إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(02) أثر التربية الإسلامية في الفرد المسلم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (02) أثر التربية الإسلامية في الفرد المسلم


    [سبق في آخر الحلقة الأولى من هذه المقدمة، الفِقرة الآتية: (ومن الآيات التي جمعت بين إثبات السعادة لمن اتبع هدى الله في الدنيا والآخرة، وإثبات الشقاء والضنك والخسران لمن بَعُدَ عن هدى الله وحاربه، قول الله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)} [طه].] التي دل القرآن الله تعالى يسلم من اتبع هداه من الضلال والشقاء، ويذيق من ابتعد عن هداه يعيش في دنياه معيشة شقاء وضيق وقلق مهما هيء له فيها من مال وجاه ووسائل رفاهية وقد دلت السنة الصحيحة على ما دل عليه القرآن الكريم وهذا موضوع هذه الحلقة]:

    دلالة السنة على ما دل عليه القرآن:

    وأما السنة فقد دلت على أن الله تعالى ينزل ألوانا من الشقاء، على الأمم التي تحارب منهج الله وتصد عن هداه: شقاء الجهل وشقاء انتهاك الأعراض، وشقاء ارتكاب ما يفسد العقول، وإذا فسدت العقول وانتهكت الأعراض، وفشا الجهل، فسدت الحياة كلها! وأي حياة تلك التي تحيا بها أمة هذا شأنها إلا حياة الضنك والضيق التي بينها القرآن؟

    روى أنس رضِي الله عنه، قال: "لأحدثنكم حديثاً لا يحدثكم أحد بعدي، سمعت رسول صلّى الله عليه وسلم، يقول: (من أشراط الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) [صحيح البخاري 1(/28)]. وفي حديث أبي هريرة رضِي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلم، قال: (يتقارب الزمان، ويُلقى الشح، ويكثر الهرج)

    قالوا: يا رسول الله، أَيُّمَ هو؟ قال: (القتل الْقتل) [البخاري 8/89]. وهو ما حصل في كل وقت ابتعد فيه المسلمون عن منهاج الله، وما نشاهده اليوم في غالب العالم، وبخاصة الشعوب الإسلامية.

    وفي حديث أبي موسى الأشعري رضِي الله عنه، قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل). [البخاري 8/89].


    والمقصود بالعلم في الحديث هو العلم الشرعي النافع الذي هو أصل السعادة في الدنيا والآخرة باتباع منهج الله الذي أودعه لعباده في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وليس المقصود علوم الكون الطبيعية المادية التي سخرها الله تعالى للناس ليتمتعوا بها في حياتهم الدنيا، بدليل ما نراه اليوم في كوكبنا الأرضي من خراب ودمار وظلم وعدوان من القوي على الضعيف، وكثرة القتل الذي أخبر به النبي في الحديث السابق، فهذا العلم المادي الذي أنجزته العقول إذا انفصل عن العلم الإلهي الإيماني ترتب عليه الشقاء والضنك وفقدت به السعادة والأمن والاستقرار، كما هو واضح. ومما يدل على أن المقصود بالعلم العلم الشرعي، ما رواه أنس رضِي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله، الله). [مسلم (1/131)].

    والذي يقرأ تاريخ القرون الإسلامية الأولى المفضلة، التي انتشر فيها العلم الشرعي وضبطت به العلوم الكونية الطبيعية المتاحة، ولم تستقل عن المنهج الإلهي، بل كان هذا المنهج هو المهيمن عليها والموجه لها، الذي يقرأ ذلك التاريخ، ويقارن بينه وبين العصور التي استقلت فيها العلوم المادية عن العلم الشرعي، لا يخالجه شك في أن العصور الأولى هي التي سعدت فيها البشرية، ونعمت بالعدل والطمأنينة، وأمن الناس فيها على أموالهم وأعراضهم ودمائهم؛ لأنهم كانوا ملتزمين بهدى الله، يتعلمون الكتاب والسنة، ويعملون بما تعلموه منهما، ويطبقون ذلك اعتقاداً وقولاً وعملاً.

    ولهذا أثنى رسول الله على تلك القرون بحسب سبقها الزمني، لسبقها العملي، كما في حديث عمران بن حصين رضيَ الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم). قال عمران: "لا أدري أذكر النبي صلّى الله عليه وسلم، بعدُ قرنين أو ثلاثة؟ قال النبي صلّى الله عليه وسلم ": (إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن) [البخاري 3/151، 4/189].

    وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنْه، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "أي الناس خير"؟ قال: (قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته..) [البخاري: 7/224].
    وسبب هذا التفضيل، تلك التزكية التي زكى بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه بالوحي الذي كان ينزل عليه، علماً وعملاً، وكذا تزكية أصحابه بعده للتابعين، ثم تزكية التابعين لأتباعهم. كما قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [القرة 151]. وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة 2].
    وسيأتي في الحلقة الثالثة من هذه المقدمة دلالة الواقع المعاش قديما وحديثا على هذا الأمر.



يعمل...
X