إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الاستعداد الصناعي والحربي - الندوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الاستعداد الصناعي والحربي - الندوي

    12-05-2014, 03:42 am


    [من كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين]

    ولكن مهمة العالم الإسلامي لا تنتهي هنا، فإذا أراد أن يضطلع برسالة الإسلام ويملك قيادة العالم فعليه بالمقدرة الفائقة، والاستعداد التام في العلوم والصناعة والتجارة وفن الحرب، وأن يستغني عن الغرب في كل مرفق من مرافق الحياة، وفي كل حاجة من الحاجات، يقوت ويكسو نفسه، ويصنع سلاحه، وينظم شؤون حياته، ويستخرج كنوز أرضه وينتفع بها، ويدير حكوماته برجاله وماله، ويمخر بحار المحيط به بسفنه وأساطيله، ويحارب العدو ببوارجه ودباباته وأسلحة بلاده، وتزيد صادراته على وارداته، ولا يحتاج إلى الاستدانة من الغرب، ولا يضطر إلى أن يلجأ إلى راية من راياته وينظم إلى معسكر من معسكراته.

    أما ما دام العالم الإسلامي خاضعاً للغرب في العلم والسياسة والصناعة والتجارة، يمتص الغرب دمه، ويحفر أرضه فيستخرج منها ماء الحياة، وتغزو بضائعه أسواق العالم الإسلامي وبيوته وجيوبه كل يوم فتستخرج منها كل شيء، وما دام العالم الإسلامي يستدين من الغرب الأموال، ويستعير منه الرجال، ليديروا حكومته، ويشغلوا الوظائف الخطيرة ويدربوا جيوشه ويستورد منه البضائع ويجلب منه الصنائع، وينظر إليه كأستاذ ومرب، وسيد ورب، لا يبرم أمراً إلا بإذنه ولا يصدر إلا عن رأيه، فلا يستطيع أبداً أن يواجه الغرب فضلاً عن أن يناهضه ويغالبه.

    هذه هي الناحية العلمية والصناعية التي أخل بها العالم الإسلامي في الماضي فعوقب بالعبودية الطويلة والحياة الذليلة، وابتلي العالم الإسلامي بالسيادة الأوربية الجائرة التي ساقت العالم إلى النار والدمار والتناحر والانتحار، فإن فرط العالم الإسلامي مرة ثانية في الاستعداد العلمي والصناعي والاستقلال في شئون حياته كتب الشقاء للعالم وطالت محنة الإنسانية وبلاؤها.

    تبوء الزعامة في العالم والتحقيق:

    وقد تنازل العالم الإسلامي – بما فيه العالم العربي – منذ زمن طويل عن مكانته في القيادة العلمية والتوجيه، والاستقلال الفكري، وأصبح عيالاً على الغرب متطفلاً على مائدته حتى في اللغة العربية وآداب اللغة وعلومها، وحتى في علوم الدين كالتفسير والحديث والفقه. وأصبح المستشرقون هم المرشدين الموجّهِين في البحث والتحقيق، والدراسة والتأليف، وهم المنتهى والمرجع والحجة في الأحكام والآراء الإسلامية والنظريات العلمية والتاريخية، وهم الأسوة في النقض والإبرام. وعدد كبير منهم قسوس وإرساليون ويهود ومسيحيون متعصبون، يضمرون للإسلام وصاحب رسالته – عليه الصلاة والسلام – العداء والبغضاء، وللحضارة الإسلامية السخرية والاستهزاء، ويخونون في النصوص والنقول، ويحرّفون الكلم عن مواضعه. ومنهم عدد لم يتقن اللغة العربية ولم يبرع فيها، وهم يخطئون في فهم النصوص وترجمتها أخطاء فاحشة، وقد تغلغلت أفكارهم ودعاياتهم في الأوساط العلمية الحديثة في العالم الإسلامي وتجلت بصورة واضحة في الدعوة إلى فضل الدين عن السياسة، وأن الدين قضية شخصية لا شأن له بالمجتمع، وفي الدعوة إلى تغيير مفهوم الدين وأحكام الشريعة الإسلامية على أساس الحضارة الغربية وفلسفتها.. إلى غير ذلك من الأفكار التي يدعو إليها تلاميذ المستشرقين والخاضعون لهم في الشرق الإسلامي.

    وقد عجز كتاب الشرق المسلمون والمفكرون الشرقيون عن مواجهة الحضارة الغربية وجهاً لوجه ونقد أسسها وقيمها نقداً حُرّاً جريئاً فيه الابتكار، وفيه الاستقلال، وقد بلغ بعضهم من ضعف التفكير، والإغراق في التقليد منزلة رأى فيها أن الحضارة الغربية هي آخر ما وصل إليه العقل البشري وأنه لا منزلة وراءها، ومنهم من دعا إلى تطبيق الحضارة الغربية برُمتها، وعلى علاتها في الشرق، ودعا بعض الأقطار الإسلامية وإذابتها فيها واختيار الثقافة اليونانية التي هي أصل الثقافات الأوربية.

    وندر في هذه الطبقة وجود( عملاق) يكفر بالحضارة الغربية وفلسفة حياتها وقيمها ويشرّح الحضارة الغربية وأُسسها التي قامت عليها في ثقة واعتداد وعلم وبصيرة، ونستثني من هذه الكلية بعض الأفراد الأفذاذ كالعلامة( محمد إقبال) من المسلمين القدامى، والأستاذ( محمد أسد) من الأوربيين المهتدين بالإسلام.

    ولابد – إذا أراد العالم الإسلامي أن يقوم على قدميه ويفكر بعقله – أن يقاوم هذا الخضوع ويكون فيه علماء عماليق وكتاب جهابذة يتناولون الحضارة الغربية بالنقد والتشريح، وكتابات المستشرقين وآرائهم بالجرح والتعديل. ويتبحرون في العلوم الإسلامية ويتعمقون فيها حتى يفيد منهم كبار المستشرقين في أوربا وأمريكا

    ويصححون بهم آراءهم وأخطاءهم، ويتوجه رواد العلم والتحقيق والدراسات العالية إلى عواصم العالم العربي وحواضر العالم الإسلامي، كما اعتادوا أن يتوجهوا إلى عواصم أوربا وأمريكا. فهذه المدن الإسلامية أولى بأن تكون مركزاً للثقافة الإسلامية والعلوم الدينية وآداب اللغة العربية من العواصم الأوربية وجامعات أوربا، ومن سقوط الهمة والقناعة بالدون أن تتخلى هذه العواصم العريقة في العلم والدين عن زعامتها العلمية ومكانتها الرئيسية.

يعمل...
X