الأمر الرابع مما يعين العبد على الإخلاص:
أن يتذكر المسلم عظمة الله تعالى الذي لا ينفعه ولا يضره غيره، لا في الدنيا ولا في الآخرة، كما مضى. كما قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)} [الأنعام والآيات مثلها كثير].
ومن عظمته التي إذا تذكرها الإنسان أعانته إلى الإخلاص له، أنه تعالى يعلم كل شيء لا تخفى عليه خافية، فكل ما تكنه الصدور لا فرق عنده بين ما غاب عن الناس وما شهدوه، وليس هذا لأحد غير الله، كما قال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74)} [النمل].
فعلمه تعالى بما تخفيه الضمائر على سواه من المخلوقات دافع قوي، ومعين عظيم للمؤمن على مجاهدة نفسه ليخلص أعماله لربه، فإن كل ما عدا الله تعالى لا يعلم إلا ما ظهر له من قول أو فعل، أما رب السموات والأرض، فلا تخفى عليه خافية. كما قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)} [يونس].
فإذا تصور العبد وهو يُقدم على عمل أن ربه يعلم ما في قلبه ثم قصد بعمله غيره، فليعتبر ذلك برهاناً على فقده الإخلاص لله في ذلك العمل، وليجاهد نفسه وهواه والشيطان على تطهير قلبه من الشرك الخفي على غير الله، ولينقِّ عمله من شائبة العمل للمخلوقين، ويخلصه للخالق جل وعلا.