حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على بيان خطر الكفر برسالته
كان صلى الله عليه وسلم، يتخذ أبلغ الوسائل في البلاغ المبين لإيصال رسالته الإلهية إلى قومه، ومن تلك الوسائل ضرب الأمثال التي تقرب المعاني الغائبة، التي ينكرها الجاحدون، بالأمور الحسية التي لا يجادلون في وجودها.
ومنها هذا المثل الذي تعرفه العرب، ولا تتردد في تصديق صاحبه وسرعة العمل بنصيحته.
فقد كانت غارات القبائل على بعض والحروب بينهم، لا تنقطع ولا تهدأ، وكانوا يرسلون رقباء وطلائع منهم، لمعرفة تحركات أعدائهم، لينقلوا إليهم تحركاتهم، و ينذروهم، ليستعدوا لوقاية أنفسهم من خطر أولئك الأعداء.
وكان الطليعة والرقيب إذا وجد جيش العدو قريبا من قومه، بحيث لو رجع إلى قومه لينذرهم، عندما يلتقيهم مباشرة، هجم عليهم الجيش قبل استعدادهم لمواجهته، أو هربهم منه، صعد على مكان مرتفع، ونزع ثوبه وأشار لهم به، ليعرفوا أن الخطر قريب جدا، ولم يكونوا يشكون في كذب من فعل ذلك.
فهذا أمر محسوس، يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه شديد التأثير في قومه الذين كفروا برسالته وجحدوها، فاتخذه صلى الله عليه وسلم وسيلة لإقامة الحجة عليهم، وإقناعهم بأن ما ينذرهم به، وإن كان غيبا عنهم، وهو ما ينتظرهم من عقاب الله لهم وسوء مصيرهم يوم القيامة، هو بقين لا شك فيه، كما أن إنذار رقيبهم العريان لا يشكون في صدقه، ولا يتأخرون عن العمل بنصيحته، وأن من صدق هذا النذير العريان وعمل بنصيحته، سينجو من هجوم جيش العدو ويكون محمود العاقبة، ومن لا يصدقه ولا يعمل بنصيحته، فستكون عاقبته سيئة.
فقد روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسولَ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، قال : (إن مَثَلي ومَثَلُ ما بعثني الله به، كمثل رجلٍ أتى قَوْمَهُ فقال: إنِّي رأيتُ الجيش بِعَيْنيَّ، وإِنيِّ أنا النِّذيرُ العُريان، فالنَّجاءَ، النَّجاءَ ، فأطاعَهُ طائِفَةٌ من قَوْمِهِ، فأدْلَجوا، فانطلقوا على مَهْلِهِمْ فنَجَوْا، وكذَّبت طائفَةٌ منهم، فأصبحوا مكانَهم، فصبَّحهم الجيش فأهلكَهم، اجْتَاحَهُم، فذلك مثل من أطاعني ، واتَّبَعَ ما جئْتُ به ، ومَثَلُ من عصاني، وكذَّبَ ما جئتُ به من الحقِّ). [أخرجه البخاري ومسلم.]
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه للحديث: قَالَ الْعُلَمَاء: "أَصْله أَنَّ الرَّجُل إِذَا أَرَادَ إِنْذَار قَوْمه وَإِعْلَامهمْ بِمَا يُوجِبُ الْمَخَافَة نَزَعَ ثَوْبه, وَأَشَارَ بِهِ إِلَيْهِمْ إِذَا كَانَ بَعِيدًا مِنْهُمْ لِيُخْبِرَهُمْ بِمَا دَهَمَهُمْ, وَأَكْثَر مَا يَفْعَلُ هَذَا رَبِيئَة الْقَوْم, وَهُوَ طَلِيعَتهمْ وَرَقِيبهمْ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْيَنُ لِلنَّاظِرِ, وَأَغْرَبُ وَأَشْنَعُ مَنْظَرًا, فَهُوَ أَبْلَغُ فِي اِسْتِحْثَاثِهِمْ فِي التَّأَهُّب لِلْعَدُوِّ..."
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال الطيبي: "شبه صلى الله عليه وسلم نفسه، بالرجل وإنذاره بالعذاب القريب، بإنذار الرجل قومه الجيش المصبِّح، وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذب الرجل في إنذراه ومن صدقه"
ووسيلة ضرب الأمثال في القرآن والسنة، كثرة جدا، وهي من أعظم وسائل "البلاغ المبين"[/size][/font]