قال ?: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}( ).
فيجب أن يفقه الأستاذ طلابه في الدين وتزكيتهم بالوحيين:
فعبادة الله والدعوة إلى الله تعالى لا بد أن يكون مصدرُهما كتاب الله وسنة رسوله ‘، وتلقيهما يجب أن يكون على أيدي من وفَّقَه الله تعالى للتفقه فيهما؛ لأن الفقه فيهما شرط أساسي لمن يريد أن يعبد الله أو يبلغهما إلى الناس.
ومشايخ العلم الذين تفقهوا في دين الله تعالى هم المؤهلون للتعليم والتزكية، فلا بد لمن أراد العلم والتزكية أن يتفقه في الدين على أيديهم كما تفقهوا هم على أيدي الشيوخ من قبلهم.
هؤلاء العلماء المؤهلون لتبليغ دين الله والتزكية به، هم العلماء العاملون بما تعلموه، المتزكون به في أنفسهم، الذين يرى فيهم أتباعهم القدوة الحسنة برسول الله ‘؛ لأن من لا يعمل بعلمه ليس أهلاً للتعليم والتزكية وإن وجب أخذ العلم عنه لمن لا يجد غيره.
فقد تلقى رسول الله ‘ آيات كتاب الله عن الروح الأمين جبريل ? الذي أخذه مباشرة عن ربه ?، كما تلقى أصحاب الرسول ‘ ذلك الكتاب والسنة النبوية عنه ‘، وتلقى عن الصحابة ذلك أبناؤهم، وتلقى كبار التابعين عن صغار الصحابة، وهكذا استمرت أجيال الأمة يأخذ اللاحق عن السابق حتى وصل إلينا.
وهكذا يجب على علماء المسلمين وطلابهم أن يسيروا على نفس الطريقة في التعليم والتزكية، ومن حاد عنها فتتلمذ على الكتب والدفاتر لنفسه دون شيخ يفقهه على قواعد أهل العلم ويصقل عقله وقلبه بكتاب الله وسنة رسوله ‘ وسيرته المطهرة، لم يكن أهلاً للتعليم والتزكية لغيره؛ لأنه ما فعل ذلك أحد إلا زاغ غالباً عن النهج الصحيح العاصم من الزلل.
قال الشاطبي رحمه الله: "من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به؛ أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام.. وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات:
إحداها: العمل بما علم، حتى يكون قوله مطابقاً لفعله، فإن كان مخالفاً له، فليس بأهل لأن يؤخذ عنه، ولا أن يقتدى به في علم..
والثانية: أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم، وملازمته لهم، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك، وهكذا شأن السلف الصالح..
فأول ذلك ملازمة الصحابة ? لرسول الله ‘، وأخذهم بأقواله، وأفعاله، واعتمادهم على ما يرد منه، كائناً ما كان، وعلى أي وجه صدر..
وصار مثلُ ذلك أصلاً لمن بعدهم، فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي ‘، حتى فقهوا ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية، وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالماً اشتهر في الناس الأخذ عنه، إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك. وقلَّما وجدت فرقة زائغة، ولا أحداً مخالفاً للسُنَّة، إلا وهو مفارق لهذا الوصف" انتهى مختصر من كتابه الموافقات (1/91/95) بتحقيق الأستاذ محمد عبد الله دراز.
.[/center]