إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكم الاستعانة بغير المسلم(4)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكم الاستعانة بغير المسلم(4)





    إعانة وليست استعانة

    ومع ذلك يجب أن يعلم أن الحالة التي يجري البحث فيها، وهي العدوان الأمريكي على العراق، وما سيعقبه من أخطار، ليس فيه استعانة مسلمين بكفار في الحقيقة، بل فيه إعانة من يدَّعون الإسلامَ للكفار على الشعب العراقي المسلم، فالكفار هم الذين أعدوا العدة لهذه الحرب، وهم الذين دعوا المعارضين للنظام إلى الانضمام إليهم، ليتخذوهم ذريعة يضفون بها شرعية على عدوانهم، وإعانة المسلم للكافر على أخيه المسلم أشد جرما من استعانة المسلم بالكافر، فالأمريكان والمعارضون العراقيون، شبيهون بـ(الْمُحَلِّل والْمُحَلَّل له) في باب النكاح، وحكم ذلك معروف.

    رجحان مصلحة المسلمين فيما جرى من استعانتهم بغيرهم

    ثم إن الحالات التي استعان فيها الرسول ببعض المشركين، واضح رجحان مصلحة المسلمين فيها، لأن المستعان به إما أن يكونوا أفرادا مأموني الجانب، كما هو الحال في قصة عبد الله بن أريقط الديلي، دليل الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وإما أفرادا في جيش عرمرم من المسلمين، كما في قصة صفوان بن أمية وأصحابه في غزوة حنين، وإما طائفة تحت قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قصة بني قينقاع التي روي فيها استعانة الرسول صلى الله بهم، فقد كانوا محكومين بالوثيقة المشهورة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع كافة سكان المدينة، من الأنصار بقبيلتيهم، الأوس والخزرج، والمهاجرين، واليهود بقبائلهم الثلاث، بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة.

    وكان مَرَدُّ أهل الوثيقة كلهم هو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما يظهر من النص الآتي: (وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " [السيرة النبوية (3/35)]

    وسبق أن الذين أجازوا للمسلمين الاستعانة بالمشركين، هي الاستعانة ستعانة على المشركين، وليس على المسلمين، اشترطوا بـ"أَنْ يَعْرِفَ الْإِمَامُ حُسْنَ رَأْيِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ وَيَأْمَنُ خِيَانَتَهُمْ , فَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مَأْمُونِينَ لَمْ تَجُزْ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ ; لِأَنَّنَا إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِعَانَةَ بِمَنْ لاَ يُؤْمَنُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ الْمُخْذِلِ وَالْمُرْجِفِ, فَالْكَافِرُ أَوْلَى". كما اشترطوا " أَنْ يَكْثُرَ الْمُسْلِمُونَ, بِحَيْثُ لَوْ خَانَ الْمُسْتَعَانُ بِهِمْ, وَانْضَمُّوا إلَى الَّذِينَ يَغْزُونَهُمْ, أَمْكَنَهُمْ مُقَاوَمَتُهُمْ جَمِيعًا".

    فما ذا يقول الذين يعينون الكفار على الشعب المسلم في العراق وغيره؟ هل الصليبيون واليهود مأمونون على المسلمين؟ وهل عندهم قدرة على مقاومة الأمريكان وأعوانهم الذين لا يشك في خيانتهم مسلم يؤمن بالله وباليوم الآخر؟!
    المحور الثالث: حكم الاستعانة بغير المسلمين على المسلمين.

    ظاهر مما سبق، أن اختلاف العلماء في جواز الاستعانة بالمشركين، يشروطها، أو عدم جواز ذلك، إنما هو في استعانة المسلمين بالمشركين على المشركين.

    وعلى هذا فإن استعانة المسلمين بالمشركين على المسلمين، هو من اتخاذ الكافرين بطانة من دون المؤمنين، ومن موالاة أعداء الله الكافرين على عباده المؤمنين، ومعلوم حكم من يفعل ذلك.

    تحريم الولاء للكفار و اتخاذهم بطانة منهم

    معلوم أن الواجب على المؤمنين، أن يكون الله تعالى هو وليهم، وأن يكون بعضهم أولياء بعض، يتحابون ويتناصرون، كما قال تعالى: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا... )) الآية [المائدة ()]

    قال ابن جرير رحمه الله: "القول في تأويل قوله ((تعالى إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) يعني تعالى ذكره بقوله: ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا)) ليس لكم أيها المؤمنون ناصر إلا الله ورسوله والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره، فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرءوا من ولايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء ولا نصراء، بل بعضهم أولياء بعض ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا" [جامع البيان في تأويل آي القرآن (6/287)]

    ومعلوم كذلك حرمة موالاة المؤمنين لأعداء الله الكافرين، قال تعالى: ((ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) [المائدة (51)]

    قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: ((ومن يتولهم منكم)) أي يعضدهم على المسلمين ((فإنه منهم)) بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي، ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع المولاة.

    وقد قال تعالى: ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)) وقال تعالى في آل عمران: ((لا تتخذوا بطانة من دونكم)) وقد مضى القول فيه.

    وقيل: إن معنى بعضهم أولياء بعض أي في النصرة، ((ومن يتولهم منكم فإنه منهم) شرط وجوابه، أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله، كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم فصار منهم أي من أصحابهم" [الجامع لأحكام القرآن (6/217)]

    و من أهم الأهداف التي يتخذ المنتسبون للإسلام الكفار أولياء من دون المؤمنين لتحقيقها، ظنهم أنهم ينالون من موالاتهم العزة في الدنيا، كما قال تعالى: ((الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)) [النساء (139)]


    وهم لا ينالون في الحقيقة إلا نقيض قصدهم، وهي الذلة، لأنهم طلبوا العزة من غير العزيز الذي لا يملك العزة سواه. ومن دعاء القنوت: (...فإنه لا يعز من عاديت، ولا يذل من واليت) [رواه ابن حبان في صحيحه (2/39) من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه، دار الفكر تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (2/298) دار الفكر]

    قال القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: ((الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)) الذين نعت للمنافقين، وفي هذا دليل على أن من عمل معصية من الموحدين ليس بمنافق، لأنه لا يتولى الكفار، وتضمنت المنع من موالاة الكافر وأن يتخذوا أعوانا على الأعمال المتعلقة بالدين، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلا من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم يقاتل معه، فقال له: (ارجع فإنا لا نستعين بمشرك) [الجامع لأحكام القرآن (5/416)]

    وقال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: ((من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)) أي من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله تعالى، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعا، كما قال تعالى: ((الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)) وقال عز وجل: ((ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا)) وقال جل جلاله: ((ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)) [تفسير القرآن العظيم (2/550)]


يعمل...
X