]
حكم العهد مع العدو المحتل لأرض المسلمين
كان ما تقدم من حكم إبرام الهدنة أو نقضها، مع عدو عقد المسلمون معه عهد الهدنة وهو في بلاده كحال قريش في مكة، أو أهل ذمة أمِنوا على دمائهم وذراريهم وأموا لهم، في ظل الدولة الإسلامية.
وبقي الكلام على حالة أخرى، وهي أن يحتل العدو أرض المسلمين أو أحد أقاليمها، كما حصل في القرن الماضي، عندما احتل الأوربيون غالب بلدان المسلمين، وكما هو الواقع اليوم في الأرض المباركة "فلسطين" وبلاد "الشيشان" ونحوهما.
هذه الحالة في حاجة إلى إيضاح وبيان
معلوم أن الجهاد في سبيل الله، يكون فرض عين في ثلاث حالات، والذي يهمنا هنا التذكير بحالتين:
الحالة الأولى: أن يهجم العدو على بلاد المسلمين، فيجب وجوبا عينيا على كل قادر من أهل البلد المعتدى عليه، رجالا ونساء شبابا وشيبا، أن يدفعوا العدوان عن بلدهم، ومن تأخر منهم عن ذلك فهو آثم.
الحالة الثانية: أن يستنفر ولي الأمر المسلمين، فيجب على كل قادر منهم تلبية النفير، ولا يجوز له التأخر، ومن تأخر منهم عن ذلك فهو آثم، واستنفار ولي الأمر رعيته في هذه الحالة واجب، وإذا لم يفعل فهو آثم، لأنه راع وكل راع مسئول عن رعيته.
وإذا قُدِّر امتناعُ مَن تولى أمرَ المسلمين عن استنفارهم لدفع العدو عن بلدهم مع القدرة على مقاومة العدو وطرده، فإنه يجب على أهل الحل والعقد من العلماء والمفكرين والساسة وأعيان البلاد، إقامة من يقودهم للجهاد في سبيل الله واستنفار الناس لدفع العدوان، ولا يجوز لهم القعود عن ذلك، لما فيه من الهوان والصغار لأهل الإسلام.
وإذا عجز أهل البلد عن الانتصار على عدوهم، وجب على من يليهم من البلدان، الأقرب فالأقرب نصرهم، وكل من قعد عن نصرهم من المسلمين، مع قدرته على ذلك بالنفس أو المال، أو بكليهما، فهو آثم، كما سبق في مبحث حكم الجهاد.
وإذا عجز أهل البلد عن مقاومة العدو، ولم يقم بقية المسلمين بنصرتهم، وهي فرض عين عليهم، أو كانوا غير قادرين، فلهم بسبب عجزهم أن يعقدوا مع عدوهم هدنة مؤقتة، بحسب حاجتهم، لأن التكليف منوط في شرع الله بالقدرة، ومن لا قدرة له، لا يكلفه الله غير ما يستطيع: ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها))
ويجب مع ذلك أن يعدوا أنفسهم لاستئناف الجهاد عندما يشعرون بالقدرة عليه.
ويجب عليهم أن يقوموا بإعداد العدة التي يرهبون بها عدوهم ويعزموا على مجاهدته عند القدرة على ذلك، ولا يجوز لهم عقد الهدنة عازمين على الاستسلام الدائم وتمكين المعتدي من استعبادهم واستعباد أجيالهم.
ومعلوم أن طرد المحتلين من البلدان الإسلامية أو غيرها، لا يتم إلا بالصبر على إزهاق النفوس والأموال وتخريب الديار، وإهلاك الحرث والنسل، ولكن العاقبة تكون للصابرين المصابرين من أهل البلد المغتصب، لأنهم أهل حق، والمغتصبون أهل باطل، وأهل البلد أكثر ثباتا في بلدهم من عدوهم الطارئ عليه.
وفي التاريخ من ذلك عبر وبراهين، فقد اغتَصَبت إمبراطوريات، بلدانا كثيرة في العالم، وعاثت فيها فسادا، ولكنها في آخر الأمر انسحبت منها تجر أذيال الهزيمة.
ومن أقرب الدول الأوربية المغتصبة، في القرون الأخيرة، حيث لم يبق بلد في العالم غير مغتصب لدولة من دولها، وقد أخلت تلك البلدان كلها بسبب مقومة أهلها الجادة، وهذه بريطانيا التي كان يقال عنها: لا تغرب عنها الشمس، أصبحت شبيهة بضب مختف في جحره، وكذلك فرنسا وألمانيا وهولندا والبرتغال.
ومن الأمثلة الحية لذلك هزيمة الطاغوت المتغطرس اليوم "أمريكا" في فيتنام، وسيهزمها الله تعالى بمشيئته في عدوانها على بلدن المسلمين اليوم، وبخاصة دعمها الظالم لأهل فلسطين المسلمة
ومن الأمثلة كذلك هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وتفكك الدول التي كان قد ضمها إليه بالقوة والظلم.