إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(30)السيرة النبوية - ما اعترض به المشركون[الصلابي]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (30)السيرة النبوية - ما اعترض به المشركون[الصلابي]




    كانت أهم اعتراضات زعماء الشرك موجهة نحو وحدانية الله تعالى، والإيمان باليوم الآخر، ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم الذي أنزل عليه من رب العالمين. وفيما يلي تفصيل لهذه الاعتراضات والرد عليها:

    أولاً: اعتراضهم على الوحدانية:

    لم يكن كفار مكة ينكرون بأن الله خلقهم وخلق كل شيء: قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [لقمان: 25]. لكنهم كانوا يعبدون الأصنام، ويزعمون أنها تقربهم إلى الله، قال تعالى: (أَلاَ للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) (2) [الزمر: 3].

    وقد انتقلت عبادة الأصنام إليهم من الأمم المجاورة لهم، ولهذا قابلوا الدعوة إلى التوحيد بأعظم إنكار وأشد استغراب [انظر: رسالة الأنبياء (3/52]. قال تعالى: (وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنْذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ - أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ - وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ - مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ) [ص 4-7] [احتجوا بما عليه النصارى من الشرك والتثليث]

    ولم يكن تصورهم لله تعالى ولعلاقته بخلقه صحيحًا، إذ كانوا يزعمون أن لله تعالى صاحبة من الجن، وأنهاولدت الملائكة، وأن الملائكة بنات الله -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

    فكانت الآيات تنزل مبيِّنة أن الله عز وجل خلق الجن والملائكة كما خلق الإنس، وأنه لم يتخذ ولدًا، ولم تكن له صاحبة, قال تعالى: (وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا [اختلقوا] لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ - بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الأنعام: 100 – 101].

    ومبينةٌ أن الجن يقرون لله بالعبودية، وينكرون أن يكون بينهم وبينه علاقة نسب: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [الصافات: 158].

    ومطالبةً المشركين باتباع الحق وعدم القول بالظنون والأوهام: (إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى - وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) [النجم: 27 - 28]

    وموضحةً أنه لا يعقل أن يمنح الله المشركين البنين، ويكون له بنات، وهن أدنى قيمة في رأيهم من البنين: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمًا) [الإسراء: 40].

    ومحملةً المشركين مسئولية أقوالهم التي لا تقوم على دليل: (وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزخرف: 19]

    ثانيًا: كفرهم بالآخرة:

    أما دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان باليوم الآخر، فقد قابلها المشركون بالسخرية والتكذيب: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ - أَفْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلاَلِ الْبَعِيدِ) [سبأ: 7 - 8] فقد كانوا ينكرون بعث الموتى: (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) [الأنعام: 29].

    ويقسمون على ذلك بالأيمان المغلظة. (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ - لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ) [النحل: 38، 39] وكانوا يظنون أنه لا توجد حياة في غير الدنيا, ويطلبون إحياء آبائهم ليصدقوا بالآخرة: قال تعالى: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ - وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ - قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ - وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) [الجاثية: 24 – 27]

    وفاتهم أن الذي خلقهم أول مرة قادر على أن يحييهم يوم القيامة, قال مجاهد وغيره: جاء أُبي بن خلف [وفي رواية عن ابن عباس أنه العاص بن وائل] إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وهو يفتته ويذروه في الهواء، وهو يقول: يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نعم يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار» ونزلت هذه الآيات [تفير ابن كثير (3/581] (أَوَ لَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ - وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ - قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس: 77 – 79].

    كانت أساليب القرآن الكريم في إقناع الناس بالبعث اعتمدت على خطاب العقل، والانسجام مع الفطرة، والتجاوب مع القلوب، فقد ذكَّر الله عباده أن حكمته تقتضي بعث العباد للجزاء والحساب، فإن الله خلق الخلق لعبادته، وأرسل الرسل, وأنزل الكتب, لبيان الطريق الذي به يعبدونه ويطيعونه ويتبعون أمره ويجتنبون نهيه، فمن العباد من رفض الاستقامة على طاعة الله، وطغى وبغى، أفليس بعد أن يموت الطالح والصالح, ولا بد أن يجزي الله المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته, قال تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ - مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ - أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ - إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ) [القلم:35 – 38] إن الملاحدة الذين ظلموا أنفسهم هم الذين يظنون الكون خلق عبثًا وباطلاً لا لحكمة، وأنه لا فرق بين مصير المؤمن المصلح والكافر المفسد، ولا بين التقي والفاجر [انظر: الوسطية في القرآن الكريم] )، قال تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ - أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص: 27، 28].

    وضرب القرآن الكريم للناس الأمثلة في إحياء الأرض بالنبات, وإن الذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على إعادة الحياة إلى الجثث الهامدة والعظام البالية (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم: 50].

    وذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه إحياء بعض الأموات في هذه الحياة الدنيا، فأخبر الناس في كتابه عن أصحاب الكهف, بأنه ضرب على آذانهم في الكهف ثلاثمائة وتسع سنين, ثم قاموا من رقدتهم بعد تلك الأزمان المتطاولة, قال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا) [الكهف: 12]. (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) [الكهف: 19].(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) [الكهف: 25] وغير ذلك من الأدلة والبراهين التي استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مناظراته مع زعماء الكفر والشرك.
    ________________________________________


يعمل...
X