إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

(32)السيرة النبوية - الابتلاء[الصلابي]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • (32)السيرة النبوية - الابتلاء[الصلابي]



    المبحث الثاني: سنة الابتلاء

    الابتلاء - بصفة عامة- سنة الله في خلقه, وهذا واضح في تقريرات القرآن الكريم, قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنعام: 165] وقال سبحانه: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً) [الكهف: 7] وقال جل شأنه: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [الإنسان: 2].

    الابتلاء مرتبط بالتمكين ارتباطا وثيقا، فلقد جرت سنة الله تعالى ألا يُمكِّن لأمة إلا بعد أن تمر بمراحل الاختبار المختلفة، وإلا بعد أن ينصهر معدنها في بوتقة الأحداث، فيميز الله الخبيث من الطيب, وهي سنة جارية على الأمة الإسلامية لا تتخلف, فقد شاء الله تعالى أن يبتلي المؤمنين ويختبرهم، ليمحص إيمانهم ثم يكون لهم التمكين في الأرض بعد ذلك، ولذلك جاء هذا المعنى على لسان الإمام الشافعي - رضي الله عنه - حين سأله رجل: أيهما أفضل للمرء، أن يُمكن أو يبتلى؟ فقال الإمام الشافعي: لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله تعالى ابتلى نوحًا وإبراهيم، وموسى وعيسى، ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكنهم, فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة ([الفوائد لابن القيم ص 283]

    حكمة الابتلاء وفوائده: للابتلاء حكم كثيرة من أهمها:

    1 - تصفية الصفوف:

    جعل الله الابتلاء وسيلة لتصفية نفوس الناس، ومعرفة المحق منهم والمبطل؛ وذلك لأن المرء قد لا يُكشف في الرخاء، لكنه تكشفه الشدة، قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) [العنكبوت: 2].

    2 - تربية الجماعة المسلمة:

    وفي هذا يقول سيد قطب رحمه الله: «ثم إنه الطريق الذي لا طريق غيره لإنشاء الجماعة, التي تحمل هذه الدعوة وتنهض بتكاليفها، طريق التربية لهذه الجماعة، وإخراج مكنوناتها من الخير والقوة والاحتمال، وهو طريق المزاولة العملية للتكاليف, والمعرفة الواقعية لحقيقة الناس وحقيقة الحياة، ذلك ليثبت على هذه الدعوة أصلب أصحابها عودًا، فهؤلاء هم الذين يصلحون لحملها, إذن بالصبر عليها، فهم عليها مؤتمنون» [في ظلال القرآن (2/180)]

    الكشف عن خبايا النفوس:

    وفي هذا المعنى يقول صاحب الظلال: «والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء، ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله، مغيب عن علم البشر, فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم، وهو فضل من الله من جانب، وعدل من جانب، وتربية للناس من جانب، فلا يأخذوا أحدًا إلا بما استعلن من أمره وبما حققه فعله، فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه[في ظلال القرآن (6/387)]

    4 - الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة:

    وفي هذا المعنى يقول صاحب الظلال: «وما بالله - حاشا لله - أن يعذب المؤمنين بالابتلاء، وأن يؤذيهم بالفتنة، ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة، فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق، وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات, وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام, وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله وثوابه على الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء، والنفس تصهرها الشدائد, فتنفي عنها الخبث وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع، وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل، وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات، فلا يبقى صامدًا إلا أصلبها عودًا وأقواها طبيعة، وأشدها اتصالاً بالله، وثقة فيما عنده من الحسنيين النصر أو الأجر، وهؤلاء هم الذين يسلمون الراية في النهاية مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار» ([نفس المصدر (6/389)].

    5 - معرفة حقيقة النفس:

    وفي هذا المعنى يقول صاحب الظلال: «وذلك لكي يعرف أصحاب الدعوة حقيقتهم هم أنفسهم، وهم يزاولون الحياة والجهاد مزاولة عملية واقعية، ويعرفوا حقيقة النفس البشرية وخباياها، حقيقة الجماعات والمجتمعات، وهم يرون كيف تصطرع مبادئ دعوتهم مع الشهوات في أنفسهم، وفي أنفس الناس، ويعرفون مداخل الشيطان إلى هذه النفوس، ومزالق الطريق ومسارب الضلال» [نفس المصدر(2/181)].

    6 - معرفة قدر الدعوة:

    وفي هذا المعنى يقول صاحب الظلال: «وذلك لكي تعز هذه الدعوة عليهم، وتغلو بقدر ما يصيبهم في سبيلها من غث وبلاء، وبقدر ما يضحون في سبيلها من عزيز وغالٍ، فلا يفرطوا فيها بعد ذلك مهما كانت الأحوال» [في ظلال القرآن (2/180].

    7 - الدعاية لها:

    فصبر المؤمنين على الابتلاء دعوة صامتة لهذا الدين وهي التي تدخل الناس في دينالله، ولو وهنوا أو استكانوا لما استجاب لهم أحد، لقد كان الفرد الواحد يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ثم يأتيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يمضي إلى قومه يدعوهم، ويصبر على تكذيبهم وأذاهم، ويتابع طريقه حتى يعود بقومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [انظر: فقه السيرة النبوية ص 192 ،193]. وسنرى ذلك في الصفحات القادمة إن شاء الله.

    8 - جذب بعض العناصر القوية إليها:

    وأمام صمود المسلمين وتضحياتهم، تتوق النفوس القوية إلى هذه العقيدة، ومن خلال الصلابة الإيمانية تكبر عند هذه الشخصيات الدعوة وحاملوها، فيسارعون إلى الإسلام دون تردد، وأعظم الشخصيات التي يعتز بها الإسلام دخلت إلى هذا الدين من خلال هذا الطريق [انظر: فقه السيرة النبوية ،193 ، 194].

    9 - رفع المنزلة والدرجة عند الله، وتكفير السيئات:

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه خطيئة» [مسلم شرح النووي (6/127 ، 128]] فقد يكون للعبد درجة عند الله تعالى لا يبلغها بعمله فيبتليه الله تعالى حتى يرفعه إليها، كما أن الابتلاء طريق لتكفير سيئات المسلم [انظر: التمكين للأمة الإسلامية ص 244، وانظر: فقه الابتلاء محمدأبو صعيليك ص 8: 11 ].

    كما أن للابتلاء فوائد عظيمة منها: معرفة عز الربوبية وقهرها، معرفة ذل العبودية وكسرها، الإخلاص، الإنابة إلى الله والإقبال عليه، التضرع والدعاء، الحلم عمن صدرت عنه المصيبة، العفو عن صاحبها، الصبر عليها، الفرح بها لأجل فوائدها، الشكر عليها، رحمة أهل البلاء ومساعدتهم على بلواهم، معرفة قدر نعمة العافية والشكر عليها، ما أعده الله تعالى على هذه الفوائد من ثواب الآخرة على اختلاف مراتبها، وغير ذلك من الفوائد. ومن أراد التوسع فليراجع كتاب فقه الابتلاء [انظر فقه الابتلاء محمد أبو صعيليكص 15: 28].
    ________________________________________


يعمل...
X